كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
تتخذ إنتخابات الرابطة المارونية التي ستجري في 19 آذار أهميةً كبيرة، كونها تأتي كإحدى النتائج الإيجابية للمصالحة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية».بدأت ملامح المعركة الإنتخابية تتضح منذ بداية الخريف الماضي، والتي استقرّت على ترشيح النقيب أنطوان قليموس من جهة، والذي قابله ترشيح الدكتور جوزيف طربيه الرئيس السابق للرابطة المارونية. وقد أدّت المفاوضات بين الفريقين الى مبادرة الدكتور طربيه لتأييد ترشيح النقيب أنطوان قليموس وإلى التوصّل الى لائحة توافقية بين فريقي النائب نعمة الله أبي نصر وقليموس.
وجاءت مبادرة طربيه مؤشراً لتقدير هذا الرجل لطبيعة المرحلة الإستثنائية، ودليلاً على وعيه لحجم التحديات التي يواجهها الموارنة في لبنان، والتي تقتضي مبادرات شجاعة لرص الصفوف وتوحيدها. وقد واكب خطوة طربيه النائب نعمة الله أبي نصر، وكان أول المرحبين بها في سياق استشعاره بالمتغيرات التي أحدثها لقاء معراب. فنتج عن ذلك لائحة توافقية أوّلية كان من المزمع إعلانها قبل بداية الصوم من الصرح البطريركي في بكركي.
بيد أن سلسلةً من الإتصالات أفضت إلى تأجيل الإعلان عن تشكيل اللائحة على اعتبار أنها لم تكن تمثّل كل القوى الفاعلة داخل الرابطة المارونية، إضافةً إلى أن المرحلة الراهنة تقتضي توسيع أطر التوافق بين المجموعات المارونية التي تحتضنها الرابطة بهدف تحضيرها للعب دورٍ محوري في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان.
فبادرت «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحر إلى تشكيل لجنة تواصل تألفت من الأستاذ منصور بطيش، والأستاذ شوقي الدكاش لمرافقة الإتصالات الجارية على هذا الصعيد. أسهم التدخّل الإيجابي للحزبين المذكورين في ضمّ نُخب وشخصيات مارونية لها دورها وموقعها على المستوى الماروني، وتكتسبُ صفةً تمثيلية مناطقية وحزبية على المستويات كلها.
وجاء كل ذلك نتيجة لتواصل اللجنة المذكورة مع الرؤساء السابقين للرابطة ورئيس المجلس العام الماروني، الذين أبدوا كل تأييد وارتياح لهذه المبادرة. وتواصل ممثلو الحزبين مع الصرح البطريركي الذي رحب بهذه الخطوة وشجعها من ضمن سياسة التأييد للقاء معراب ومندرجاته من جهة، ومن منطلق عدم تغييب أحد عن سياق التفاهم الماروني العام.
وتواصلت لجنة التواصل مع مجموعة كبيرة من الشخصيات المارونية التي لها دورها الفاعل في المؤسسة المارونية للإنتشار والمؤسسة المارونية للإنماء الشامل وغيرها، كل ذلك من منطلق التوجيهات البطريركية الداعية الى عدم إقصاء أي كان.
وفي السياق عينه بادر النقيب قليموس الى التواصل مع الأحزاب المسيحية الأساسية؛ فالتقى الجنرال ميشال عون، والدكتور سمير جعجع. وأفضى التواصل مع حزب الكتائب اللبنانية الى تأكيد الحزب أنه ممثل في التشكيلة التوافقية. أما على صعيد التواصل مع رئيس تيار المردة، فلم يتمكن النقيب قليموس من لقاء النائب سليمان فرنجية، على الرغم من طلب قليموس المتكرر موعداً للزيارة.
