IMLebanon

“هجرة” المرأة لقطاع الزراعة … خطوة نحو تراجع إقتصاد الريف

woman-agriculture
مارسيل محمد

تعتبر المرأة ركناً أساسياً من أركان القطاع الزراعي في لبنان إذ أنّ معظم اليد العاملة في هذا القطاع هي من النساء. وتعمل المرأة كمزارعة في القرى لمساعدة زوجها في تكاليف العيش التي تزيد غلاءً يوماً بعد يوم. ولأن المحظورات في القرى أكثر من المدن، وفقاً للعادات والتقاليد تعتبر الزراعة هي القطاع الأمثل للمرأة كي تعمل وتبرز قوة عملها وإمكانية مساهمتها في الإنتاج، إن على مستوى الأسرة أو على مستوى الإقتصاد الوطني عموماً. لكن إنخراط المرأة في سوق العمل، وخاصة الزراعي، لا يأتي دون عقبات تؤثر على إنتاجيتها، وعلى دورها كيد عاملة لا تقل أهمية عن اليد العاملة من الجنس الآخر.

الصعوبات التي تعانيها المرأة في القطاع الزراعي تنطلق أساساً من تراجع إنتاجية القطاع الزراعي اللبناني، حيث يتعرض لمنافسة البضائع المستوردة، ويرزح أيضاً تحت وطأة غياب الدعم الرسمي من الوزارات المعنية، لكن إن كان الذكور يمارسون عملهم في هذا القطاع، تراجع تشغيل اليد العاملة الأنثوية فيه، الى 9% وفق ما يذكره أنور ضوّ الذي مثّل وزير الزراعة أكرم شهيب في حفل إطلاق مشروع “تعزيز وإدماج حقوق النوع الإجتماعي من خلال رفع الوعي في المناطق الريفية في لبنان – إمرأة”، الذي أقامته يأتي في إطار وزارتي الزراعة والشؤون الإجتماعية، في إطار مشروع “تعزيز إدماج النوع الاجتماعي في التنمية الريفية المستدامة واجراءات الأمن الغذائي” المنفذ من المركز الدولي للدراسات العليا الزراعية في البحر المتوسط (CIHEAM) والممول من الوكالة الايطالية للتعاون الإنمائي.

وفي هذا الإطار، يرى ضوّ بأن المرأة العاملة في القطاع الزراعي “تواجه عدة تحديات منها الإستحصال على الاراضي الزراعية، صعوبة الوصول الى المدخلات الزراعية وخدمات التسويق والارشاد، إضافة الى غياب قانون يشمل النساء العاملات في القطاع الزراعي”، مشدداً على “أهمية تحفيز المرأة على المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالتساوي مع الرجال، وخصوصاً المرأة الريفية المهمشة من المشاركة في صناعة القرار، مما يعطي فرصة للتدريب على مهن حرة بهدف تثبيت المرأة في الريف”.

لكن في المقابل، فإن المرأة اللبنانية نفسها باتت تهجر قطاع الزراعة، كخطوة مستقلة عن غياب الدعم الرسمي وتراجع القطاع، لأن التقدم العلمي والتقني، سمح للمرأة بإختيار مجال آخر للعمل، يحتاج الى جهد أقل من الجهد الزراعي، ويدر أموالاً أكثر وأسرع. وبنظر مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية رندة برو، فإن “تطوّر المرأة وتحررها على مرّ الزمان فتح لها الأبواب للعمل في مجالات متنوعة بعيدة عن القرى وبالتالي مختلفة عن الزراعة، ما له تأثير سلبي على الاقتصاد اللبناني الذي يصدر المنتجات الغذائية. كما أنّ زراعة التبغ وتصديره في لبنان هي من أهم أركان التجارة اللبنانية وبالتالي ابتعاد المرأة عن العمل في زراعة التبغ وغيرها من المنتجات الغذائية لا بدّ ان يتم تأمين بديل عنه”.

هجرة المرأة للقطاع الزراعي أبقى على 35% منهنّ في القطاع، وفق إحصاءات غير رسمية، علماً ان الإحصاءات الرسمية حول الموضوع غير متوفرة، مما يجعل التضارب في الأرقام المعلنة وغير المعلنة، أمراً وارداً. وفي جميع الأحوال، فإن حجم اليد العاملة الأنثوية الباقية في القطاع، ليس هو المهم، لأن الأهم هو النقاش في تداعيات تراجع هذه اليد، فالتراجع ينعكس سلباً على الإقتصاد الريفي عموماً، والبعض يذهب الي تفصيل التأثير، والتركيز على تداعياته على قطاع التبغ، لأن أغلب اليد العاملة من النساء، يعملن في زراعة التبغ، وهي الزراعة الأساسية التي يعتمد عليها أهل الجنوب وشمال لبنان، الى جانب زراعة الزيتون. ويحذر الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي في حديث لـ”المدن” من تداعيات إستمرار تسرب المرأة من سوق العمل الزراعي، وخاصة في مجال زراعة التبغ. ويلفت النظر الى ضرورة “تجهيز مناطق صناعية قريبة من الأرياف، تعنى بالصناعات الغذائية” الامرالذي يسهل عملية التواصل بين القاعين الزراعي والصناعي، ويفتح المجال أمام تصريف، وبالتالي زيادة الإنتاج الزراعي، وتأمين مناخ أفضل لعمل المرأة في هذا القطاع.

لكن الى أن يتم التنبه الرسمي الى ضرورة معالجة أزمة القطاع الزراعي، وبشكل أساسي تسرب اليد العاملة الانثوية منه، يبقى ان لسان حال المرأة المزارعة يروي معاناة تزداد يوماً بعد يوم “مع تراجع القطاع الزراعي، والذي يعمد في الأساس الى عدم وجود ممولين، إضافة إلى عدم اهتمام الدولة المباشر بالزراعات في لبنان وبالمرأة”، بحسب ما تقوله لـ”المدن” مزارعة التبغ، عليّة نجدي، التي تعتبر ان “المرأة هي الركن الأساسي للزراعة في الأرياف بسبب قلة المجالات التي يمكن أن تعمل فيها، خاصة مع وجود العادات والتقاليد التي تقيّد خروج المرأة للعمل في المدينة”، وترى نجدي أنه يمكن الإستفادة من التطور والتعليم لتعزيز مكانة المرأة في العمل الزراعي الريفي، فبذلك يتم رفع شأن المرأة وفي الوقت نفسه رفع شأن الإقتصاد والقطاع الزراعي. فتوجيه المرأة المتعلمة نحو إختصاصات مثل الهندسة الزراعية يصب في تطوير القطاع الزراعي وفي فتح مجالات عمل للمرأة الريفية”.

في المحصلة، قليلة هي المؤتمرات التي تسلط الضوء على دور المرأة في العمل الزراعي وفي المنظومة الإقتصادية، إذ يتركز حديث الجمعيات عن دور المرأة الإجتماعي، علماً ان خطورة هجرة اليد العاملة الأنثوية للقطاع الزراعي، يمس ايضاً دور المرأة الإجتماعي، لأن تعزيز حضور المرأة إقتصادياً يحسن من دورها الإجتماعي في الأرياف، تحديداً كون ظهور دور المرأة في الريف، يتم بصورة أوضح من ظهورها في المدن.