انعكس انخفاض أسعار النفط إيجاباً على الدول المستوردة للنفط ومنها لبنان الذي من المتوقع أن يسجّل وفراً مالياً خلال العام 2016 قد يتجاوز ملياري دولار، بحسب توقّعات وحدة الأبحاث الإقتصاديّة في بنك الإعتماد اللبناني.
وفي تقرير شامل درس تداعيات انخفاض أسعار النفط على المستويين العالمي والمحلي رأى بنك الإعتماد اللبناني «إنّ سلعة النفط والملقّبة بالذهب الأسود هي في الوقت الحالي مصدراً للطاقة لا غنى عنه في إنتاج الكهرباء وصناعة الكيماويّات والبتروكيماويّات، وهي أيضاً وقود أساسي لأدوات التدفئة وغالبيّة وسائل النقل حول العالم، ونظراً لأهمّيته الحيويّة، فقد تمّ إستخدام النفط كسلاح سياسي وإقتصادي في عدّة مناسبات، كالحظر الذي فرضته الدول العربيّة خلال العام 1973 في خضمّ الحرب العربيّة الإسرائيليّة والذي تسبّب بإرتدادات كثيرة حول العالم، ممّا أدّى إلى إرتفاع أسعار النفط بأربعة أضعاف بالإضافة إلى إجبار الدول الغربيّة على إتّخاذ تدابير تقنين قاسية لإستهلاك الوقود في مسعى لمواجهة الإنخفاض الحادّ في إمدادات النفط. تعكس تقلّبات أسعار النفط الأوضاع الإقتصاديّة حول العالم، وتؤثّر بشكل متناقض على الدول المنتجة والمستوردة للنفط».
يأتي الإنخفاض الأخير في أسعار النفط خلال العامين الماضيين كإمتدادٍ لحلقات غير متتالية من التراجع في الأسعار خلال العقود الثلاثة الماضية، وقد بدأت أسعار النفط بالتراجع بشكل كبير إبتداءً من شهر حزيران من العام 2014، وذلك بعد فترة من الإستقرار دامت أربع سنوات مسجّلةً انخفاضاً حادّاُ بنسبة 43.96% خلال النصف الثاني من العام 2014 إلى 59.29 د.أ. للبرميل في نهاية شهر كانون الأوّل من 105.79 د.أ. للبرميل في نهاية شهر حزيران. وقد واصلت الأسعار مسارها التراجعي هذا خلال العام 2015، ولكن بوتيرة أبطأ من تلك التي شهدتها خلال النصف الثاني من العام 2014.
البنك الدولي
وكان البنك الدولي قد توقّع في تقرير سابق له أن تنخفض أسعار النفط بنسبة 45% خلال الفترة الممتدّة بين العام 2014 والعام 2015 وأن ينتج عن هذا التراجع تحسّن يتراوح بين 0.7 %و0.8% في الناتج المحلّي الإجمالي العالمي في الأمد المتوسّط، ويتبيّن لنا أنّ الدول المستوردة للنفط قد إستفادت بشكل أساسي من الإنخفاض في أسعار النفط مسجّلةً زيادة في أرصدة الحسابات الجارية وتحسّناً في الماليّة العامّة على حساب تباطؤ النشاط الإقتصادي وتدهور الماليّة العامّة لدى البلدان المصدّرة للنفط، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على العائدات النفطيّة، على سبيل المثال، شهدت الماليّة العامّة للمملكة العربيّة السعوديّة، واحدة من أكبر الدول المصدّرة للنفط، تحوّلاً من فائض بنسبة 5.79% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 إلى عجز يقدر بـ 21.57% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015. من ناحية أخرى، تحسّن الفائض في الحساب الجاري لدى اليابان (دولة مستوردة للنفط) من 0.83% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 إلى حوالي 3.02% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015.
وقد كان للتراجع في أسعار النفط أثراً سلبيّاً على التصنيف السيادي لبعض البلدان المصدّرة للنفط بحيث قامت وكالة ستاندرد آند بورز بتخفيض التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السياديّة بالعملات الأجنبيّة والمحليّة للسعوديّة من (A+/A-1) إلى (A-/A-2) ومملكة البحرين من (BBB-/A-3) إلى (BB/B).
في السياق نفسه، خفّضت وكالة موديز مؤخّراً تصنيف أربعة بلدان نتيجة التراجع في أسعار النفط ألا وهي أذربايجان (من «Baa3» إلى «Ba1») والبحرين (من «Baa3» إلى «Ba1») وجمهوريّة الكونغو (من «Ba3» إلى «B1») وسلطنة عمان من (من «A1» إلى «A3»)
محلياً
أمّا محليّاً، فقد إستفاد لبنان إلى حدٍّ ما من تراجع أسعار النفط كونه دولة مستوردة لتلك السلعة، فقد تمكّن لبنان من تحقيق وفورات كبيرة في وارداته تقدّر ب0.25 مليار د.أ. في العام 2014 و1.68 مليار د.أ. في العام 2015 نتيجة التراجع المذكور في سعر النفط، أمّا بالنسبة للماليّة العامّة، فقد ترجم الإنخفاض الحاد في أسعار النفط تراجعاً في التحويلات إلى شركة كهرباء لبنان يقدّر ب0.20 مليار د.أ. خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2014 و 0.80 مليار د.أ. خلال الفترة نفسها من العام 2015 في حال إعتبرنا أنّ مستوى الإستهلاك للوقود من قبل شركة كهرباء لبنان قد بقي مستقرّاً. كذلك وبحسب تقديرات وحدة الأبحاث الإقتصاديّة في بنك الإعتماد اللبناني فإنّ الإنخفاض في أسعار النفط قد إنعكس بدوره تراجعاً بنسبة 2.23% و 2.40% في مؤشّر أسعار المستهلك في لبنان خلال العامين 2014 و2015 على التوالي، إلّا إنّه كان لإنخفاض أسعار النفط أثراً سلبيّاً على ميزان المدفوعات، مع توقّع معهد التمويل الدولي بأن تكون قد إنخفضت تدفّقات رؤوس الأموال الخاصة إلى لبنان من 7.9 مليار د.أ. في العام 2012 و7.1 مليار د.أ. في العام 2014 إلى 6.7 مليار د.أ. في العام 2015.
وبحسب توقّعات وحدة الأبحاث الإقتصاديّة في بنك الإعتماد اللبناني والتي إرتكزت فقط على التغيّرات المرتقبة في أسعار النفط خلال الفترة القادمة، قد يستطيع لبنان أن يسجّل وفراً ب2.11 مليار د.أ. خلال العام 2016 و1.49 مليار د.أ. خلال العام 2017 في فاتورة إستيراده مقارنة بأرقام العام 2014. بالإضافة إلى ذلك، تتوقّع وحدة الأبحاث أن يبقى معدّل تضخّم الأسعار في لبنان سلبيّاً عند 1.15% في العام 2016 قبل أن يعود ويرتفع إلى 1.66% في العام 2017 وذلك إستناداً إلى توقّعات تتطوّر أسعار النفط بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، والتي تتمحور حول متوسّط سعر 37.59 د.أ. لبرميل النفط في العام 2016 و50.00 د.أ. في العام 2017.