موريس متى
سلسلة أزمات تعصف بلبنان على أكثر من صعيد، منها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها. لكن على رغم كل هذه الظروف الصعبة، تمكن القطاع المصرفي من الصمود بشكل قوي في وجه الضربات المتلاحقة، ما جعل منه مثالا يحتذى ليس عربياً فحسب وإنما اقليمياً وعالمياً.
“الليرة اللبنانية مستقرة وستبقى مستقرة، ومصرف لبنان يملك كل الادوات الذاتية لكي يحافظ على الاستقرار النقدي”، بهذه العبارة يستهل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حديثه إلى “النهار”، معتبراً أن سياسة المركزي كانت وما زالت وستبقى، المحافظة على استقرار العملة المحلية ونسب الفوائد. ويتابع: “لا حاجة لإتمام أي عمليات تحويل من الليرة الى الدولار لرفع مستوى الدولرة في السوق، كون الدولرة مرتفعة ومستقرة، ومرّ لبنان في مراحل أصعب من التي نمر فيها وتمكن مصرف لبنان من المحافظة على استقرار الليرة وسعر الصرف. معظم اللبنانيين مدخولهم بالليرة، من هنا يجب المحافظة على قدرتهم الشرائية”.
وفي هذا السياق، يؤكد الحاكم أن الاسواق لم تظهر أي مخاوف في الاسابيع الماضية ولا سيما بعد تأزم العلاقات الديبلوماسية مع الدول الخليجية وتحديداً السعودية. ويقول في هذا السياق: “ما حصل شكّل صدمة نفسيّة في الداخل اللبناني خلقت نوعاً من التشكيك والتساؤلات لكن الموضوع انتهى، والأرقام التي نشرت عن الودائع السعودية في مصرف لبنان مبالغ فيها. وهنا نؤكد أن المركزي لم يتلقّ أي اتصال من السلطات السعودية أو أي سلطة خليجية للبحث في موضوع الودائع”. ويؤكد أن لدى لبنان موجودات وإحتياطات كبيرة، بالاضافة الى أنه يتمتع بقطاع مصرفي صلب وقوي ما يساعده على الصمود في وجه أي أزمة. وفي ما يتعلق بالموجودات الخليجية في المصارف اللبنانية يقول الحاكم: “لدينا قانون السرية المصرفية التي تمنعنا من الافصاح عن حجم هذه الأموال، لكننا لم نلاحظ اي خروج لأموال من المصارف في الفترة الماضية بل بالعكس رصدنا دخول المزيد من الاموال”. ويتابع: “آمل أن تستعيد الحكومة العلاقات الايجابية مع المملكة والدول الخليجية لأن لبنان كان على الدوام شريكاً اقتصادياً وتجارياً مهماً لهذه الدول”.
التحويلات الى لبنان…
في هذا السياق، يتوقع سلامة ان تشهد التحويلات الى لبنان تراجعاً في الفترة المقبلة نتيجة تراجع أسعار النفط عالمياً، ما أدى تالياً الى تراجع حجم السيولة في كل المنطقة. ويعتبر أن انخفاض سعر النفط سيؤدي حكماً الى تراجع حجم التدفقات المالية من الخليج وافريقيا نحو لبنان، لافتاً الى أن “مصرف لبنان يمكنه مواجهة أي أزمة نتيجة اعتماده سياسات محافظة تبقي السيولة مرتفعة، كما ساهمت السياسة المحافظة التي اعتمدها في تأسيس احتياطات بالعملات الأجنبية توازي ما لا يقلّ عن %80 من الناتج المحلي الإجمالي”.
تبييض الاموال وتمويل الارهاب
لبنان يستوفي كل الشروط العالمية المالية المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال وتجفيف مصادر تمويل الارهاب. هكذا يلخص سلامة النتيجة التي خلصت اليها اجتماعات “مجموعة غافي” الاخيرة التي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس منتصف الشهر المنصرم. ويشير الى أن “مجموعة غافي” أكّدت أن لبنان يستوفي كل الشروط المطلوبة من حيث القانون وحيال الممارسة لمكافحة تبييض الأموال وتجفيف تمويل الإرهاب.، وأنه لن يكون هناك أي مطالبة أو متابعة بما يتعلق بلبنان”. ويعتبر سلامة أن الإعلان الصادر عن جمعية عمومية تضم 199 بلداً يريح لبنان من حيث تعامله المصرفي والمالي مع الخارج ويسهّل على من يتعامل مع المصارف اللبنانية وخصوصاً المغتربين اللبنانيين وغير المقيمين، التحويلات من لبنان وإليه”. ويلفت الى أن هذا التطوّر الإيجابي نتج من إقرار مجلس النواب والحكومة اللبنانية في تشرين الثاني 2015 ومن تعاميم مصرف لبنان”. ونتيجة لبيان “غافي”، يبقى لبنان منخرطاً في العولمة المالية مع إرادته الجدية في تطبيق جميع المعايير التي توفر الشفافية في قطاعه المالي، مما يرتد إيجاباً على وضعه الاقتصادي. وبحسب سلامة، “لم يعد مطلوباً من لبنان حالياً أي قانون لتأكيد التزامه مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، وخطر إعتباره دولة غير متعاونة انتهى، ولكن ثمة متابعة مستمرة لكيفية تطبيق لبنان لتعاميمه وقوانينه”. وفي هذا السياق، يكشف الحاكم عن زيارة قريبة سيقوم بها الى عدد من العواصم العالمية لتسليط الضوء على هذا التطور وضرورة التعاون والتعامل مع المصارف اللبنانية في الخارج.
