نيكول بولوك وفيليب ستافورد
لقد اندلعت الحرب في سوق الأسهم الأمريكية. على أحد الجوانب توجد المؤسسة، بقيادة بورصتي نيويورك وناسداك. وعلى الجانب الآخر “آي إي إكس” IEX، شركة التداول الناشئة مع شريحة صغيرة من الأعمال، لكن مع طموحات ضخمة بأن تصبح بورصة هي نفسها وتعطل أكبر سوق أسهم في العالم.
في الوسط توجد لجنة الأوراق المالية والبورصات، التي تدرس ما إذا كان ينبغي منح IEX حقوقا متساوية لحقوق بورصتي نيويورك وناسداك وبورصات أخرى، في قرار من المقرر أن يتخذ في 21 آذار (مارس) الجاري. باستثناء مسألة ما إذا كان ينبغي تغيير بنية سوق الأسهم الأمريكية، وجدت لجنة الأوراق المالية والبورصات نفسها عالقة في نقاش عام منقسم عادة ما يكون حول عملية متزعزعة تحظى بالقليل من الاهتمام خارج هذا القطاع.
أحد أسباب اهتمام الرأي العام هو أن IEX نجحت في تشكيل سعيها باعتباره مسألة مهمة “للإنصاف” الأساسي في الأسواق الأمريكية.
مهمة لجنة الأوراق المالية والبورصات المعلنة هي “حماية المستثمرين، والحفاظ على أسواق عادلة ومنظمة وفعالة”. لكن مع حملتها لتكون بورصة، تتساءل IEX: مصالح من هي التي يحميها النظام فعلا؟ يقول سال أرنوك، وهو مدير في ثيميس تريدينج، وداعم لـ IEX: “إن طلب IEX هو بمنزلة استفتاء على الأسواق الأمريكية الحديثة”.
IEX التي تأسست في عام 2012، تمتعت بدعاية لن يكون بإمكان معظم الشركات الناشئة سوى أن تحلم بها. مايكل لويس، أحد المؤلفين الرئيسيين في القطاع المالي والأسواق، جعل الشركة القائمة في نيويورك محور كتابه الأخيرة “فلاش بويز” Flash Boys: A Wall Street Revolt. في الكتاب، يروي لويس جهود IEX لقلب ما ينظر إليها سوق أسهم “غير عادلة” حيث تجار التداول عالي التردد يستغلون عدم الكفاءة في سوق مجزأة للغاية.
لقد تم الحفاظ على هذه التجزئة في عام 2007 عندما أجرت لجنة الأوراق المالية والبورصات عملية تجديد للسوق، بإدخال جزء من التشريع معروف باسم “ضوابط نظام السوق الوطنية” RegNMS. مع القواعد الجديدة، سعت لجنة الأوراق المالية والبورصات إلى تحديث سوق الأسهم من خلال تشجيع إنشاء مواقع تداول إلكترونية لزيادة المنافسة والحفاظ على الأسعار منخفضة.
النتيجة كانت انتشار مواقع التداول الإلكترونية بكثرة، مع عشرات المجموعات الجديدة التي تدخل هذا المجال.
عندما بدأت IEX بالتداول بعد ستة أعوام، كانت ثقة بعض المستثمرين بهذا النظام الجديد قد تحطمت بسبب “الانهيار الخاطف” والشعور بأن التداول بسرعة البرق أدى إلى تشويه السوق.
IEX كانت تملك اقتراحا بسيطا: إيجاد وسيلة لإيقاف سباق التسلح في القطاع حيث يجري تجار التداول السريع باستمرار تقييما لكل خطوة في التداول، لإلغاء أجزاء الثانية. هذا، كما تقول، يمكن أن يتحقق من خلال ما تدعوه “صندوق الأحذية السحري” – الذي يجبر بيانات التداول على اتخاذ مسار عبر 38 ميلا من كابلات الألياف البصرية الملفوفة لتوليد تأخير بمقدار 350 جزءا من الثانية. وتقول إن هذا التأخير، الذي يعادل جزءا من الألف من الوقت الذي تستغرقه غمضة عين، من شأنه ضمان أن جميع المستثمرين يعاملون معاملة عادلة.
