جيمس ويلسون
يحب المتسوقون الذين يتزاحمون في متجر هارودز في لندن التنزيلات كثيرا، تماما كما يحبها أي شخص آخر، لكن في إحدى زوايا الطابق الثاني ارتفعت الأسعار بالفعل 19 في المائة هذا العام.
في هذه الزاوية يبيع المتجر سبائك الذهب، ما يقدم للناس فرصة لشراء المعدن الثمين بوصفه استثمارا خلال الأوقات الاقتصادية المضطربة. تبلغ تكلفة شريحة الذهب التي تشبه بطاقة الهاتف المحمول نحو 40 جنيها استرلينيا، في الوقت الذي تتوافر فيه قطع يبلغ وزنها كيلو، تشبه في حجمها لوح شوكولاته صغير، بسعر 29 ألف جنيه. يستطيع المتسوقون شراء الألواح التي تحمل نقوشا لشعار المتجر الشهير، في الوقت الذي ربما يرغب فيه المشترون الصينيون في وجود صورة “عام القرد”. حتى إن فكرة جان بول غوتييه موجودة مقابل دفع علاوة طفيفة.
هناك مسافة طويلة بين واجهات العرض في متجر هارودز والمناجم الواسعة الموجودة في جميع أنحاء العالم، التي تستخرج هذا المعدن الثمين. لكن تلك الأجزاء المختلفة من صناعة الذهب تبتهج بسبب أقوى افتتاح سنوي منذ أكثر من ثلاثة عقود، مع وصول سعر الذهب إلى أعلى مستوى خلال 13 شهرا، حين بلغ 1283 دولارا للأونصة أمس الأول، ما يثير الآمال في إنهاء فترة من الانكماش المدمر في هذا القطاع.
يعود الطلب على الذهب في وقت يتزايد فيه القلق حول صحة الاقتصاد العالمي وقدرة المصارف المركزية على هندسة الانتعاش. وعندما خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة أكثر يوم الخميس، ساعد على دفع أسعار الذهب الذي يعتبر أحد أصول الملاذ الآمن.
والاعتقاد في الذهب الذي يعمل على تحريك مشتري التجزئة لهذا المعدن، هو نفسه الذي يحفز أسهم شركات التعدين الرئيسة. وقد ارتفعت أسهم “باريك جولد”، أكبر شركة لتعدين الذهب في العالم من حيث الحجم، 90 في المائة تقريبا حتى الآن من هذا العام. وارتفعت أسهم “راندجولد للموارد”، شركة المناجم الأعلى قيمة، المدرجة في المملكة المتحدة، 54 في المائة خلال الفترة نفسها. ووصلت أسهم المناجم في كل من أستراليا وجنوب إفريقيا إلى مستويات مرتفعة لأن العملات المحلية الأضعف عززت الأرباح.
بالنسبة للمساهمين جاء الانتعاش متأخرا بعض الشيء. فقد وصل سعر الذهب بالدولار ذروته في عام 2011، ومنذ ذلك الحين شطبت المناجم الرائدة في هذا المعدن الثمين استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات تم تنفيذها خلال فترة امتدت عقدا كانت فيها السوق هابطة. وفقا لمحللي دويتشه بانك، يبلغ مجموع عمليات شطب الأصول للمناجم الأربعة الرائدة في أمريكا الشمالية فقط – “باريك” و”نيوماونت للتعدين” و”جولد كروب” و”كينروس” – ما قيمته 57 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية.
وقال تشاك جينز، الذي تنحى من منصبه رئيسا تنفيذيا لمجموعة جولد كروب الشهر الماضي بسبب خسارة الشركة 4.9 مليار دولار في بعض المشاريع: “أكره فكرة أنه كان ينبغي لنا اتخاذ مثل عمليات الشطب المذكورة للأصول. وحقيقة أن جميع أقراننا تقريبا فعلوا الشيء نفسه أو أسوأ منه خلال السنوات القليلة الماضية لا تهون الأمر علينا”.
تلك القصة من التكيف المالي المؤلم بعد فترة من الاستثمار الأكثر اندفاعا طغت على قطاع صناعة التعدين خلال العام الماضي، بينما وصلت أسعار عديد من السلع الأساسية إلى أدنى مستوياتها خلال عقد من الزمان، جزئيا بسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين. وانخفضت الأرباح وتراجعت من قبل منتجي الذهب وكذلك المناجم المتنوعة الأكبر.
لكن لأن الانخفاض في أسعار الذهب بدأ في وقت مبكر، كان لدى المتعاملين مع هذا المعدن الثمين وقت أطول للاستجابة من الأقران الأكثر تنوعا. والنتائج الأحدث الصادرة عن منتجي الذهب تشير إلى أنهم وصلوا أخيرا إلى مرحلة السيطرة على عواقب الهبوط، وهذا يحفز أسعار الأسهم.
يقول ستيفن ووكر، المحلل لدى آر بي سي لأسواق رأس المال: “أعتقد أن القطاع يبدأ الآن بشكل جماعي، ولأول مرة منذ سنوات عدة، في تلبية توقعات حملة الأسهم”.
ويضيف: “الغالبية العظمى من الشركات متجهة الآن في المسار الصحيح، ويمكنك رؤية ذلك من خلال أداء أسعار الأسهم لديها، التي ساعدها التحرك الأخير في أسعار الذهب، على الرغم من أنه إذا استمر منتجو الذهب في تلبية التوقعات أو هزيمتها، فقد يستمر التفوق في الأداء حتى في ظل وجود بيئة أسعار ثابتة للذهب”.