قانون الكونغرس ضد “حزب الله”
منتصف كانون الاول 2015 أقر الكونغرس قانوناً يفرض عقوبات على المصارف المتعاملة مع “حزب الله”. يعتبر الحاكم أن هذا القانون هو قانون أميركي داخلي لكنه يطبّق على كل من يتعامل بالدولار الاميركي، او على اي مصرف في الولايات المتحدة، أو على من يتعامل مع المصارف المراسلة الاميركية. ويقول في هذا السياق: “أصدرنا في العام 2012 التعميم رقم 126 الذي يشدد على التزام المصارف اللبنانية القرارات والعقوبات التي يتم إقرارها في دول لدى لبنان علاقات مصرفية معها، ويتعامل بعملاتها”. ويتابع: “المراسيم التطبيقية الخاصة بهذا القانون لم تصدر بعد، والترجمات التي قرأناها في لبنان العديد منها ليس في مكانه. القانون أعطى 120 يوماً للخزينة الاميركية لإصدار المراسيم التطبيقية التي يجب أن يوقعها الرئيس الاميركي، مع تأكيدنا أن لبنان ملتزم هذا القانون”.
وفي سياق متصل، يستعد وفد جمعية مصارف لبنان للسفر مجدداً الى الولايات المتحدة الاميركية لمقابلة المسؤولين في وزارة الخزانة الاميركية والبنك الاحتياطي الفيديرالي والمصارف المراسلة للاطلاع على المستجدات المصرفية العالمية والقوانين والانظمة المصرفية المتطورة. عن هذه الزيارة وزيارة الوفد الرسمي اللبناني الاخيرة الى الولايات المتحدة يقول الحاكم: “تمنينا على جمعية المصارف أن تستمر في لقاءاتها مع المسؤولين في العواصم الدولية وتحديداً مع المسؤولين في دوائر الامتثال في المصارف المراسلة، نظراً الى أهمية موقعهم في ما خصّ استمرار العلاقة وتجنّب الـDe-Risking. من هنا يجب التأكيد على أن لبنان هو الدولة التي تسجل المستوى الادنى من الـ De-risking في المنطقة”.
التحفيز مستمر
تفيد القروض المدعومة الاقتصاد وتساعد اللبنانيين اجتماعياً، بدليل أن القروض السكنية تخطت الـ 100 الف وقروض التعليم الجامعي بلغت 50 الفاً، اضافة الى تحفيزات اخرى لقروض استهلاكية لها علاقة بالبيئة والطاقة البديلة. وفي سياق متصل، أعلن الحاكم أن المركزي أسس للمرحلة المقبلة، فرزمة التحفيز الخاصة بسنة 2016 هي استكمال للمبادرات التي قام بها قبل اعوام، مشيراً الى ان القروض مخصصة لقطاع السكن وتسليف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومشاريع البيئة والطاقة البديلة والتحصيل الجامعي. الى ذلك، اكد أيضاً استمرار المركزي في هندسة دعم اقتصاد المعرفة والشركات الناشئة، وهذا يتطوّر ايجاباً مع وجود اكثر من 250 مليون دولار وظّفت في هذا القطاع الذي سيكون مهماً للبنان مستقبلاً مثل القطاع المالي وقطاع النفط والغاز، وهي قطاعات ستساعد الاقتصاد على النمو. ويضيف: “نحضّر عبر هيئة الاسواق لإطلاق منصة الكترونية للتداول توفر سيولة إضافية للقطاع الخاص، وللسندات التجارية، والتي ستسمح للمغتربين المشاركة مباشرة في الاستثمار عبر الادوات المالية في لبنان. مع الاشارة الى أن كل الشروط التي وضعت على الشركات المالية العاملة حالياً في لبنان سيتم خفضها حالما يتم بدء العمل بالمنصة الجديدة، شرط أن تتعامل هذه الشركات عبر هذه المنصة”. ويشير الى “اننا اضطررنا الى رفع الهوامش المطلوبة من الزبائن، اي الـ Margin لكون التقلبات حادة جداً في الاسواق العالمية لدرجة وصلتنا العديد من الشكاوى الخاصة بخسائر ضخمة تراكمت على عدد من اللبنانيين”. ويعتبر سلامة أن مصرف لبنان قام بتغطية كل المجالات في ما يتعلق بخطة التحفيز المباشرة، ويعمل حالياً على خطة تحفيزية خاصة بقطاع الابداع الفني وسيقدم قروضاً ميسرة للعاملين بهذا القطاع شبيهة بخطة تحفيز قطاع اقتصاد المعرفة عبر التعميم 331 والذي وضع بتصرف المصارف 400 مليون دولار يتم استثمارها بالشركات الناشئة.” وينهي الحاكم حواره بعبارة “نعم، لولا خطط التحفيز التي أطلقها المصرف المركزي لكان لبنان قد سجل انكماشاً في العام 2015”.