حضر حسان
كم من شاب لبناني دخل في دوامة القرض السكني، والتي تمتد الى حوالي 30 عاماً، والتي تُضاف الى أزمتها قيمة الفوائد التي سيدفعها الشاب لقاء حلم بالسكن، في بلد تتراجع فيه معدلات التوظيفات المحلية لصالح معدلات الهجرة، وتتراجع فيه القدرة الشرائية للرواتب. فالحد الأدنى للأجور يبلغ اليوم 675 ألف ليرة، في حين انه يفترض ان لا يتدنى عن 800 الف مقارنة مع مستوى المعيشة المرتفعة. وبرغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تزداد مع مرور الوقت، الا ان الحاجة لتأمين المسكن مستمرة، وأدى الطلب المتزايد على السكن الى “قبول 70 ألف طلب إسكان خلال 16 عاماً، من بينها 10 آلاف طلب دخلت في مرحلة تسديد فوائد القرض”، بحسب المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان روني لحود، الذي يؤكد لـ “المدن” انه “تمت الموافقة على 5600 طلب في العام 2014، و4600 طلب في العام 2015”.
رحلة الحصول على قرض سكني تترافق مع قلق رفض القرض من قبل المصرف التجاري الذي سيغطي القيمة. فطلب القرض يأتي تحت عنوان المؤسسة العامة للإسكان، لكن المصارف التجارية تدفع قيمته لصاحب المنزل، في حين تدفع المؤسسة فوائد المبلغ عن المقترض، على ان يسدده للمؤسسة بعد تسديد المبلغ للبنك على مدى 15 عاماً، فتكون الأعوام الـ15 الأخرى، فترة تسديد للفوائد. وعليه، فالرفض خطر محتمل، يضاف إليه ما هو مقلق أكثر، أي احتمال أنّ يفقد المقترض مصدر دخله، ويفقد بالتالي إمكانية سداد قسط المنزل.
في بلد ليس فيه أمن إجتماعي ولا وظيفي ولا صحي، يصبح خطر فقدان الوظيفة أمراً وارداً في أي لحظة، خاصة في القطاع الخاص، حتى وإن كانت المؤسسة “محترمة”، فالإحترام ليس عائقاً أمام خسارة الموظف لوظيفته مع إعطائه حقوقه القانونية و”زيادة”. وفي تلك الحالة يصبح البحث عن فرصة عمل جديدة كضرب من الجنون، وسط غابة البطالة. اما قسط المنزل، فيصبح في خطر التخلف عن دفعه، وفي حال عدم دفع سندين “يتحول الملف الى مصرف لبنان، فيقوم المصرف بتوجيه إنذار خطي الى المكلف، وإذا لم يدفع، يُعرض المنزل في المزاد العلني”، وفق ما يقوله لـ “المدن”، موظف خدمة الزبائن في بنك لبنان والمهجر، هيثم الحلبي. الأضرار لا تتوقف على خسارة المنزل الذي “لا يستطيع صاحبه الأساسي خوض المزاد كي لا يعيد شراء منزله بسعر أقل من سعره الطبيعي، ومنعاً لأي تلاعب وإتفاق بين المالك والمكلف (المشتري)”، فالأضرار، بحسب الحلبي، تُستكمل بخسارة ما دُفع من ثمن المنزل، وبـ “وضع إسم المكلف المتخلف عن الدفع على اللائحة السوداء للمصارف اللبنانية، حيث يمكن ان تُرفض طلبات الإستدانة، وطلبات شراء منزل مرة جديدة”.
