كتب داود رمال في صحيفة “السفير”:
لا يبدو أن ملف الشغور الرئاسي سيجد طريقه الى الحل على المدى القريب لكي تعود الحياة الى طبيعتها في القصر الجمهوري في بعبدا.
يعود هذا التشاؤم الى أكثر من معطى: داخلي يتمثل في عدم القدرة على كسر حدة التصلّب في مواقف الفرقاء التي ازدادت تعقيدا مع الترشيحين الجديين من موقعين متناقضين لكل من رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون ورئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية، وخارجي يتمثل في تراجع الاهتمام بالوضع اللبناني ببعده الرئاسي الى حد الاضمحلال لتتقدم الى سلّم الاولويات اهتمامات اقليمية على حساب الملف اللبناني في الشرق الاوسط.
هذا ما يؤكده زوار العاصمة الاميركية واشنطن الذين عادوا بخلاصات من لقاءاتهم مع مسؤولين اميركيين مفادها “ان الرئاسة في لبنان لم تعد من اولويات السياسة الأميركية”. يشير هؤلاء الى انه “كلما تصاعد التنافس الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة، فإن لبنان لن يعود على لائحة التداول والاهتمام”.
وينقل الزوار عن المسؤولين ان ما يهم اليوم هو “الحفاظ على الاستقرار الأمني، وهم على استعداد لتقديم الدعم والمساعدة للجيش في ما يطلبه من ذخيرة وعتاد في مواجهته مع الارهاب”. هذا ما سمعه قائد الجيش العماد جان قهوجي من المسؤولين الأميركيين.
كما ان ما يهمهم هو الاقتصاد ببعده المصرفي والمالي. ويلفتون النظر الى انه عندما ذهب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مؤخرا الى الولايات المتحدة الأميركية، كانت خلاصة ما سمعه من المسؤولين المعنيين بالملف المالي والاقتصادي “لا نريد شيئا منكم، فما يهمنا هو الاستقرار المصرفي والنقدي”. وجاءت زيارة الوفد النيابي اللبناني لتؤكد على هذا التوجه الاميركي النهائي.
في النقاشات مع مسؤولين اميركيين، استخدم احدهم عبارة شهيرة للرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول عندما زاره احد كبار جنرالات الجيش الفرنسي بعد استلام ديغول سدة الرئاسة وسأله عن الموقع الذي سيسنده اليه فقال له ديغول: “vous etes la reserve de la republique” (انت احتياط الجمهورية)، وبالنسبة للادارة الاميركية، فإن الأمن والنقد هما احتياط وضمانة الجمهورية، لذلك ممنوع المساس بهما.
وما يعزز تراجع الاهتمام الدولي بالرئاسة اللبنانية هو ما حصل خلال اجتماع سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي عقد في بكركي بدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، اذ تشير الاوساط السياسية الى ان “السفير الاميركي ريتشارد جونز تعمّد اخذ الحديث خلال الاجتماع الى الانتخابات البلدية والاختيارية، معتبرا انها تجربة ديموقراطية رائدة، وهذا بحد ذاته يؤشر الى ان لا انتخابات رئاسية، وكل ما يحصل يؤدي الى مزيد من التأجيل للاستحقاق الرئاسي”.
وتتوقف الاوساط عند استحقاق الدورة العادية للمجلس النيابي منتصف الشهر الحالي. وبما ان الرئيس نبيه بري سيصر على عقد جلسات تشريعية، يتمثل السؤال الذي يطرحه خصوم الرئيس سعد الحريري: ماذا سيقول زعيم “تيار المستقبل” لزعيم “القوات اللبنانية” بعدما سبق للحريري ان التزم بعدم حضور اي جلسة تشريعية اذا لم يكن قانون الانتخابات بندا اول على جدول اعمالها؟
كل ذلك يؤشر الى ان “لبنان المحكوم بتتالي اثارة الملفات، ينتظره سجال مقبل حول التشريع.. اما الرئاسة فستبقى في الثلاجة”.