Site icon IMLebanon

لبنان نحو “التجارة العالمية”… باقتصادٍ عارٍ

WTO
خضر حسان

يتجه مجلس الوزراء ببعض الصعوبة، الى المصادقة على إنخراط السوق اللبنانية في الأسواق العالمية من خلال عضوية لبنان في “منظمة التجارة العالمية”. وإن لم يُحسم القرار رسمياً بعد، إلا ان عودة النقاش حوله الى الأضواء بشكل مكثف، تشي بأن الإتفاق يتجه نحو الإيجابية، برغم وجود أصوات معارضة، أبرزها صوت وزير الصناعة حسين الحاج حسن، الذي يعتبر أن الدخول الى هذه المنظمة يعني القضاء على القطاعات الإقتصادية اللبنانية وزيادة العجز في الميزان التجاري.

موقف الحاج حسن يعرفه أهل الإقتصاد جيداً، لكن للأسف، فإن هؤلاء يسيرون بمعظمهم نحو تأييد الإنضمام، مستندين الى شكله لا مضمونه. وحتى دفاعهم عن وجهة نظرهم لا تحمل دعامات واقعية تفيد النقاش العلمي. فرئيس اتحاد الغرف اللبنانية ورئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير رأى في حديث لـ”المدن” أنه “لا يمكن للبنان البقاء خارج المنظمة في حين ان دولاً كثيرة انضمت إليها، ومنها اليمن، فلماذا لا ينضم لبنان؟”، تأييد شقير للإنضمام يترافق مع إعتراف بأن “هناك بعض المعوقات الإقتصادية التي يجب ان نعمل على حلها”، لكن في الإطار العام، “لا مشكلة لدى لبنان في الإنضمام الى المنظمة، ولا خوف على إقتصادنا الداخلي من هذا الإنضمام”.

يلتقي وزير الإقتصاد آلان حكيم مع شقير حول ضرورة الإنضمام الى المنظمة. وحكيم خلال كلمته التي سبقت إجتماعه وشقير مع بعثة منظمة التجارة العالمية، الخميس، إعتبر ان “المصلحة العامة في ظل الاوضاع الاقتصاية الراهنة، وعلى المدى المنظور، ترتكز على أمرين اساسيين متلازمين، اولاً الحد من البطالة، وثانياً تعادل ميزان التبادل التجاري في السلع والخدمات”، وعليه، بإعتقاد حكيم، فإن الإنضمام الى المنظمة يحل المشكلتين المذكورتين، خاصة وان “البنك الدولي يسعى منذ سنوات عديدة الى اقناع الدول بالعمل على تجنب العجز كما الفائض في الميزان التجاري، اذ يسبب الاول تفاقم البطالة والثاني التضخم”، غير ان حكيم يقر بأن للإنضمام “إيجابيات وسلبيات، لكن من أهم الايجابيات، تأكيد خريطة لبنان دولياً، وتأكيد على السيادة ومكانة لبنان في العالم”، كما ان الإنضمام يعني “استقطاب استثمارات خارجية وخلق فرص عمل، وتنشيط التجارة البينية بين الدول، وايجاد اسواق جديدة، وما الى ذلك”، ولا يتوقع حكيم ظهور النتائج الإيجابية بمجرد التوقيع على إتفاقية الإنضمام، وإنما “الايجابيات تتحقق تدريجياً”. وفي حين علّق حكيم على مسألة حماية الإنتاج المحلي بالقول إنّ الإنضمام الى المنظمة لا يعني عدم حماية الصناعة الوطنية والإنتاج الوطني، إلا ان “القلق” بدا واضحاً في كلامه، فغياب التطمينات الملموسة كان حاضراً، لكن التعويض عن ذلك جاء عبر التأكيد أنّ “الإنضمام لا يعني إنعدام التعرفة”، وسيكون الإنضمام “ضمن اطار مصالحنا وما يناسبنا، وضمن اطار رفض ما لا يناسبنا”. أما عن ضعف القطاعات الإنتاجية، وما سيحل بها بعد الإنضمام، فأعاد حكيم أزمة تراجع تلك القطاعات الى الإجحاف الداخلي، وهو من “مسؤوليتنا”، بل ان المنظمة ستساعد على “إعادة القطاعات الى خريطة الإقتصاد اللبناني”. وعليه، لم يعد السؤال – بحسب حكيم – يتمحور حول ما إذا كنا سننضم الى المنظمة أم لا، بل “كيف سننضم؟”.

السوريالية السياسية التي تُرسم بها عملية الإنضمام إلى المنظمة المذكورة لا تتقاطع مع معطيات السوق اللبنانية. فالإنضمام هذا يعني بداية إلغاء الوكالات الحصرية لصالح فتح الأسواق، وأغلب أصحاب الوكالات هم كبار التجار الذين يشكلون السواد الأعظم في لجان التجار في المناطق، وهؤلاء سيصطدمون بما تقتضيه عملية الإنضمام الرسمية. ناهيك عن صرخة المزارعين وصغار الصناعيين التي سترتفع أكثر حين تُغرق الأسواق الزراعية بالبطاطا المصرية وبالصناعات الصينية على سبيل المثال، وعندها، لا يبقى أمام لبنان سوى المحاربة بقطاع الخدمات الذي يملك نوعاً من القوة، لكنه بالطبع لن يقوى على حمل الإقتصاد ككل، من دون باقي القطاعات المتهالكة أصلاً بفعل الإتفاقيات التجارية مع أوروبا والخليج.

اللحاق بركب الإجماع العالمي على الإنضمام الى “منظمة التجارة العالمية” لا يمكن ان يحصل من دون معالجة الخلل الذاتي في إقتصاد كل دولة تريد الإنضمام الى المنظمة. أما في حال قبول دولة ما بإغراق أسواقها، فهذا لا يمكن أن يكون قاعدة عامة، خاصة وان هناك دولاً صغيرة تعيش في الأصل على المساعدات الدولية، وبالتالي فهي لا تملك ما تخسره في حال انضمت إلى المنظمة، على عكس لبنان الذي يملك إقتصاداً لا بأس به، قادراً على تلبية الطلب المحلي وبعض الطلب الخارجي. وبذلك، يفترض بالإنضمام الى المنظمة ان يرتكز على إعادة إحياء الإقتصاد اللبناني قبل البحث في تزيينه، وفي حال العكس، فإن لبنان سيودّع زراعته وصناعته وسيتحضر لإستقبال كل شيء من الخارج. وعليه، على الوزارات المسؤولة عن القطاعات الإنتاجية، إكساء الإقتصاد، فالمواجهة بإقتصادٍ عارٍ لن تجلب سوى الفيروسات التي لا تنفع معها المسكّنات الخدماتية.