تحاول مصر وتونس ودول عربية أخرى مواجهة الانهيارات التي أصابت سياحتها بإجراءات أمنية مشددة وحملات ترويجية مكثفة، السؤال هل ينجح ذلك في عودة الانتعاش المطلوب إلى قطاع حساس علق عليه العرب أكبر الآمال حتى قبل بضع سنوات؟
لم تغرب شمس السياحة العربية أو “نفط العرب في القرن الحادي والعشرين” رغم الهجمات الإرهابية، لكن سطوعها يبهت وحضورها يتراجع على وقع ضربات هذه الهجمات كتلك التي حلت مؤخرا بمدينة بن قردان التونسية. وهذا ما عكسه الحضور العربي المتواضع في معرض برلين الدولي للسياحة / آي تي بي ITBهذا العام مقارنة بأعوام قريبة ماضية رغم بعض الاستثناءات التي يظهرها الانتعاش الملموس في السياحة المغربية والخليجية.
على العموم يبدو أن نسب النمو السياحي الأعلى التي تمتعت بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسنوات على مستوى العالم تدير ظهرها باتجاه أهداف سياحية جديدة مثل أسبانيا وإيطاليا وجزر المحيطات ودول جنوب وجنوب شرق القارة الأسيوية، ففي الوقت الذي اكتملت فيه الحجوزات على الأماكن المتاحة في المنتجعات السياحية الإسبانية مثلا، فإن ما لا يقل عن 30 إلى 40 بالمائة من المنتجعات السياحية التونسية والمصرية تعطلت عن العمل. وبالنسبة إلى مصر هناك تقارير إعلامية تفيد بأن 70 بالمائة من فنادق شرم الشيخ وسواحل البحر الأحمر الأخرى مغلقة لحين بدء عودة السياح الروس والبريطانيين.
انهيارات سياحية في تونس وانتعاش في المغرب
وإذا كانت مصر وتونس خسرتا مالا يقل عن ثلث دخلهما السياحي بسبب لعنة العنف والإرهاب، فإن القطاع السياحي من الخارج تعرض للشلل التام في سوريا واليمن. وعلى عكس مصر وتونس وسوريا واليمن فإن البلدان التي بقيت في منأى عن الهجمات الإرهابية شهدت انتعاشا سياحيا ملموسا كالمغرب والإمارات. ففي المغرب على سبيل المثال ارتفع عدد السياح القادمين من ألمانيا بنسبة 8 بالمائة ليصل إلى 615 ألف سائح خلال العام الماضي. وتهدف سلطات السياحة المغربية إلى جذب 20 مليون سائح بينهم مليون ألماني بحلول 2020. ويشجع الانتعاش المذكور هذه الدول ودول عربية أخرى تتمتع باستقرار أمني كالسودان والجزائر على القيام بحملات ترويج قوية لأهدافها السياحية في معرض برلين الدولي للسياحة الذي تحضره غالبية دول العالم ومن بينها غالبية الدول العربية إلى جانب معظم مؤسسات السفر والسياحة. وتركز هذه الحملات أكثر من ذي قبل على تشجيع السياحة الداخلية والسياحة من دول الجيران ودول منطقة الخليج التي كانت في السابق من أبرز مصادر الدخل السياحي في مصر والأردن ولبنان وسوريا.
أماكن جديدة تعوّل على الترويج
“نريد جذب السياح إلى سواحلنا على البحر الأحمر حيث شعب مرجانية نادرة ومياه نقية إضافة إلى خدمات سياحية جيدة”، يقول علي أحمد حامد، والي ولاية البحر الأحمر شرق السودان في حديث مع DWعربية مضيفا “كما نريد تشجيع السياحة الثقافية في شمال بلدنا حيث الأهرامات والمقابر التي تعود إلى عصور الفراعنة”. وفي الجزائر هناك خطة تشمل 1300 منتجع سياحي 50 بالمائة منها بدأ بالعمل فعليا حسب نور الدين بلميهوب ، مدير الديوان الوطني للسياحة في الجزائر في حديث مع DWعربية. ووفقا لكلا المسؤولين فإن السياحة في كلا البلدين تشهد انتعاشا ملموسا من مواطني دول الجوار والصينيين والأتراك. وهذا ما يعكس تزايد رحلات السفر الجوي إلى الجزائر والخرطوم والمدن الأخرى في البلدين.
هل تفلح الإجراءات الأمنية المشددة؟
غير أن الترويج للسياحة في مصر وتونس ومحاولة إنقاذها بعد تراجعها بسبب الهجمات الإرهابية المتكررة التي تصيب قطاعهما السياحي في الصميم ،لا تبدو مجدية حاليا من وجهة نظر السياح الذين لديهم بدائل في بلدان جنوب وشرق القارة الأوروبية. غير أن وجهة نظر كهذه لا يوافق عليها القائمون على هذا القطاع في كلا البلدين لعدة أسباب منها أن هناك الكثير من المناطق السياحية ما تزال آمنة بشكل تام. كما تم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة بالتعاون مع خبراء ومؤسسات أمنية دولية لمنع تكرار الهجمات على المنشآت السياحية. وهناك وعي شعبي متزايد بأهمية إعطاء مكافحة الإرهاب الأولوية كونه يهدد كيان الدول ويصيب الجميع ولو بنسب متفاوتة على حد قول عبد اللطيف حمام، المدير العام للديوان الوطني للسياحة التونسية. ويضيف حمام في حديث مع DWعربية: “خلال الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها بن قردان وقفت المنظمات الأهلية وأصحاب الأعمال بقوة واندفاع نادرين إلى جانب الجيش وقوى الأمن للقضاء على الإرهابيين “. وعليه فإن حمام يرى “بأن “هجمات بن قرادان لن تؤثر على السياحة التونسية كما يُشاع، لأن الإرهاب ليس له حاضنة اجتماعية في تونس، كما أن الهجمات التي تعرضت لها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2015 تدل على أن تهديد الإرهاب بات يطال الجميع”.