IMLebanon

هل الأسد فعلاً خط أحمر؟

bachar-assad

 

 

كتب سامي كليب في صحيفة “السفير”:

يستمر القطار الأميركي الروسي على سيره الهادئ. لا يسمع شيئاً من صراخ المنتظرين عند جانبيه. هو مفتوح لمن يريد الصعود الى حافلاته، لكنه لن يتوقف لأي سبب كان، على الأقل، حتى انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما. هذا بالضبط ما يدفع الأطراف الإقليمية، إما لترتيب مرحلة الانتظار، أو للحصول على أوراق أفضل قبل الركوب. هكذا يبدو باختصار مشهد العالم والمنطقة في الوقت الراهن.

فماذا في المعلومات والثوابت والمتغيرات؟

في أقل من أسبوع، أعلنت إيران وتركيا رفضهما التقسيم والفدرالية. حصلت لقاءات حوثية سعودية. استؤنفت المفاوضات السورية في جنيف. قال المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا إن الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستحصل بعد 18 شهراً. رد عليه سريعاً وزير الخارجية والمغتربين السوري وليد المعلم أن الرئيس بشار الأسد خط أحمر. وضع غالبية وزراء الخارجية العرب «حزب الله» على لائحة الإرهاب. كشف الرئيس الإيراني حسن روحاني عن احتمال زيارة ديبلوماسيين إلى السعودية. قال وزير الخارجية السعودي عبد الله الجبير إن «إيران في نهاية الأمر دولة مجاورة مسلمة لها تاريخ وحضارة عريقة، الشعب الإيراني صديق، لكن السياسات التي تتبناها الحكومة الإيرانية بعد ثورة الخميني عدوانية». قال هذا فيما كانت مناورات «رعد الشمال» في حفر الباطن والتي ضمت 20 دولة بينها تركيا ومصر (المتنافرتين حالياً) تبعث برسائل عسكرية صوب إيران. في هذا الوقت ذهب وفد قريب من «أنصار الله» إلى السعودية. بدأ الاستعداد في العراق لتعديلات حكومية. ويجري استعداد دولي آخر لمهاجمة داعش في ليبيا. الأهم من كل هذا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قال كلاماً مفصلياً لم يميز فيه بين الحليفة التقليدية لبلاده، أي السعودية وبين الشريكة المستجدة إيران حول مسؤوليتهما عن إشعال الحروب في المنطقة. وقال كلاماً قاسياً ضد الرياض وأنقرة لم تعهده علاقة البلدين.(راجع مقابلته في اتلانتيك).

لو أن أمراً واحداً من هذه الأمور حصل في أوقات عادية لاهتزت المنطقة. لكن يبدو أن القطار الروسي الأميركي يُقلق الجميع، فيحاولون تحسين مواقعهم. قلقت أنقرة وطهران من الفدرالية السورية واحتمال إقامة دولة كردية، وقلقت السعودية من الانتقادات المتزايدة بشأن دورها في اليمن ومن احتمال خسارة دوريها في سوريا والعراق، فسارع الجميع إلى لملمة الأوضاع ورفع مستوى المطالب والاستمرار في لعب الأوراق الأمنية.

ماذا في الكواليس؟

هناك أمران غامضان حتى الآن: ماذا تريد روسيا بالضبط؟ وما هو مآل الانتخابات الأميركية. ليس فلاديمير بوتين من النوع الذي سيجيب على السؤال الأول، ولا جواب السؤال الثاني واضح. ولذلك تتسارع خطى الدول الإقليمية وكذلك الأمم المتحدة لتحقيق مكاسب.

في الملف السوري، يبدو دي ميستورا في سباق مع الوقت. فبعد نجاح هدنة «وقف العداوات»، يسرّع الخطى لتحقيق إنجاز على المستوى السياسي. لكثرة ما يسرع فهو، كالمعتاد، يرتكب هفوات. يحكي عن «حكومة جامعة» فيُغضب المعارضة، يتحدث عن انتخابات رئاسية بعد 18 شهراً، فيواجه تحذيراً من وليد المعلم. مع ذلك فإن القطار الأميركي الروسي سمح له بجمع وفد دمشق مع وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» فقط، أي من دون الكرد ولا المعارضة الأخرى. هذه هدية أميركية مؤقتة لتركيا والسعودية. تضاف الى الهدية المالية التي أعطاها الاتحاد الأوروبي الى أنقرة بغية احتواء اللاجئين السوريين ودمجهم.

