في وقت تحثّ دول الخليج مواطنيها على عدم السفر إلى لبنان، تزامناً مع تحذيرات أوروبية من استهداف شخصيات سياسية لبنانية، يترقب هذا البلد “غير الآمن” زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس البنك الدولي جيم كيم يرافقهما رئيس البنك الإسلامي للتنمية أحمد علي، حاملين في جعبتهم ملف النازحين السوريين.
توقيت زيارة الوفد الدولي إلى لبنان، في ظل الأزمات التي يتخبط فيها هذا البلد، سواء الأزمات السياسية وما نتج منها من فراغ في المؤسسات الدستورية، أو الإقتصادية والاجتماعية، يطرح العديد من التساؤلات، حول حسن النوايا في دعم لبنان لمواجهة أعباء النازحين.
إذا كان ملف النازحين السوريين بات يشكل القلق الأكبر لدول العالم لاسيما دول الإتحاد الأوروبي، فلماذا لا تباشر الدول بتقديم المساعدات التي تعهّدت بتقديمها للبنان وبقية الدول المضيفة للنازحين خلال مؤتمر المانحين الذي انعقد في لندن أخيراً؟ ولماذا يحمل رئيس البنك الدولي الملف شخصياً بالرغم من وجود مدير إقليمي للبنك الدولي ومقره بيروت؟
لا يمكن وضع الزيارة في خانة “دعم لبنان لمواجهة أزمة النزوح السوري” من دون الأخذ بالإعتبار نقطتين أساسيتين: الأولى أن الدول الأوروبية تسعى جاهدة الى تثبيت النازحين في الدول المضيفة لهم ومن بينها لبنان لتجنب نفسها المزيد من ضغط المهاجرين، والنقطة الثانية أن الأزمات التي يتخبط بها لبنان اليوم تشكّل أرضاً خصبة لدخول البنك الدولي إليه وإبرام اتفاقيات قروض أو مساعدات مشروطة.
والقلق ليس من إمكان فرض البنك الدولي شروطه على لبنان فحسب، وإنما من سعي المؤسسات الدولية عموماً إلى استغلال الخلل الواقع فيه البلد اليوم، وهو ما يتيح الفرص أمامها لإبرام اتفاقيات “ربما لا تُحمد عقباها”، كاتفاقية الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية (WTO)، التي كانت سبباً لزيارة موفد من المنظمة الأسبوع الفائت الى لبنان لحث المعنيين فيه على الانضمام إليها. وعلى الرغم من تيقّظ الحكومة اللبنانية لخطورة المساعدات والقروض المشروطة إلا أن العديد من الخبراء وأساتذة العلاقات الدولية يتخوّفون من نجاح الأمم المتحدة والبنك الدولي في فرض شروطهما على لبنان لاسيما في ما خص ملف النازحين، مستغلّين أوضاعه السياسية والأمنية غير المستقرة.
يذهب أستاذ العلاقات الدولية في “الجامعة اللبنانية” حسن جوني، الى أبعد من ذلك، إذ يعتبر أن “صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية كلّها مؤسسات تعتمد في سياساتها على استغلال الدول النامية في فترات ضعفها وأزماتها لتجيّر مصالحها لإفادة الدول الكبرى والشركات الدولية العابرة للقارات”. “فالمؤسسات الدولية تسيطر على الاقتصاد العالمي وعلى حركة التجارة العالمية وقد أصبحت أقوى من الدول ما يتيح لها فرض سياسات تصب في صالحها لاسيما لجهة السياسات المتعلقة بالقروض والجمارك، وتلك المتعلقة بالمشاريع الاقتصادية التي يفتقدها البلد المعني، وغالباً ما تشكّل الشروط المترافقة مع القروض أو المشاريع خطراً على الإقتصاد الوطني الداخلي وعلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة”، وفق جوني.
لا يمكن فصل زيارة موفد منظمة التجارة العالمية منذ أيام عن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي المرتقبة قبل نهاية الشهر الجاري. ورغم تأكيد مصدر وزاري (فضّل عدم ذكر اسمه) في حديث لـ”المدن أن الزيارة الثانية تهدف لمحاولة إقناع لبنان بشروط المساعدات الدولية (منح وقروض) المفترض تقديمها للبنان لتحمل أعباء النزوح وترسيخ وجود النازحين في البلد، يرى جوني أن “زيارة كي مون وكيم لا بد أنها تحمل سلة القضايا قيد البحث الى جانب قضية النازحين وما تحمله من أبعاد”.
وتتقدم القضايا التي يترصّدها البنك الدولي في لبنان، بحسب جوني، محاولة الإفادة من الحجم الكبير للكتلة النقدية التي يتمتع بها القطاع المصرفي اللبناني “ولا بد من محاولة البنك الدولي البحث في الإفادة من تلك الأموال الطائلة وتجيير الإفادة منها الى الشركات الدولية والإحتكارات الكبرى”، لاسيما أنها لم تخرج من أزماتها المالية العالمية حتى اللحظة.