كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
على مقربة من قوس المحكمة العسكريّة، وقف عبد الرحمن خضر. الشاب العشريني الذي ترك المدرسة وقرّر العمل في مجال الحدادة، أنكر عند بدء استجوابه من قبل رئيس المحكمة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم معرفته بعدد من الموقوفين.
ارتبك ما إن سمع سؤال من هم أصدقاؤك، فسكت قبل أن يجيب أنّ لديه الكثير. كان ابراهيم يريد من هذا السؤال معرفة ارتباط الموقوف بفايز عثمان وعمر وبلال ميقاتي وعبدالله الجغبير.
وبرغم أنّ خضر نفض يديه منهم، إلا أنّه عاد وروى كيف قام عمر ميقاتي الملقّب بـ “أبو هريرة” بإطلاق طلقين ناريين على أحد العسكريين بتاريخ 1 تشرين الثاني 2013، وهما على متن دراجة خضر الناريّة، نافياً أن يكون قد علم بما يحضّره ميقاتي سابقاً، فلفت الانتباه إلى أنّه كان يريد توصيله إلى ساحة التلّ عندما سمع طلقين ناريين وشاهد عسكريّا مصابا.
نسفَ الموقوف إفادة “أبو هريرة” التي أشار فيها إلى أنّه أدّى الصلاة مع خضر، الملقّب بـ “أبو أسامة” وهو عنصر في مجموعة أسامة منصور، في أحد مساجد السرايا العتيقة ثم خرجا للثأر بعد مقتل شقيقهما وقررا إطلاق النّار على أوّل عسكريّ يشاهدانه.
وهكذا استقلّ الشابان دراجة خضر وتوجّها إلى المنطقة الواقعة بالقرب من “حلويات الحلاب”، كون “العسكريين يتجمّعون في الصباح الباكر عند ساحة التلّ للانطلاق إلى وظائفهم. وبوصولنا إلى هناك، شاهدنا عسكرياً متجّهاً سيراً على الأقدام من موقف لسيارات الأجرة في ساحة التلّ. فطلبت من أبو أسامة الاقتراب منه، وعندما وصلنا بالقرب من العسكري وجهاً لوجه وبحوالي متر واحد أطلقت النّار عليه من مسدّس 9 ملم طلقةً أصابت فخذه ثم أطلقت رصاصة ثانية باتجاه رأسه، لكنني لم أصبه كونه سقط أرضاً بعد الطّلقة الأولى”.
هذا ما رواه “أبو هريرة” خلال التحقيق الأوّلي معه. فيما أصرّ خضر على أنّ ذلك غير صحيح. الشاب الذي لم يجب على سؤال رئاسة المحكمة عن “سبب طلب ميقاتي توصيله إذا لم يكن يثق بك؟”، حاول الدّفاع عن نفسه قائلاً: “لو رأيتُ ميقاتي يحمل السّلاح لما كنتُ قد أوصلته على متن دراجتي النارية”.
ولذلك، قرّر العميد ابراهيم إرجاء الجلسة إلى 13 حزيران المقبل للاستماع إلى إفادة فايز عثمان وعمر ميقاتي، سائلاً الموقوف عمّا إذا كان سيكرّر ما قاله بشأن قتل العسكريّ أمام ميقاتي، ليردّ بالإيجاب.
تخبئة السلاح
واستجوب العميد ابراهيم أيضاً الموقوفين محمّد قاسم وأحمد البقّار اللذين نفيا انتماءهما إلى مجموعة أحمد سليم ميقاتي.
وطوال الجلسة كان البقار يروي معلومات عن المجموعات الإرهابيّة قبل أن يعود وينتبه للأمر، فيؤكّد أنّه شاهدها على القنوات التلفزيونيّة أو قرأها على مجموعات على “واتس اب”.
لم يملّ الشاب من تكرار كلمة: “صدقاً لا.. صدقني لا”. ولينفي تهمة انتمائه إلى “داعش”، قال الموقوف إنّه يطلق النّار في الهواء في المناسبات وعندما يتحدّث أحد السياسيين ومنهم (الرئيس نجيب) ميقاتي، مضيفاً: “شو هالداعشي يللي بيطلق النّار في الهواء ويدخّن السيجارة”.
وأكّد البقار (شقيق بلال البقار المتّهم بضلوعه بتفجيري برج البراجنة) أن غالي حدارة حاول إقناعه بالانضمام إلى مجموعة في الضنيّة ستحرز تقدّماً وتعطي معاشات شهريّة، مشيراً إلى أن حدارة حاول أيضاً تجنيد القاسم لصالح “داعش” قبل أن يتراجع ويوضح أنّه قرأ ذلك في القرار الاتهامي.
ولاحظ العميد ابراهيم كيف ارتبك الموقوف و “نشف ريقه”، ليسأله عما إذا كان يريد الماء فردّ الموقوف سريعاً بالإيجاب. فيما نفى القاسم أن يكون حدارة قد طرح عليه هذا الموضوع، وأنكر أيضاً ما قاله في إفادته الأوليّة بأنّه كان يزوّد مجموعة ميقاتي بالأسلحة الثقيلة والذخائر ولّما تمّ القبض عليه قام وحدارة والبقار بتخبئة الأسلحة في “مسجد حمزة”.
وبعد استجوابهما، أرجأ ابراهيم الجلسة إلى 1 نيسان المقبل للمرافعة.
تكفير الجيش
من مغاوير الجيش في فوج التدخّل الرابع بدأ كفاح ابراهيم حياته، قبل أن ينتهي به الأمر في سجن رومية كمتّهم بالانضمام إلى مجموعة تؤيّد تنظيم “داعش” وتكفّر الجيش وتتعدّى على عناصره.
الرّجل ذو العضلات المفتولة، روى خلال استجوابه من قبل رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم كيف تمّ طرده من الجيش ليبدأ بالتردّد على أحد المساجد حيث التزم دينياً وتعرّف على بعض الشبّان المنتمين إلى “داعش”، إلا أنّه أبقى على علاقاته البعيدة معهم.
ينكر الموقوف أن يكون قد أطلق رصاصة واحدة على الجيش أو رمى رمانة يدويّة، وإنّما هو رأى بعض الشبّان أمثال بسّام النابوش وعلي ديب الملقّب بـ “أبو طلحة” قد فعلوا ذلك إثر توقيف المنذر الحسن.
بالنسّبة له، دليل براءته بسيط: “الثقة”، وفق ما ردّد لأكثر من مرّة، مؤكّداً أنّ هؤلاء الشبّان لم يكونوا يثقون به وهم كانوا متأكدين أنّه عنصر في مخابرات الجيش إلى أن تمّ توقيفه، مشيراً إلى علاقته الوطيدة بأكثر من ضابط وعسكري في الجيش.