كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
يختلف دخول محمّد ج. عن مشهد دخول معظم الموقوفين المتّهمين بالإرهاب إلى المحكمة العسكريّة. ابن الثلاثين عاماً لا يشبه هؤلاء، بل إن ذقنه المخطّطة بعناية وشعره المنسدل على وجهه وكتفيه وارتداءه جاكيت جلد ضيقة عند الخصر توحي بأنّه أقرب إلى مطرب يدخل إلى المسرح أكثر من كونه متّهما بانتمائه إلى تنظيم «داعش» يدخل إلى قاعة المحكمة.
وما هي إلا دقائق، حتى تطابق محمّد مع الصّورة المتخيّلة حينما بدأ يعرّف عن نفسه قائلاً: «أنا ابن عرسال.. وكلّ عيلتي شعراء، وصوتي حلو إذا بتحب تسمع شي». لم يفرّق الموقوف بين هيئة المحكمة ولجنة تحكيم في برنامج غنائي، فحتى حينما سأله رئيس «العسكريّة» العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم عما إذا كان قد أطال شعره في السّجن أو خارجه، أجاب ضاحكاً: «لأ كان شعري متل شعرك».
بدا أنّ محمّد توّاق للكلام وللدّفاع عن نفسه ببلاغة. لم يتراجع عن إفادته الأوليّة، بل أكّد مبايعته لـ «داعش» بعد أن أقنعه علي الحجيري بأهميّة الجهاد ونقله إلى الملاهي حيث بايع أبو بكر البغدادي على السّمع والطّاعة، ليكون مسؤوله المباشر «أبو الفوز» وهو المسؤول عن التمويل عن «داعش».
وسرعان ما تمّ تكليف محمّد بالتواصل مع عدد من الجمعيّات العاملة في مجال الإغاثة داخل عرسال بغية تأمين المساعدات الماديّة والغذائيّة للتنظيم، قبل أن يكشف مسؤولو «داعش» أمامه خطتهم: «نريد بثّ الرعب في قلوب أهالي عرسال من خلال عمليّات خطف وقتل»، وتكليفه بمراقبة الوضع الأمني في البلدة.
ومن دون أن يكلّف العميد ابراهيم عناء توجيه الأسئلة، وقف الشاب أمام هيئة المحكمة ليشرح أسباب التحاقه بـ «داعش»، مختصراً كلّ شيء بجملة واحدة «ذنبي أنني ابن عرسال».
يروي محمّد أنّه لم يدخل مخفراً في حياته ولم تسجّل الدولة عليه ضبط سرعة، ولكنّ الحرب السوريّة ثمّ معارك عرسال قلبت حياته رأساً على عقب. «قوة الظلم والظلام احتلّت عرسال واستباحت كلّ مفاصل الحياة. كانت داعش هي السّلطة. ونحن عائلتنا صغيرة في عرسال ولأن داعش لا تستطيع أن تهاجم العائلات الكبيرة بدأت تهاجم العائلات الصغيرة لأنّها الحلقة الأضعف».
هكذا لم يجد محمّد حلاً إلا بالحلّ الذي أقنعه به الحجيري: الانتماء إلى «داعش». هو يؤكّد أنّ هذا الأمر لم يكن هدفه، بل بايع في العلن، وفي السرّ كان يبحث عن عمل ومنزل يؤوي عائلته خارج بلدته. وعندما وجد عملاً وسكناً، ترك «داعش» وعرسال وانتقل إلى بلدة حورتعلا قبل أن تلقي القوى الأمنيّة القبض عليه بعد خمسة أشهر.
يؤكّد الموقوف أنّه لم يشارك في معارك عرسال، بل على العكس كان يشارك مع جاره العسكريّ المتقاعد من الجيش في تأمين مأوى للعسكريين بعد إلباسهم ثياباً مدنيّة بغية تسهيل تهريبهم.
وقد أرجأ العميد ابراهيم الجلسة إلى 1 حزيران المقبل لاستكمال الاستجواب والاستماع إلى شهادة العسكريّ المتقاعد.
واستجوب ابراهيم أيضاً السوريّ نورس الخطيب الذي روى كيف تعرّف على أسامة منصور عبر «أم هشام» التي كانت تعطي زوجته دروساً خصوصيّة، فساعده «أبو عمر» في استئجار منزل في المبنى الذي كان يقطنه في باب التبانة مقابل 200 دولار شهرياً، ثمّ أوجد له عملاً في دكانه.