وبين خطر فقدان الوظيفة وفقدان المنزل بعدها، وبين حق تأمين المسكن، يأتي دور الدولة في “رعاية” هذا الحق قدر الإمكان، إذ يلفت لحود النظر الى ان حالات التخلف عن الدفع المحولة الى مصرف لبنان “يتم إعادة النظر فيها. فإذا تبيّن أنّ عدم الدفع ناجم عن فقدان العمل وليس عن سبب إحتيالي، يتم إعطاء المكلف فرصة للدفع، ولا يُعرض المنزل في المزاد العلني”، مع الإشارة الى ان بعض المنازل يتم حجزها بعد تخلف المكلفين عن الدفع، إذ يتبين ان تخلفهم ناجم عن تزوير وتلاعب في البيانات المقدمة الى المؤسسة العامة للإسكان، او مصرف الإسكان. حيث يقدم هؤلاء “إفادات تشير أنهم يتقاضون رواتب مرتفعة، فيعطى القرض على أساس الإفادة، ليتبين لاحقاً ان سبب التأخر هو تقديم إفادات برواتب غير صحيحة وغير قادرة على تأمين قيمة القرض، برغم ان المقترض مازال يتابع عمله، وفي هذه الحالة يذهب الملف الى لجنة قضائية مؤلفة من قاضٍ وأمين سر وعضوين (بإستثناء القاضي، فإن باقي اعضاء اللجنة يتبعون للمؤسسة العامة للإسكان)، وحكم هذه اللجنة مبرم”. ويشير لحود الى ان “من بين طلبات العام الماضي، هناك 59 طلباً صدرت بحقها أحكام بيع في المزاد العلني”، ويعتبر ان الرقم المتدني “يُطمئن الى ان اللبناني يعي أهمية حصوله على مسكن، خاصة في هذه الظروف الصعبة، وبالتالي عليه ان يلتزم بتسديد الأقساط المتوجبة عليه”.
الصعوبات التي ترافق عملية الحصول على مسكن وخطر فقدانه مع فقدان إمكانية دفع الأقساط، تؤدي الى طرح فكرة بناء الدولة لمساكن تبيعها للمواطن بسعر أقل مما يدفعه اليوم، وترتاح الدولة من سيطرة المصارف التجارية. لكن حتى هذه التساؤلات تتعرض لضغوط العجز الاقتصادي الذي تقبع فيه الدولة. فالقروض الممنوحة عبر المؤسسة العامة للإسكان ما كانت لترتفع لولا القطاع الخاص، إذ يقول لحود ان “هناك تجربة سابقة عبر صندوق الاسكان، مولت عبرها الدولة، وخلال 17 عاماً، 13 ألف قرض، في حين ان مشاركة القطاع الخاص أدت الى اعطاء 13 ألف قرض خلال سنتين”. فالشراكة مع القطاع الخاص أدت الى “ضخ 800 مليار ليرة في السوق العقارية في العام الماضي، وهذا المبلغ لا يمكن للدولة تحمّله، فتكتفي بتغطية الفوائد، وإعفاء المكلف من رسوم عدة، منها رسم التسجيل والبالغ 6% من قيمة المنزل”. وأيضاً، فإن “تجربة المشاريع السكنية المبنية من قبل الدولة، تصطدم بتجربة نفذت في اوروبا، كانت نتيجتها تجميع لأبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة في احياء ومجمعات، وعزلهم عن المجتمع. الا ان فكرة المشاريع السكنية – وليس التجمعات – في المناطق، واردة لأنها تأخذ في الحسبان طابع كل منطقة، وهكذا يندمج طالب القرض مع محيط سكني متعدد. وهذا المشروع قيد الدراسة، ويحتاج الى تعديلات في القوانين، لذلك ننتظر حل الازمات السياسية التي يمر بها لبنان اليوم”.
الى حين “حلحلة” الأزمات المتنقلة عبر السنوات، تبقى أزمة الحصول على قرض سكني صامدة ومرافقة للأزمات الإقتصادية خصوصاً. وتبقى المؤسسة العامة للإسكان وبنك الإسكان، هما مقصد الشريحة الأكبر من اللبنانيين الذين لا يستفيدون من “تسهيلات” العسكريين (قروض بدون فوائد)، ولا من “نعمة” العمل القضائي، حيث ان للقضاة عالماً آخر، لا يتأثر بخطر فقدان الوظيفة وحُلم إنهاء القرض وإمتلاك منزل.