زيادة السرعة
تزعم IEX أن هذا النظام يمكن أيضا أن يوقف التجارة المربحة التي أوجدها الوسطاء – بما في ذلك البورصات مثل ناسداك وبورصة نيويورك – من بيع وصلات فائقة السرعة لتجار التداول عالي التردد.
يجادل أندرو بروكس، رئيس تداول الأسهم الأمريكية في شركة تي راو برايس: “لطالما كنا نعتقد أن السوق معقدة للغاية – العديد من مجاميع التداول المعتمة والعديد من البورصات، ومن الصعب جدا التعبير عن المصالح التجارية. في بعض النواحي، فشل نظام السوق في حماية مصالح المستثمرين على المدى الطويل بالكامل. IEX تتعلق بالابتكار والسرعة، أو السرعة المخيبة للآمال – الدفع ضد وجهة النظر القصيرة للسرعة. إذا كان لديك أفق استثمار من عامين إلى ثلاثة أعوام، الموجود فعلا، فالأمر لا يتعلق بالسرعة. بل يتعلق بالسعر”.
لقد نما التداول عالي السرعة في العقد الماضي ليمثل نحو نصف أحجام التداول اليومية في السوق في الولايات المتحدة، على الرغم من أنه انخفض عن ذروته عندما انطلقت شركة IEX. ويقدر مستشارون أن هذه الصناعة المنزلية كسبت المليارات من تقلبات السوق خلا 2009/2008.
وأضاف لويس إلى الجدل حول التداول عالي السرعة عندما أطلق كتاب “فلاش بويز” وأعلن أن الأسواق كانت “مزورة”.
“الكتاب”، كما أصبح معروفا، أطلق نزاعا شرسا في الصناعة حول ما إذا كان يصور إلى حد ما الطريقة التي كانت تعمل بها الأسواق الأمريكية. سواء كان صدفة أم لا، بدأ المنظمون في الولايات المتحدة فرض غرامات مرتفعة للغاية على المصارف ومشغلي السوق بسبب مخالفة القواعد المتعلقة بالطريقة التي يتفاعل بها تجار التداول عالي السرعة مع المستثمرين في مواقع التداول الخاصة بها.
وسط هذا الجدل، ارتفعت مبيعات كتاب لويس وأصبحت IEX أكثر ثقة على نحو متزايد. وجمعت أموالا بلغت 75 مليون دولار وقدمت طلبا لتصبح بورصة منظمة بالكامل. من بين مؤيديها توجد صناديق تحوط قوية مثل “بيرشينج سكوير كابيتال”، التابع لبيل أكمان، و”ثيرد بوينت” لدان لويب، فضلا عن أصحاب رؤوس أموال مغامرة وقطب الكازينوهات ستيف وين.
الموافقة ستسمح لشركة IEX بزيادة حصتها السوقية، لأن الوسطاء الماليين سيضطرون لإرسال عمليات التداول إليها عندما تقدم أفضل سعر.
لقد تم تقديم طلب IEX في أيلول (سبتمبر) الماضي، وأثار حينها موجة من الجدل. يقول جيمس إينجيل، الأستاذ في جامعة جورجتاون: “لنفكر بهذا كأنه الجولة الثانية من ’ضوابط نظام السوق الوطنية‘. على وجه الخصوص إلى إي مدى يمكن أن ترغب لجنة الأوراق المالية والبورصات الذهاب في تقييد تكنولوجيا السوق؟”.
تلقت لجنة الأوراق المالية والبورصات المئات من رسائل التعليقات، مع أغلبية ساحقة تدعم شركة IEX. وقال أحد التعليقات الأنموذجية: “رفض طلب IEX من شأنه أن يكون خطوة إلى الوراء بالنسبة لثقة الرأي العام بالسوق”.
