اشار السيد إبراهيم ثياو نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الى انه مضى ستون عاما تماما منذ أن أصبحت الشقيقتان التي تبلغ إحداهما خمس سنوات والأخرى سنتين، وهما من أوائل الأشخاص القاطنين قرابة الساحل الياباني والبالغ عددهم 20,000 شخص تقريبا، الذين تم تشخيصهم بصورة رسمية بأنهم مصابون بوصمة داء مؤلم لا رجعة فيه وهو التسمم بالزئبق”.
وقد استغرق الأمر عقودا للعالم لفهم علم ما يعرف بالتسمم بالزئبق وآثاره على الطعام الذي نأكله، والماء الذي نشربه والهواء الذي نتنفسه والاقتصادات والنظم الإيكولوجية التي نعتمد عليها. واليوم، نعلم أن الآثار المترتبة على التلوث بالزئبق الحالي ستتجرعها الأجيال التي ستأتي بعد جيل أطفالنا وأطفالهم.
وعلى الرغم من علمنا بهذا، إلا أن الأطفال الصغار وكثير من البالغين في جميع أنحاء العالم ما زالوا يعانون من شبح داء الزئبق. فمن الفلبين إلى إندونيسيا، ومن بيرو إلى الإكوادور ومن غانا إلى زيمبابوي، تعد الصناعة التقليدية لمناجم الذهب مسؤولة عما يزيد عن ثلث انبعاثات ومناولات واستنشاق الزئبق يوما بعد يوم.
وكذلك الأمر في المناطق النائية مثل أوروبا وأستراليا والصين والولايات المتحدة، تساهم الأنشطة الشائعة مثل البناء، والحرق، أو حرق الفحم، في انبعاثات الزئبق داخل المجتمعات التي تغفل وجود الزئبق أو فاعليته.
بيد أنه إذا كان التعرض للزئبق لا خيار فيه أو ناتج عن قلة الوعي، فإن الضرر الناجم عنه يبقى كما هو.
وللأسف، وعلى الرغم من مرور ستة عقود على اتفاقية ميناماتا، إلا أن معارفنا الجيدة لا تزال تعاني من ثغرات خطيرة. حيث تشير التقديرات إلى أن انبعاثات الزئبق في جميع أنحاء العالم التي هي من صنع الإنسان تبلغ 2000 طن، ولكن التوقعات تؤكد أكثر من ضعف هذا العدد – التي تتراوح ما بين 1000 – 4000 طن. وتعد الأنشطة الأساسية التي يقوم بها الإنسان مثل صنع الخرسانات، وحرق الفحم، مسؤولة عن ثلث انبعاثات الزئبق، الأمر الذي يؤدي إلى وجود ثغرة كبيرة تشعرنا بالقلق.
ومع مثل هذا النطاق الجغرافي والأجيال المعرضة للتسمم بالزئبق، يجب أن يكون التصدي لهذه المشكلة جزء من نهج منتظم لدورة الحياة لكل من الدول المتقدمة والنامية.
وإضافة إلى هذا النهج، يجب أن تشمل الجهود المتضافرة بين القطاعين العام والخاص، على المراقبة والتخلص التدريجي وحظر استخدام أو تداول الزئبق ومركباته؛ لضمان الإدارة السليمة للنفايات ومعالجة المواقع الملوثة؛ ولتبادل الخبرات والتكنولوجيات لجعل كل ذلك ممكنا.
وتقتل الملوثات ما يقرب من تسعة ملايين شخص سنويا، أما بالنسبة إلى الزئبق، فإنه ينتشر ويتضخم في جميع مراحل الحياة الطويلة.
إن شبح الملوثات له آثار على الصحة، والفقر، والإنتاج والاستهلاك، والأمن، والنمو الاقتصادي، الذي يفسر السبب في أن البيئة، والمواد الكيميائية، والتلوث، والنفايات جزءا لا يتجزأ تقريبا من جميع أهداف جدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030 البالغ عددها 17 هدفا، كما يفسر سبب، لماذا لا يمكن معالجة هذه القضايا من قِبل أي بلد أو منطقة أو أصحاب مصلحة بصورة منفردة.
وبالنسبة للمواد الكيميائية، فإن الخيارات الصعبة للتصدي لها ، تنعكس في تضافر جهود أكثر من 100 شريك في الشراكة العالمية الخاصة بالزئبق التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وفي نطاق اتفاقية ميناماتا الطموحة.
وتعد اليابان أحدث الدول التي انضمت إلى اتفاقية ميناماتا للحد من استخدام وتلوث الزئبق، بالإضافة إلى قائمة من 23 بلدا قام بالتصديق على الاتفاقية، في حين يعمل كثيرين آخرين بجد ليحذو حذو هذه الدول. ولكن علينا أن نبني على هذا الزخم إذ كنا نريد ضمان دخول الاتفاقية حيز النفاذ هذا العام، مما يتيح لنا فرصة لإعادة التركيز على تنفيذها.
وأما مصير نجاح أو فشل جدول أعمال عام 2030 فيعتمد على قدرتنا في تحقيق ذلك كجزء من الجهود المبذولة لإدارة المواد الكيميائية والنفايات على نطاق أوسع، ومتعدد الأطراف مثل اتفاقيات بازل وروتردام واستكهولم، والنهج الاستراتيجي للإدارة الدولية للمواد الكيميائية.
وفي نهاية المطاف، فإن هذه الاتفاقيات ليست حبرا على الأوراق التي كتبت عليها. فقد تم التوصل إلى هذه الاتفاقيات من أجل تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع. وبعد معرفة كل هذه الأشياء- هل سمعتم في أي وقت مضى عن قيام شخص ثري بالتطوع للعمل داخل أي منجم، أو شرب ماء ملوث، أو المخاطرة بصحة وأمن أطفاله.
إن صحة ورفاهية سكان هذا الكوكب ستكون نبراسا للمفاوضات المتعلقة بالزئبق التي ستجرى هذا الأسبوع وخلال محادثات جمعية الأمم المتحدة للبيئة التي ستجرى في شهر مايو القادم، حيث سيجتمع وزراء البيئة في العالم لتوفير كوكب صحي تتمتع به شعوب العالم.
وكما قال الرئيس أوباما ” لقد كان يوما جيدا” عندما أعلنت الولايات المتحدة معايير انبعاثات الزئبق في عام 2013، بناء على 20 سنة من الجهود المبذولة في مختلف الأطياف السياسية، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من كونها أول دولة تقوم بالتصديق على اتفاقية ميناماتا.
وهذه الأيام، يحتاج العالم وبصورة ماسة إلى “يوم جيد” آخر للسيطرة على الزئبق، ويوفر هذا الأسبوع فرصة مماثلة للوفود المجتمعة على شواطئ البحر الميت.
ومن خلال اتخاذ الخطوة النهائية لتنفيذ الاتفاقية المتعلقة بالزئبق، يمكن للوفود أن تقدم تأثيرا ملموسا على أرض الواقع مع معالجة هذه القضية الفتاكة، التي تعد في كثير من الأحيان غير مرئية، والتي قد تصيب الناس من المهد إلى اللحد. فلنفكر في هذا الأمر: ترتفع مخاطر الزئبق من المهد إلى اللحد. فإلى متى يمكننا تجاهل هذه القضية دون القيام بشئ حيال ذلك؟