مارسيل محمد
وصفت قمة المناخ التي عقدت في باريس نهاية العام 2015، بأنها “قمة الفرصة الأخيرة”، نظراً لما وصلت إليه أزمة الإنبعاثات الخطيرة على مستوى العالم، وخصوصاً على مستوى الدول النامية التي تتأثر أكثر من الدول المتقدمة بنتائج الإنبعاثات، نظراً للكلفة المرتفعة التي تتكبدها في الفاتورة البيئية والصحية. وتتفاقم هذه الازمة لأن الدول النامية لا تملك وسائل حماية تقيها من الاخطار، على عكس الدول المتقدمة التي تستطيع ان تقلل من أخطار الانبعاثات وأن تتحمّل كلفتها على الرغم من صعوبتها. لكن المشكلة تكمن في عدم مساعدة الدول المتقدمة للدول النامية بشكل جدي في معالجة هذه الأزمة، علماً ان مقررات قمة المناخ الأخيرة أكدت أنّه “يتعين أن تكون الدول المتقدمة في الطليعة في مستوى اعتماد أهداف خفض الانبعاثات، في حين يتعين على الدول النامية مواصلة تحسين جهودها في التصدي للاحتباس الحراري في ضوء أوضاعها الوطنية”. وبغياب المساعدة الخارجية، وتخبّط القرار الداخلي، يبقى لبنان مرهوناً للخطر البيئي والصحي والاقتصادي بسبب ارتفاع معدل الانبعاثات، خصوصاً في استمرار ازمة النفايات وازمة معامل الاسمنت، وغياب السياسات الرقابية على المصانع وعلى المدن الصناعية في المناطق.
ولا يبدو أن لبنان تأثر بتوصيات قمة باريس، فلا بذل جهداً ولا تكبد عناءً، على الرغم من ان الفاتورة المقدرة للخسائر والأضرار ليست بسيطة، وتطال اكثر من قطاع، والأهم ان الاضرار ستصل الى الأسر اللبنانية، اي انها لن تبقى في حدود الاقتصاد العام أو في حدود قطاع دون غيره. فبالاستناد الى تقرير وزارة البيئة حول اضرار التغير المناخي على لبنان، والذي اطلقته الاسبوع الماضي، ستؤدي الانبعاثات الى تراجعات في الانتاج الزراعي مما سيترك تأثيرات سلبية على الاسر التي تعتاش من الزراعة. حتى ان القطاع السياحي الذي يستند عليه الاقتصاد، سيتضرر ايضاً، حيث ستبلغ الكلفة التي ستدفعها المرافق السياحية الساحلية نتيجة الانبعاثات وتغير المناخ، 22 مليون دولار في العام 2020، والكلفة نفسها ستسجلها كلفة الأضرار التي ستقع نتيجة انخفاض انتاجية العمال جراء سوء التغذية في مرحلة الطفولة.
ولأن ارتفاع درجات الحرارة جراء الانبعاثات سيرتب استهلاكاً اكبر للكهرباء، ستدفع الأسر اللبنانية 110 ملايين دولار كلفة الزيادة في الطلب على التبريد في العام 2020، ومن المرجح ان تصل الكلفة في العام 2080 الى 34800 مليون دولار. ولأن الامراض تزداد في ظل ارتفاع درجات الحرارة، سيتكلف اللبنانيون 177900 مليون دولار في العام 2020 جراء زيادة خطر المرض والعجز الصحي، ومن المرجح ان ترتفع الكلفة في العام 2080 الى 191500 مليون دولار. لكن التمعن في حجم الخسائر يعني أن الإقتصاد اللبناني مقبل على مرحلة خطيرة لا يأخذها السياسيون في الاعتبار، لأن التركيز الأساسي سيكون على الدورة الاقتصادية للأسواق، وليس على النتائج البيئية. لكن الى حين تنبه الحكومة للخطر البيئي، سيضيع من الناتج المحلي اللبناني في العام 2020، بحسب التقرير، مليار و600 مليون دولار، وستصل الخسارة في العام 2080 الى 115700 مليون دولار. وعليه، فإن الناتج المحلي في لبنان سينخفض في العام 2020 الى 3%، وصولا الى 32% في العام 2080. وإزاء الخسائر التي سيتكبدها اللبنانيون، يقول التقرير بأن خطر العنف سيزداد نتيجة تغير درجات الحرارة، لأن المناخات المتطرفة عموماً، تخلق أجواءً متطرفة وحاضنة للعنف، وعليه، ستبلغ كلفة العنف 38 مليون دولار في العام 2020.
الأرقام التي يعرضها التقرير قد تبدو “مبالغة”، خصوصاً أنّنا في لبنان “لا نملك معطيات دقيقة ودراسات حول الإنبعاثات والتغير المناخي”، وفق ما يقوله لـ”المدن” رئيس جمعية الخط الأخضر علي درويش، الذي يؤكد أنّه للحصول على أرقام كهذه يجب أن تكون لدينا “احصاءات صناعية”، اما الارقام المتداولة في لبنان، فهي “توقعات، واحصاءات غير دقيقة”. ويشير درويش الى ان “الانبعاثات الناتجة من النفايات الموجودة في لبنان، أخطر بـ20 مرة من انبعاثات مولدات الكهرباء”. اما الحكومة، “فلا تفعل شيئاً”. فإذا كانت أرقام التقرير الصادر عن إحدى وزارات الحكومة، صحيحاً، فالاجدى بالوزارة دعوة الحكومة الى إجتماع طارىء لمناقشة خطر الانبعاثات، لكنّ اكتفاء الوزارة بتخصيص دراسة لموضوع الانبعاثات “مشكوك” بصحة أرقامها، يدلّ على نوع الجهد المبذول والاهتمام المخصّص للملف البيئي وكلفته التي سيتحملها اللبنانيون وحدهم، في حال صحّت الأرقام المطروحة.