عشرات المستثمرين الأفراد يدعمون الطلب جنبا إلى جنب مع لويس، وأعضاء مجلس الشيوخ، وكثير من كبرى المؤسسات الاستثمارية والأكاديميين. ويشمل النقاد بورصات مثل بورصتي نيويورك وناسداك، فضلا عن سيتادل، صندوق التحوط وصانع السوق وشركة التداول عالي التردد.
بعض المشاركين في السوق يشعرون بالظلم من أنه تم تقديم IEX باعتبارها الرجل الصالح في هذه المعركة. وبعض تجار التداول عالي التردد يتهمون IEX سرا، بأنها تحاول التلاعب بالسوق، لكنهم يخشون انتقادها خوفا من لفت الانتباه. رؤساء البورصات يشعرون بالانزعاج على قدم المساواة من الصورة التي يظهرون بها. يقول أحد المسؤولين التنفيذيين الذي رفض الكشف عن هويته: “إنها [IEX] تحاول تخويف أي شخص ينتقدها بأنه ’الرجل السيئ‘”.
ويجادل النقاد بأن طلب IEX يتعارض مع القواعد الخاصة بلجنة الأوراق المالية والبورصات. أولا، يجب على البورصات إرسال العروض وتقديم المعلومات في السوق في أسرع وقت ممكن عمليا. ثانيا، كما يقولون، إن أنموذج IEX من شأنه أن يتناقض مع جزء غامض من ’ضوابط نظام السوق الوطنية‘ المعروف بالقاعدة 611.
الهدف من ذلك التنظيم هو ضمان أن الأسعار التي يراها المستثمرون العاديون على شاشات التداول الخاصة بهم هي أسعار شرعية وتمثل الأسعار الأكثر تنافسية. وإدخال أي تأخير على تسعير 700 جزء من الثانية من شأنه انتهاك ذلك.
يقول جميل ناظر علي، رئيس خدمات التنفيذ في شركة سيتادل: “إذا تم السماح لشركة IEX بأن تصبح بورصة، فعندما ترى الأسعار، لن تكون متأكدا ما إذا كان ذلك لا يزال السعر الحقيقي أم أنه أصبح بلا معنى. وضع المطبات لا يفعل أي شيء. لا يزال الطرف الأسرع يحصل على التداول”.
في هجوم واسع الشهر الماضي، جيفري سبريشر، الرئيس التنفيذي لبورصة إنتركونتيننتال، الشركة الأم لبورصة نيويورك، قال إن IEX تسعى بشكل فعلي لتحظى بوضع احتكاري. “هذا أمر لا يحدث في أمريكا، وليس عادلا، وليس الطريقة التي ينبغي أن يعمل بها نظامنا”.
عملية مضنية
صعود شركة IEX أيضا يهدد جزءا آخر من أعمال البورصات الحالية: بيع البيانات والوصلات إلى مواقع التداول الخاصة بها. ويحق للبورصات الحصول على نسبة من الرسوم من مجموعة من جميع عمليات تداول الأسهم الأمريكية، بينما يحتاج المستثمرون إلى وصل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم بالمنصة. ويمثل هؤلاء 7 في المائة من إجمالي الإيرادات في “باتس”، ثالث بورصة رئيسية في الولايات المتحدة.
وتزعم IEX أنه في حين أن تكاليف التكنولوجيا تواصل الانخفاض، إلا أن الرسوم التي تفرضها البورصات الحالية على الوسطاء الماليين وصناع السوق تواصل الارتفاع. وتقول إنه ينبغي توفير البيانات والتكنولوجيا بتكلفة معقولة، أو دون تكلفة على الإطلاق “لإضفاء الطابع المؤسسي على الإنصاف لأكبر عدد من المشاركين في السوق”.