وبرغم كلّ ما أورده من اعترافات عن منصور ومنها أنّه لم يكن يخرج من منزله من دون حزامه النّاسف، إلا أنّ الخطيب تراجع عن إفادته الأوليّة التي كشف فيها أنّه كان نقل لمنصور سماداً زراعياً و «قساطر» إلى قبو «مسجد عبدالله مسعود»، مشيراً إلى أنّه لم ينقل إلا شوالا من السّكر لكي تكون ضمن المساعدات التي يوزّعها منصور على العائلات الفقيرة.
ونفى أيضاً أن يكون قد شارك في معارك باب التبّانة وجبل محسن بعد أن سلّمه «أبو عمر» قناصة وطلب منه البقاء على سطح أحد المباني لتقنيص المارين وعدد من العسكريين.
لم يرضَ الخطيب بأن يكون هناك «قاسم مشترك» بينه وبين أسامة منصور، مشيراً إلى أنّه لا يعرف معناها، ليقوم بإيقاع نفسه بالقول: «ليس لدينا قاسم مشترك بل نفس التفكير»، فما كان من العميد ابراهيم أن ضحك وقرّر وقف الاستجواب بشأن علاقته بمنصور عند هذه النقطة.
أمّا عن كيفيّة تعرّفه على الموقوف الفلسطيني زياد عبدالله، فأوضح الخطيب أنّه عندما تمّ نقل ابنه إلى مستشفى في صيدا أرسل رسالة إلى مجموعة على «واتس اب» هي «مجموعة أنصار الشريعة» طالباً تأمين مأوى له ولزوجته، فلبى عبدالله الطّلب.
وباستجواب عبدالله الذي كان يدرّس الفقه وينتمي لـ «عصبة الأنصار» وله ولد قتل خلال قتاله مع «جبهة النصرة» وآخر موقوف بتهمة قتاله إلى جانب أحمد الأسير في عبرا، نفى أي علاقة له بمنصور أو أن يكون قد عبّر عن إعجابه به أمام الخطيب.
وقد حكمت «العسكريّة» على الخطيب بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وعلى عبدالله بالحبس سنة.
«أسامة منصور جونيور»
عندما أبصر ابن شقيق أسامة منصور النّور منذ أشهر قليلة، لم يختر له الوالد أمير، الموقوف في سجن رومية، إسماً لابنه، بل ترك الأمر لوالدته التي سبق لها أن نذرت بأن تسمّي أول طفل يولد في العائلة باسم ابنها أسامة.
مع ذلك، يقول أمير إنّه لم يرتكب أي جرم، بل إنه يقبع في السجن بسبب اسم شقيقه: «صار فينا هيك، هو الذي جرجرجنا إلى الحبوس»، بحسب ما قال خلال استجوابه أمام المحكمة العسكريّة.
يتذكّر الشاب العشريني كيف كان والده يحذّر شقيقه الأكبر أسامة للابتعاد عن فكره الديني قبل أن ييأس ويقول له: «أنتَ لن تتوقّف إلا عندما نصبح كلّنا في السجون».
لا يعرف الموقوف كيف اختار «أبو عمر» هذا الطريق بعد أن خرج من الجيش، ولا يملك معلومات عمّا إذا كان ذهابه إلى سوريا هو الذي أثّر فيه أم تردّده إلى منزل الشيخ عمر بكري فستق حيث كان يتلقّى دروساً دينيّة.
ينفي الموقوف أي علاقة له بشقيقه الذي كان يقود مجموعة كبيرة، على حدّ قوله. ويلفت الانتباه إلى أنّه كان يعمل في محلّ لبيع الهواتف منذ أكثر من 6 سنوات، وإن أنكر أنّه كان يساعد شقيقه في امتلاك خطوط أمنية، مشدداً على أنّه لم يكن أصلاً يبيع الهواتف بل كانت مجموعة أسامة تتردّد إلى منزله لشراء بطاقات التشريج فقط.
أمّا عن مضمون الدّعوى ضدّه واتهامه بأنه ضالع في إطلاق النّار على باص للعسكريين كان يمرّ عند دوّار أبو علي، وفق ما جاء في إفادة العسكري المنشقّ الموقوف عمر شميطة والموقوف حسين العتري، فقد أكّد أمير أن لا علاقة له بهذا الأمر. فيما طلب وكيل الدّفاع عنه المحامي فوّاز زكريا أن يتمّ الاستماع إلى الموقوفين، فوافق رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن خليل ابراهيم وأرجأ الجلسة إلى 18 المقبل لاستكمال الاستجواب.