بالمقابل، فإن العمل جار حالياً للتوصل إلى إقناع الهيئة العليا للمفاوضات بضرورة الفصل بين مسألة رحيل الرئيس الأسد والشروع في المرحلة الانتقالية. يبدو وفق المعلومات أن تذليل هذه العقبة مستمر، وأن أطرافاً معارضة أبدت استعداداً واضحاً لذلك لكنها لا تستطيع المجاهرة بالأمر بسبب تشدد دول إقليمية وفي مقدمها السعودية وتركيا.

لم يكن كلام وليد المعلم عن «الخط الأحمر» إلا إنذاراً بتفجير المفاوضات إذا ما أصر الطرف الآخر عليها. هل يقلق المعلم من المعارضة، أم من القطار؟ ليس واضحاً تماماً. دمشق تعتبر أنها قدمت في الجولة الماضية تنازلين، أولهما انتظار الوفد المعارض في جنيف ليومين قبل أن يقرر المجيء من الفندق إلى قاعة الأمم المتحدة، والثاني تسهيل وصول المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية الى المناطق المعادية للنظام.

وفد أوروبي في دمشق

في المعلومات أيضاً أن وفداً من الاتحاد الأوروبي ضم مدير قسم سوريا في إدارة العمل الخارجي ومدير قطاع الشرق الأوسط في الإدارة العامة للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية زار دمشق. سبق الزيارة موافقة الدولة السورية على فتح مكتب لهذه الإدارة في المقر السابق لبعثة الاتحاد الأوروبي، وبدأ عمله فعلياً منذ أسبوعين. العنوان المُعلن إنساني، لكن العنوان السياسي واضح: هذه بداية عودة الأوروبيين إلى العاصمة السورية بعد اتصالات حثيثة جرت بعيداً عن الأضواء.

تزامنت هذه العودة الرمزية الأوروبية الى دمشق مع ارتفاع لهجة الانتقادات في الغرف المغلقة الأوروبية للعمليات العسكرية السعودية في اليمن. يبدو أن الخطوة التحذيرية التي اتخذها البرلمان الأوروبي ضد الرياض بقراره وقف تصدير الأسلحة، مستمرة بالتصاعد. دخل على خطها استياء بعض الأوروبيين من الضغوط السعودية على لبنان. فالأوروبيون يعتبرون أن دور الجيش اللبناني جوهري في المرحلة المقبلة، كما أنهم لا يفهمون كيف يمكن إرساء استقرار سياسي في لبنان إذا ما وضُع «حزب الله» على لائحة الإرهاب، حتى ولو أنهم لم يهضموا يوماً لا الحزب ولا دوره العسكري.

يخشى مسؤول أوروبي من أن يدفع التشدد ضد «حزب الله» إلى تشدد إيران وإعادة تعزيز دور المحافظين في ملفات المنطقة. يكشف أن طهران هي التي سهلت عودة الأوروبيين الى دمشق وأن روسيا شجعت.

ووفق معلومات أوروبية وسورية، فإن اللقاءات التي عقدها المسؤولان الأوروبيان في دمشق قد تمهد لتوسيع دائرة الاتصالات. هذا ما رشح عن الاجتماع الذي جرى مع مدير الإدارة الأوروبية في الخارجية السورية. المصادر الأوروبية مقتنعة الآن بوجود اتجاهين لدى الإدارة السورية، أولهما يميل صوب الحل السياسي و «هذا يجب تشجيعه أكثر»، والثاني يعتبر أن لا إمكانية لحل نهائي من دون الحسم العسكري. تقول المصادر نفسها إن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تشجيع الاتجاه التفاوضي، تماماً كما حصل في إيران، حيث أن الانفتاح الغربي عزز التيار الإصلاحي والمعتدل.

هذا ما يؤكده كذلك ديبلوماسي عربي في بيروت من مناهضي محور المقاومة، فيقول: «نلاحظ أن الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي لاقى دعماً انتخابياً واضحاً من الشعب، بدأ يرفع لهجة الانتقاد للتيار المحافظ والمتشدد في إيران، وأن المرشد السيد علي خامنئي يكثف التحذير من المساس بالاتجاه الثوري ويدعمه في ذلك الحرس الثوري الذي يبدو أنه تعمد إطلاق تجارب الصواريخ الباليستية ليس فقط تزامناً مع «رعد الشمال» السعودي، وإنما للقول إن الثوابت في إيران لم تتغير، لكنها في الواقع تتغير. ويعتبر الديبلوماسي أن خطوات العرب ضد «حزب الله» تهدف أيضاً إلى رفع مستوى نقمة معتدلي الشعب الإيراني ضد الحزب على أساس أنه يؤثر سلباً على صورة إيران ويستنزف اقتصادها.