ويقول آخرون إن أعمال IEX هي المعيبة – وإلا فإن مزيدا من الناس سيستخدمونها. باتس، المملوكة من قبل مجموعة من المصارف والتجار، اقتطعت 10 في المائة من الحصة السوقية قبل أن تقدم طلبا للحصول على ترخيص البورصة. ويجادل منتقدو IEX بأن إرسال عمليات التداول عبر شركة IEX لديه دافع آخر: إنها مكلفة بمقدار ثلاثة أضعاف تكلفة مواقع التداول الأخرى وتحتاج إلى تبرير أي عائد يحصل عليه كبار المستثمرين فيها.
لقد تطلب الأمر خمسة أعوام لتنجح ناسداك ـ التي تأسست في عام 1971 وعطلت النظام القديم في قاعات التداول ـ في طلبها بأن تصبح بورصة. يقول إينجيل: “إنها عموما عملية بطيئة ومضنية وكثير من الشركات الناشئة لا تنجح. عندما تمنح لجنة الأوراق المالية والبورصات ترخيص البورصة، فإنها تضع سمعتها على المحك. فهي لا تريد لأي شيء في أي بورصة جديدة أن يخفق ويحرجها”.
واتهم كلا الجانبين بعضهما بعضا باستخدام تكتيكات عنيفة. يقول أحد المراقبين “في الوقت الذي كان يتم فيه اتهام الجميع بالضغط ضدهم، فإن مالكي IEX هم من كان يضغط بقوة على واشنطن”.
يقول بعضهم إنه بالكاد من قبيل المصادفة أن طلب IEX يتم سماعه خلال عام الانتخابات. الهجمات على وول ستريت كانت ميزة مناقشات الحزب الديمقراطي، وكان هناك اقتراحات بفرض ضرائب على التداول عالي التردد. ويقول مؤيدو IEX إنهم ضد أي نظام حريص ليس فقط على حماية الوضع الراهن، لكن نظام سيكون عليه الاعتراف بأخطائه الماضية، مما يزيد من المخاطر بالنسبة للجنة الأوراق المالية والبورصات.
قد يلعب السياسيون أيضا دورا آخر. هناك مقعدان من المقاعد الشاغرة في اللجنة المكونة من خمسة أشخاص، وتكوينها يمكن أن يهتز بعد الانتخابات.
من المقرر أن تتخذ لجنة الأوراق المالية والبورصات القرار حول ما إذا كان ينبغي الموافقة على طلب IEX في غضون الأسبوعين المقبلين، على الرغم من أنها مددت الموعد النهائي مرة. لقد كانت IEX جريئة بشأن تغير هيكلتها. يقول براد كاتسياما، الرئيس التنفيذي لـ IEX: “من الواضح أننا نريد أن نحظى بالموافقة، لكن ليس مع تنازلات من شأنها تقييد قدرتنا على حماية حقوق المستثمرين حتى النهاية”.
وأجرت IEX تغييرا كبيرا واحدا لاستيعاب مخاوف تمت إثارتها خلال فترة التشاور. غيرت جزءا من التكنولوجيا الخاصة بها حيث يتم إرسال جميع الطلبات الصادرة عبر مطباتها، لكنها تجادل بأن الهيكلة ستبقى تحمي المستثمرين. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا سيكون كافيا لإرضاء المنظمين في الولايات المتحدة.
من الواضح أن IEX تأمل في الاستفادة من زخمها قبل أن يبدأ اهتمام الرأي العام بالتلاشي، الأمر الذي يضع لجنة الأوراق المالية والبورصات في دائرة الضوء.
يقول سبنسر ميندلين، المحلل في “إيت جروب”، شركة استشارة الأسواق المالية: “أنا اعتقد أن معارضتها ستكون بمنزلة انتحار سياسي بالنسبة للجنة، لكنها بحاجة إلى حفظ ماء الوجه. لجنة الأوراق المالية والبورصات تعرضت للانتقادات بسبب العواقب غير المقصودة والآن هي في موقف دفاعي. إذا عارضت الحل القائم على السوق فهذا، بتعبير مخفف، سيكون أمرا بغيضا”.