IMLebanon

الوردة اللبنانية في خطر: الأعياد لا تكفي لإنقاذها!

flowers

باسكال صوما

أكلت المباني المساحات الخضراء، وأصبحت الأشجار والزهور كائناً غريباً عن جزء كبير من المناطق اللبنانية، وعلى رأس اللائحة بيروت، التي تحوّلت إلى مدينة غارقة بالنفايات والأبنية والفوضى.
وفيما تبدو النفايات نجمة الساحة على بياض، إلى جانب الفراغات المتنوّعة على مستوى المؤسسات، يبدو لطيفاً، وإن موجعاً، الحديث عن الأزهار، على مقربة من بداية الربيع وعيد الأم، وبعد أعياد الحب والمرأة والمعلّم.
معرّضة للانقراض!
الزهور البرية في هذه البلاد، حالها كحال كل الأشياء الجميلة، فلائحة الزهور المهددة بالانقراض تطول وتتفاقم عاماً بعد عام، ومن أبرز تلك الأنواع: «الماتيولا»، و «الباكراتيوم» التي تزرع في جزيرة الأرانب ومحمية صور، كذلك هناك أزهار «الماكميليان» التي تنسب الى جبل المكمل، وأزهار «إسطراغالس» التي تنبت في إهدن، و «إسطراغالس صوفر» التي ينمو وسطها أكثر من 48 نوعاً من الحشرات تتكاثر نتيجة وجودها.
إنما وبرغم كلّ شيء تبقى الوردة أو الزهرة أجمل طرق التعبير وأكثرها قرباً إلى قلب الانسان، وإن كان سعر الوردة في الأعياد في لبنان مثلاً يتخطّى الـ 5000 ليرة في المتاجر، بارباح مضاعفة عن السعر الذي يشترون به البضاعة المحلية والمستوردة. إنما كما يقول المثل الصيني: «اذا كان لديك قرشان فاشترِ بأحدهما رغيفاً وبالثاني زهرة»، فبرغم تعاستهم، ما زال اللبنانيون يشترون الورد، لا سيما في المناسبات والأعياد.
الورد الآن…
في هذه الأيام العصيبة، لا بدّ من الاعتراف أنّ قطاع الأزهار والشتول في لبنان، ما زال متماسكاً إلى حدٍّ ما، لأنّ هناك 100 مزارع ومنتج ما زالوا مؤمنين أنّ بوسع هذا القطاع أن يتقدّم وأن ينعش اقتصاد لبنان. فبرغم الغياب الرسمي للدولة وأجهزتها عن الزراعة عموماً، وقطاع الشتول والازهار خصوصاً، يحاول المزارعون أن يحافظوا على قيمة الوردة اللبنانية، على الأقلّ معنوياً.
يبدأ نقيب مزارعي ومنتجي الازهار والشتول روجيه معوّض حديثه لـ «السفير» بالتأكيد على أنّ «هذا القطاع واعد في لبنان، حيث تتوفر مقوّمات مهمة هي المناخ والمياه والتربة». ثمّ يستدرك بالقول: «لكنّ يداً واحدةً لا تصفّق، المزارع وحده لا يستطيع الاستمرار، بل يحتاج الى دعم الدولة، لكن للاسف تعتبر الزهرة سلعةً كمالية، برغم أنها مرغوبة في كل المناسبات، ويجري تهميش القطاع، بحيث يُفتح المجال لاستيراد الزهور بلا قيدٍ أو شرط، ما يحرم المزارع اللبناني من تطوير عمله وتحقيق الأرباح التي يستحقّها». ويضيف: «في عيد العشاق مثلاً استوردنا مليون و200 الف وردة، فيما كان نصيب الانتاج المحلي 50 الف وردة فقط»، موضحاً أنّ «نقص التجهيزات والدعم للمزارعين، يحول دون قدرتهم على تأمين التدفئة الضرورية للورد في الشتاء، لأنّ كلفة ذلك مرتفعة جداً، وبالتالي لن يستطيع المنتج اللبناني منافسة المنتج المستورد الذي يصل بسعرٍ أرخص إلى يد التجار».
