مارسيل محمد
بعد المراحل التي مرت بها أزمة النفايات وصولاً إلى إعادة طرح خطة المطامر، لم تتطرق الحكومة الى ملف النفايات الطبية التي تعتبر أخطر بكثير من النفايات المنزلية، بل كان الحديث عن النفايات الطبية خجولاً ويترافق مع إثارة الإعلام للملف، ليعود الى الأدراج مع الوقت. علماً ان النفايات الطبية “تحتوي على مواد إشعاعية ومواد كيميائية خطيرة، وتتطلب طرق معالجة مختلفة”، بحسب ما يقوله لـ”المدن” رئيس “الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية” اسماعيل سكرية الذي يؤكد أن “الدولة تتحمل المسؤولية الأساسية في عدم معالجة النفايات الطبية، وعدم مراقبة المستشفيات ومحاسبتها، كما تتحمل المستشفيات مسؤولية ذاتية في عدم رمي النفايات عشوائياً. وايضاً تتحمل لجنة الصحة النيابية المسؤولية لأنها لا تثير هذا الملف بشكل جدي”.
أزمة النفايات الطبية حاضرة كالجمر تحت الرماد، إذ أن الأضواء سلّطت على النفايات المنزلية ومطامرها وخطة ترحيلها، وغُيّبت عن النفايات الطبية. حتى ان تولي مؤسسة “اركانسيال” معالجة النفايات الطبية في لبنان، أمر يشوبه الكثير من علامات الإستفهام، لأن عملية التخلص من النفايات الطبية تقتضي التخلص من مواد مسرطنة، وهو أمر يشوبه الغموض، أما التعقيم والفرم اللذان تتخلص “اركانسيال” بواسطتهما من النفايات الطبية، فهما ليسا الطريقة الأكثر فاعلية لذلك. اما الأخطر، فهو السؤال ماذا بعد “اركانسيال”؟ فهل ستستطيع هذه المؤسسة الإستمرار في معالجة النفايات الطبية مع تفاقم أزمة غياب أماكن المعالجة، وارتفاع حجم تلك النفايات المعالجة، والتي يحتاج التخلص من رواسبها إلى مكان خاص؟ بالطبع لن تنفع مطامر مثل الناعمة او تلك التي قد تنشأ مستقبلاً، في حل هذه الأزمة كلّية.
والمؤسسة في الأصل تجمع النفايات وتعالجها “في خمسة مراكز تابعة لها وموزعة على مختلف الأراضي اللبنانية”، وتقوم بذلك وفقاً للمرسوم الصادر في العام 2002 الذي حدد طريقة معالجة النفايات الطبية للمستشفيات، “وقد التزمت به كل المستشفيات التي تقوم بتجميع النفايات ووضعها في برادات مخصصة”، وذلك بحسب نقيب المستشفيات في لبنان سليمان هارون، الذي أكد في مؤتمر صحافي عقده، الجمعة، في مقر النقابة في بيروت، أنّ أزمة النفايات الطبية تفاقمت “بعد ظهور احتجاجات من قبل الاهالي ضد عمل المركز التابع لاركانسيال في الشمال، والذي كانت تجمع فيه وتعقم فيه نفايات المستشفيات من كسروان الى الشمال وزغرتا”. والإحتجاجات تعطي صورة عمّا يمكن ان يحصل مستقبلاً لجهة تفاقم ازمة النفايات الطبية على غرار أزمة النفايات المنزلية، خاصة وان المؤسسة، وفق هارون، “أبلغت المستشفيات في مناطق عدة، انها ستعالج نفاياتها الطبية في مركز زحلة”، لكن المؤسسة فوجئت “منذ أسبوع، بتوجيه بلدية زحلة كتاباً اليها يمنعها من معالجة النفايات الطبية من خارج قضاء زحلة”، ما يعني أن الأزمة تتجه الى التفاقم أكثر، في ظل غياب المعالجة الرسمية من قبل الدولة. وإذا لم يجد المسؤولون حلاً لهذه الازمة، وخصوصاً وزارتي البيئة والصحة، فـ “سيتسبب هذا الوضع بكارثة خطيرة”.
وفي جميع الأحوال، فإن النفايات الطبية لا تزال بالغة الخطورة، واذا كانت الدولة عاجزة عن حل أزمة النفايات المنزلية، فماذا ستقدم في موضوع النفايات الطبية التي تُحرق في أكثر من مكان، ومنها في أفران شركة “هولسيم” لصناعة الإسمنت في شكا؟ والى حين إيجاد الدولة حلولاً مناسبة، تبقى معالجة النفايات الطبية معلقة بخيوط المعالجة الحالية التي لا ترقى الى مستوى المعالجة الصحيحة. والى حينه، ستواجه المستشفيات خطر تراكم نفاياتها، متخففة من أي مسؤولية، طالما أن الدولة لا تقوم بواجباتها.