ذكرت صحيفة “الجمهورية” أن الساحة اللبنانية تبدو وكأنها ما تزال مقفلة أمام أيّ تسويات جزئية تسمح بفصل الشأن اللبناني عن الورشة الكبرى الآتية حول مستقبل سوريا، وربما الأهم باستباق فتح الورشة الاسرائيلية – الفلسطينية حيث التداخل كبير وعميق ما بين الشؤون اللبنانية والفلسطينية (المخيمات، حزب الله والتأثير الايراني في الداخل الفلسطيني).
وقالت الصحيفة: “خلال الأيام الماضية استقبلت باريس الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في مسعى جديد لإيجاد ثغرة معقولة يمكن من خلالها النفاذ لإجراء الانتخابات الرئاسية ومعها تسوية جزئية تسمح بفصل الملف اللبناني عن الورشة الإقليمية. وقبل جنبلاط استقبلت باريس العديد من الشخصيات اللبنانية في مهمة متشابهة بقي معظمها بعيداً من الإعلام.
والى الجهد الذي تبذله باريس بهدف الحفاظ على مقعدها اللبناني في وجه تمدد النفوذ الروسي في الشرق الاوسط، فإنّ التواصل الاميركي مع باريس والذي يتولّاه قسم الشرق الاوسط في السفارة الاميركية في باريس يركز على ضرورة سعي باريس لتوظيف موقعها وخبرتها التاريخية لصالح إنجاز هذه التسوية الجزئية.
وتدرك باريس أنّ كلّ حركة تحصل في الاتجاه اللبناني تؤدي الى زيادة التعقيدات لا العكس.
فمع خطوة ترشيح النائب سليمان فرنجية ذهب الدكتور سمير جعجع في اتجاه تأييد العماد ميشال عون، ما فاقم في هذه الازمة وزادها تعقيداً. ومع عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان رفعت السعودية من مستوى تدابيرها، فبدت الساحة اللبنانية وكأنها ساحة حرب فعلية.
وخلال زيارة ولي العهد الامير محمد بن نايف الى باريس جرى التطرق الى كلّ ذلك ولو بعبارات ديبلوماسية. تحدث المسؤولون الفرنسيون عن أهمية الاستقرار الاقتصادي والأمني في لبنان، وبالتالي عن أهمية الحفاظ على الحكومة في إطار المواجهة الحاصلة مع ايران على الساحة اللبنانية.
في المقابل يبدو “حزب الله” متمسكاً بخياره الرئاسي، لقناعته أنه الخيار الأكثر ملاءمة له. وقيل إنّ قيادة الحزب تتواصل باستمرار مع عون وتؤكد له على ثبات خيارها الرئاسي وإنّ الفريق الآخر لا طريق أمامه سوى سلوك درب تأييد عون كما حصل مع “القوات اللبنانية” التي سلّمت بهذا الواقع.
لا بل إنّ الكواليس اللبنانية تكشف عن الرسالة الأخيرة من “حزب الله” الى عون ومفادها: أنت الرئيس ولو بعد حين. فدخولك قصر بعبدا ساعة انتظار، فالمسألة اصبحت محسومة.
وفيما يبدي “حزب الله” قناعته المطلقة بهذه النتيجة، أوحى الكلام الصادر عن الحريري وجعجع حول حصول الاستحقاق الرئاسي في نيسان وكأنّ هناك طبخة ما يجري إعدادها بسرّية مطلقة.
إلّا أنّ الموقف السعودي لا يوحي بأيّ مرونة في هذا الاتجاه. والمرحلة التي شهدت تواصلاً وانفتاحاً بين عون والحريري حول الرئاسة إنما سجلت في الوقت نفسه اعتراضاً حاسماً وفورياً لدى الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط اللذين أبلغا الحريري يومها اعتراضهما الشديد على وصول عون وفريق عمله على السواء.
ولا شكّ أنّ “حزب الله” يدرك جيداً وجود هذه العوائق السياسية بوجه عون، ما يعني أنه بسلوكه يريد فعلياً شراء الوقت واستمرار حال المراوحة من خلال العماد عون، وانتظار دنوّ الورشة السورية وبعدها الورشة الاسرائيلية – الفلسطينية لمزاوجة الوضع اللبناني معهما، وهو الذي يملك أوراقاً إقليمية قابلة للصرف سورياً وفلسطينياً أكثر منها لبنانياً.