كتبت رولا حداد
11 عاماً مرّت على ذاك اليوم المجيد حقاً من تاريخ لبنان.
يوم مجيد لأن اللبنانيين توحّدوا من دون سابق إنذار، في وجه الاحتلال السوري أولاً، ومن أجل العدالة طبعاً، ولكن وقبل كل شيء نزلوا الى ساحة الحرية لمواجهة محاولة “حزب الله” وأمينه العام السيد حسن نصرالله مصادرة البلد قبل 6 أيام، في 8 آذار 2005 تحديداً، تحت شعار “شكراً سوريا”.
لم يتحرّك اللبنانيون يومها بناءً على نداءات سياسيين. لم ينتظروا من يدفع لهم ثمن التنقلات الى بيروت. لم يسألوا أي زعيم سيخطب أو في أي صف سيجلسون. حملوا العلم اللبناني فقط، لم يأبهوا بأي خطر قد يستهدفهم، أو لأي قمع قد يطالهم من الأجهزة الأمنية في نظام كان لا يزال خاضعا لوصاية الاحتلال المباشر. وآمنوا أن لبنان أكبر من الجميع ويستحق التضحية.
في القراءة السياسية لمشهدية 14 آذار 2005، لا بد من التوقف عند النقاط الآتية:
ـ أولاً: لا فضل لأي تنظيم أو حزب أو تيار سياسي في تكوّن ما حصل في ذلك اليوم. وبالتالي فإن مشاركة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين لم تكن تلبية لدعوة من أي طرف سياسي.
ـ ثانياً: استشهاد الرئيس رفيق الحريري كان حصل قبل شهر بالتمام والكمال على 14 آذار 2005. وبالتالي فإن من غير المنطقي ربط ما حصل باغتيال الحريري، والذي كان له أثره الطبيعي، ولكنه لم يكن الأساس. فرد الفعل الشعبي على اغتيال الحريري حصل يوم جنازة الرئيس الشهيد ورفاقه في وسط بيروت، وهذه الجنازة جمعت حوالى 300 ألف لبناني من كل الطوائف.
ـ ثالثاً: قبل أسبوع من 14 آذار 2005، وتحديدا الاثنين 7 آذار 2005، حصلت تظاهرة لأحزاب وشخصيات البريستول يومذاك. وكانت لا تزال التظاهرات كل اثنين منذ 14 شباط خجولة. وبالتالي فإن الـmomentum الذي حرّك الجماهير يوم الاثنين 14 آذار 2005 لم يكن يتعلّق بكل ما سبق، ولا بكل المحاولات السياسية لخلقه.
ـ رابعاً: تظاهرة 14 آذار 2005 تدين بحشدها وبكل الجماهير التي تقاطرت من كل المناطق والقرى اللبنانية الى شخص وحيد اسمه حسن نصرالله في خطابين له: الأول الاثنين 7 شباط حين دعا “جمهوره” الى النزول الى تظاهرة “شكراً سوريا” مستهزئا بتظاهرات “مجموعة البريستول”. وحين وصل به الأمر الى الطلب من المصورين “اعملوا قد فيكن زوم أوت حتى يشوف العالم اللبنانيين وين… ومش متل ما بتعملوا زوم إن على التظاهرات الأخرى”. والخطاب الثاني هو خطابه يوم تظاهرة 8 آذار الذي دعا فيه سوريا- الأسد الى البقاء في لبنان.
ـ خامساً: قام اللبنانيون في 14 آذار 2005 برد فعل غير مسبوق في مواجهة “حزب الله” والسيد حسن نصرالله تحديداً، وذلك للتأكيد أن الأكثرية الجماهيرية والشعبية هي ضدّ مشروع “حزب الله”، وضد محاولة وضع يده على لبنان. وقد تجلت هذه الحقيقة برفع الجماهير لشعار “زوم آوت” للتأكيد على أنهم الأكثرية.
في الخلاصة، أثبت اللبنانيون أن بأكثريتهم الساحقة هم ضد مشروع “حزب الله” وضد احتلاله العملي للبنان، وذلك بعد أن حسموا أن جيش بشار الأسد كان أصبح خارج لبنان عمليا، ولو تاخر انسحابه فعليا الى 26 نيسان 2005. وأثبت الشعب اللبناني أنه قادر على كسر “حزب الله”، وأنه لا يهابه مهما بلغت التحديات.
أما مشكلة 14 آذار الفعلية فكانت في الأكثرية الساحقة من قادتها وسياسييها الذين احترفوا فنّ المساومات والتنازلات والانبطاح أمام “حزب الله”، إما خوفاً من المواجهة بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت عدداً منهم، وإما طمعاً ببعض مكاسب السلطة التي لا يستطيعون العيش خارجها.
واليوم 14 آذار تحتضر وتنازع، ليس لأن جمهورها ضعف أو تراجع، بل لأن أغلبية قياداتها وقعت في فخ أسلوب “حزب الله” الذي ورثه عن نظام البعث، وعنوانه “فرّق تسُد”. فعادت أكثرية سياسيي “انتفاضة الاستقلال” الى مربعات طائفية، والى اللهاث خلف مناصب سلطة ومحاصصة، على حساب القضية التي استشهد من أجلها جميع الشهداء!