ليس من الغريب أن يكون الإنتاج اللبناني كما الانسان اللبناني، بلا حماية. وليس غريباً أيضاً ألا يكون الانتاج اللبناني مرغوباً، ويستعاض عنه بالمستورد، لأسباب معقّدة بالفعل. فبرغم جودة الانتاج اللبناني في الزهور والشتول، لا سيما الوردة اللبنانية المميّزة، إلاّ أن الاستيراد من الخارج يجري بشكلٍ غير مفهوم بصراحة، من السعودية والاردن وغيرهما من البلدان. في مقابل ذلك، لا يستطيع المزارع اللبناني التصدير الى الخارج خاصة من البلدان العربية، بسبب توقف المعابر البرية، والكلفة العالية للتصدير البحري التي يعجز المزارع اللبناني، بقدراته المتواضعة، عن تحمّلها. وطبعاً الدولة اللبنانية والمعنيون فيها، في كوكبٍ آخر، بعيدٍ جداً عن هذه المعاناة.
في هذا السياق، يفيد معوّض بأنّه «بين حزيران وأيلول، يكون موسم الورد في لبنان في أوجّه، ويتمّ يومياً قطف 500 الف وردة، لكن في الاشهر الباقية من السنة، فإنّ وضع المزارعين سيئ، لارتفاع كلفة الزرع شتاءً وغياب الدعم وتفاقم المنافسة، خصوصاً من الورد المستورد من البلدان العربية». ويؤكد معوض أنّ «المزارع اللبناني يضطر الى تلف كميات كبيرة من انتاجه بسبب صعوبات التصريف»، مطالباً بتدخّل الجهات الرسمية «لدعم المزارع لناحية تزويده بالإرشادات والمعلومات وجديد الدراسات والتقنيات، وحماية الإنتاج اللبناني من المنافسة ومنع الاستيراد خلال موسم الصيف، حيث يكون الإنتاج اللبناني كافياً ووافياً، والمساعدة في إيجاد سبل تصريف الزهور والشتول اللبنانية عبر المشاركة في المعارض الدولية».
ويأسف معوّض لكون عدد مزارعي الزهور والشتول في لبنان قد تراجع من حوالي 200 مزارع الى اقل من 100 مزارعٍ مسجّلٍ في النقابة، فكثيرون أفلسوا ووقعوا بمشكلات مادية، فيما آخرون فضّلوا الذهاب الى مهن أخرى، فهذا القطاع مخاطرة حقيقيّة، إذ ليس من يعوّض الخسائر الضخمة التي قد يتكبّدها المزارعون بسبب العواصف مثلاً.
وعن سعر الوردة المتوقّع خلال عيد الام، يقول معوّض أن «المزارع يمكن أن يبيعها للتاجر بـ400 أو 500 ليرة».
إنما لا تتأمّلوا خيراً أيها اللبنانيون، فالمتاجر لن تبيع الوردة بأقل من 3000 ليرة كأدنى سعر، لتستفيد حتى آخر رمق من المناسبة.
بين الزهور والشتول
يُزرع في لبنان حوالي 400 شتلة من الاصناف الشتوية و100 موسمية، مقابل 20 نوعاً من الزهور، مقابل آلاف الانواع من الزهور البرية التي من الصعب توثيقها وتصنيفها. فعلى الرغم من تقلص المساحات الخضراء الى 13 في المئة، إلاّ أنّ هذه المخلوقات اللطيفة التي ما زالت تنمو بيننا، ما زالت ترشقنا بالأمل، وإن كان ذاهباً إلى الخيبة الأكيدة.
ويحاول المزارعون اليوم العودة إلى الشتول التراثية كالمرجان والياسمين الأبيض، التي تربّت أجيالٌ كثيرة عليها وعلى روائحها، بحيث يزرعونها من جديد وبكثرة.
ومن أبرز الزهور التي تزرع في لبنان هي الوردة والقرنفل والـ gipsofila وغيرها.
وبالعودة إلى قصص الورد، أهدى مانويل بيرينتو وهو برتغالي الأصل صديقته باقة من 518 وردة حمراء دفع ثمنها 898 يورو كي تسامحه وتعود اليه بعدما تركها 518 يوماً. وكذلك فعل سكان جنوب افريقيا الذين أهدوا رئيسهم السابق نيلسون مانديلا اكبر باقة زهور في العالم من 33 الف زهرة تعبيراً عن محبتهم.