وعلى الرغم من الانخفاض 10 في المائة في أسعار الذهب خلال عام 2015، تمكنت مناجم الذهب الكبرى من تحسين تدفقها النقدي الحر في الوقت الذي خفضت فيه الديون التي تراكمت خلال فترات الازدهار.
ومن المسلم به أن هناك عوامل خارجية ساعدت على تخفيض التكلفة لديهم: قال منجم نيوماونت، ثاني أكبر منتج للذهب، إن أسعار النفط المواتية وأسعار الصرف كانت تمثل 60 في المائة من تكلفة التحسينات العام الماضي.
وعملت شركات التعدين أيضا على التكيف مع الواقع عن طريق تبني افتراضات أكثر تحفظا حول أسعار الذهب.
ولم تكن الحقيقة الجديدة أكثر وضوحا في أي مكان كما كانت في منجم باريك. قبل خمسة أعوام، كان يتفاخر بالارتفاع المدروس في النمو الذي رفع حتى الآن إنتاجه إلى أكثر من تسعة ملايين أونصة من الذهب سنويا. مع ذلك، الذي حدث هو أن باريك أنتج فقط 6.1 مليون أونصة من الذهب العام الماضي، وخلال ثلاث سنوات ربما ينخفض الإنتاج إلى ما دون خمسة ملايين أونصة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تجريده من لقب أكبر منتج للذهب في العالم.
يقول كيلفن داشنيسكي، رئيس منجم باريك: “سيقاس إنتاجنا من خلال الجودة وليس الكمية. في الوقت الذي ننتج فيه كميات أقل من الأونصات اليوم مما كنا ننتجه خلال السنوات الأخيرة، نقوم بتوليد نقدية أكثر بكثير”.
ومع وجود مزيد من الشركات التي تتصرف بشكل مشابه، ربما وصل إنتاج مناجم الذهب إلى ذروته – وهو عامل آخر ينبغي أن يقدم الدعم لأسعار المعدن الثمين طويلة الأجل.
ووفقا لمسح أجرته وكالة تومسون رويترز، انخفض إنتاج المناجم 4 في المائة سنويا خلال الفصل الأخير من عام 2015، وسيتقلص هذا العام ـ للمرة الأولى منذ عام 2008.
واحتياطيات الذهب – التي تمثل مخزون الشركات من الخام الذي ستكون قادرة على استخراجه بشكل مربح – آخذة أيضا في الانخفاض. يقول محللو دويتشه بانك إن مناجم الذهب الأربعة الكبرى في أمريكا الشمالية لديها فقط 15 عاما من الاحتياطيات، ما يعني في الواقع أنها لم تستطع تغطية إنتاج العامين الماضيين.
في صناعة كالتعدين، تعتمد صحة وسلامة الشركات على المدى الطويل على وضع حد للتدهور في الاحتياطيات. لكن في الوقت الراهن مخاوف المستثمرين بشأن الاحتياطيات تتم تنحيتها جانبا، كما يقول ووكر.
ويضيف: “إنهم يقبلون فكرة أن الاحتياطيات ربما تتراجع وهم الآن أكثر تركيزا على تحسين الهوامش التي تولد تدفقات نقدية حرة تساعد على تخفيض الديون”.
ربما يكون الطلب على الذهب آخذا في الارتفاع، لكن الفوائد لم تتسرب بعد إلى أكبر محال الحُلي في العالم. وبينما تثير اتجاهات الاقتصاد الكلي المزعجة الاهتمام بالذهب كاستثمار، تعتبر بالنسبة لتجار التجزئة عوامل تبقي الناس خارج المتاجر.
قال تشاو تاي فوك، بائع حُلي صيني، الشهر الماضي إن مبيعات الذهب في متاجرهم انخفضت أكثر من 30 في المائة خلال فترة عطلة العام الجديد الصيني التي تمتد ثلاثة أسابيع مقارنة بالفترة ذاتها قبل عام. يعزى هذا الانخفاض جزئيا إلى “ضعف ثقة المستهلكين بالسلع الكمالية بسبب التباطؤ الاقتصادي والتقلبات الأخيرة في أسواق الأسهم”.
على الجانب الآخر من العالم، قالت شركة تيفاني – التي تقدم تقاريرها المتعلقة بنتائج عام 2015 هذا الأسبوع – إن مبيعاتها خلال موسم العطلات انخفضت 5 في المائة على أساس مقارن، مع تأثير الدولار القوي على إنفاق السياح في متاجرها الموجودة في نيويورك. ومع وجود استخدامات صناعية قليلة للذهب تبقى محال الحُلي، بحسب مجلس الذهب العالمي، أكبر محرك للطلب الذي يأتي أكثر من 60 في المائة منه من الصين والهند، حيث العملاء حساسون تقليديا للتغيرات في أسعار هذا المعدن الثمين ـ في العام الماضي انخفض طلب صناعة الحُلي 3 في المائة إلى 2400 طن.
في المقابل، كان الاستثمار في الذهب آخذا في الارتفاع. وقال مجلس الذهب إن عمليات شراء الذهب من قبل البنوك المركزية ارتفعت خلال النصف الثاني من العام الماضي، ما يجعل من 2015 السنة السادسة على التوالي التي تكون فيها تلك المؤسسات المالية مشتريا صافيا.
لكن التغير الكبير في الطلب هذا العام شمل الصناديق المتداولة المستندة إلى الذهب. ومنذ بداية العام حتى الآن، اشترت هذه الصناديق كميات أكبر مما باعت خلال عام 2015 بأكلمه.