بالمقابل، فالجميع يلاحظ انكفاء قطر عن واجهة الحدث السوري، لكن المعلومات تفيد بأن المساعي حثيثة من قبل أطراف إقليمية ودولية لإعادة النظر في «جبهة النصرة»، ذلك أن تشعبات علاقاتها مع فصائل مسلحة لا تسمح بالتعامل معها على غرار التعامل مع داعش. ثمة من يأمل بأن الاقتراب منها قد يشجع المصالحات ويهدئ الدول الإقليمية.

أميركا والسعودية ولبنان

على غرار الأوروبيين، فإن واشنطن أبلغت الوفد النيابي اللبناني الذي زارها مؤخراً تفهمها للقرار الخليجي، لكنها أشادت بلبنان، وأصرت على حماية استقراره المالي والمصرفي (كانت مداخلة السفيرة الأميركية المعينة أمام الكونغرس لافتة في هذا السياق). ويقول الأميركيون، تماماً كما سمع الوفد اللبناني، إن إجراءاتهم المقبلة في نيسان تستهدف أشخاصاً ومؤسسات تابعة للحزب فقط. لكنها ستستمر بدعم الجيش اللبناني وهي مستعدة للتدخل مباشرة مع بريطانيا وغيرها لو تم اختراق الحدود من داعش. يقولون أيضاً (في انتقاد للرياض) إنهم كانوا يملكون المعلومات نفسها حول الحزب التي تملكها السعودية لكنهم لا يريدون اهتزاز الوضع اللبناني خصوصاً أنهم مدركون للعلاقة القائمة بين «حزب الله» والجيش، وبالتالي فالحل هو بتقوية الجيش. ولوحظ الإشادة الكبيرة بدور الجيش وخصوصاً بقوات النخبة. يبدو أن قائد الجيش العماد جان قهوجي كان لاقى ترحيباً كبيراً في واشنطن قبل فترة وشرح أهمية هذا الدور. كما جرت الإشادة بموقف لبنان ضد الإرهاب، خصوصاً لجهة قوانينه، بينما أشار الأميركيون إلى مؤسسات تدعم الإرهاب قائمة في تركيا والأردن، لا بل إن الوفد اللبناني الذي التقى مسؤولين من مجلس الشيوخ والبنتاغون سمع من الأميركيين كلاماً مفاده: «نحن لا نطلب شيئاً منكم وإنما نؤكد دعمنا لكم»، وقدم الأميركيون اعتذاراً لمسلمي الوفد عما بدر من المرشح الرئاسي دونالد ترامب حيال المسلمين.

ماذا عن المفاوضات؟

إذا كان الأمل بنجاح المفاوضات السورية في جنيف يبقى ضئيلاً وهشاً نظراً لتعقيدات المشهد، إلا أن مصادر قريبة من ديمستورا تقول إنه بقدر ما يزداد الانكفاء كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية الأميركية من موعدها، فإن موسكو تبدو أيضاً راغبة بحل سياسي وتقليص مدة الحرب، أولاً بسبب تعقيدات الجغرافيا السورية وصعوبة خطوط الإمداد عبر المسافات الطويلة وصعوبة انتشار الجيش السوري على الاراضي الشاسعة التي تتم استعادتها، وثانياً لأن التسوية تسمح لبوتين بإقناع الأوروبيين برفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده وبتعديل الموقف من أوكرانيا.

ماذا عن الأسد؟

مع اضطرار الأميركيين إلى تأجيل قضية الأسد إلى أجلٍ، غير مسمى ضمنياً، ومحددٍ علانية بـ 18 شهراً، فإن الأوروبيين يراهنون على تعديل في الموقفين الروسي والإيراني مع مرور الزمن (هم يعتقدون باقتراب نهاية عهد خامنئي لأسباب صحية او سياسية واحتمال ابتعاد سيرغي لافروف عن الخارجية). بينما يراهن الأسد وإيران و «حزب الله» على إفشال المعارضة المفاوضات والعودة بقوة أكبر الى الحسم العسكري بغطاء روسي وغض طرف غربي. وبالتالي ففي أفضل الأحوال قد ترتسم خطوط تماس سياسية في مناطق خطوط التماس العسكرية الحالية لإعطاء فرصة للمفاوضات. أما الأولوية الدولية حالياً فهي للقضاء على الإرهاب. يليها في سلّم الأولويات تشكيل حكومة انتقالية تضم معارضين وتمهد لتغيير الدستور وانتخابات مقبلة.

كل هذه الأمور باتت محور اتفاق روسي أميركي. أما الباقي فهو مجرد صراخ حول القطار.