نتيجة لكل هذه الإتصالات، تمكنت لجنة التواصل الحزبية وبالتعاون مع قليموس من تشكيل هيئة المكتب التي تألفت من أنطوان قليموس رئيساً، وتوفيق معوض نائباً للرئيس، وأنطوان واكيم أميناً عاماً، وعبدو جريس أميناً للصندوق، والتي تبلّغها الرؤساء السابقون للرابطة ووافقوا عليها؛ فأنطوان قليموس يُمثل الإجماع بين المكونات الرئيسية للرابطة في المرحلة الراهنة، وتوفيق معوض هو رجل التواصل والإنفتاح والحوار والتوافق بين المكونات الزغرتاوية، وهو المقرب من الوزير فرنجية وضمانة التواصل معه، وأنطوان واكيم هو ضمير الرابطة المارونية ورجلها المخطط، وعبدو جريس قيمة أخلاقية ومهنية مضافة.
هنا توقفت مهمة لجنة التواصل الحزبي التي تركت لفريقي أبي نصر وقليموس مهمة إستكمال تشكيل اللائحة. فبادر الفريقان المذكوران الى استكمال تشكيل اللائحة، وتواصل السيد مالك أبي نصر مع الرؤساء السابقين للرابطة واستمزج آراءهم؛ فأفضت الإتصالات الى تشكيل اللائحة النهائية، والتي أعلنها النقيب قليموس من الصرح البطريركي في بكركي تحت عنوان لائحة التجذّر والنهوض، والتي باركها البطريرك الماروني ولاقت إرتياحاً على مستوى غالبية الهيئة العامة الإنتخابية في الرابطة المارونية.
غير أن قسماً من المتضرّرين إندفع الى الطعن بلائحة التوافق «الممكن» التي أعلنها قليموس، واستناداً إلى خلفياتٍ ونوايا باتت معروفة. فتارة تحت شعار أن اللائحة لا تتمثّل فيها مناطق مارونية أساسية كالشمال مثلاً، وهو ادعاءٌ في غير محلّه؛ وطوراً تحت شعار أن حزبَي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر قد وضعا يديهما على الرابطة، وهذا إدعاءٌ منافٍ للحقيقة والوقائع؛ وما الى سوى ذلك من إدعاءات غير مسؤولة لا تتصل بالحقائق والحقيقة على السواء، وتمعن في ضرب هذا الإنجاز التوفيقي.
فلائحة قليموس تمثل إنجازاً على مستوى الرابطة المارونية والموارنة بشكلٍ عام، كونها لائحةً توافقية بين غالبية المكونات الأساسية في الرابطة المارونية.
ولا يخفي المتابعون الإسهام الإيجابي الذي قام به النائب نعمة الله أبي نصر والتفهّم البنّاء الذي اعتمده النقيب أنطوان قليموس في تشكيل اللائحة. وإذ لا يدّعي عرّابو هذه اللائحة بأنها لائحة توافقية بالكامل، غير أنهم يُصرّون على اعتبارها لائحة التوافق الممكن في المرحلة الراهنة.
فالتضحيات التي قدّمها النقيب قليموس والنائب نعمة الله أبي نصر لتعزيز التوافق عبر ضمّ نُخب وشخصيات مارونية مستقلة وحزبية فعلَ فعله. ويعتبر المراقبون كذلك أن بيان الترشّح الذي أعلنه النقيب قليموس يوم الجمعة الماضي من نقابة الصحافة عبّر عن التحديات المارونية الجامعة التي يواجهها المسيحيون عموماً والموارنة على وجهٍ أخصّ في لبنان، وهو بيانٌ يعكس الهواجس المارونية التي يترتب على الرابطة المارونية رفعها الى مواقع القرار في ظلّ وحدةٍ ملزمة بات الموارنة بحاجة اليها أكثر من أي وقت مضى. وتشير المصادر عينها الى أن الفاعليات والأحزاب المارونية التي تعتبر أنها أُقصيت عن لائحة التوافق الممكن، مدعوة للإنضمام الى تأييد اللائحة التي يترأسها النقيب قليموس.
فتوسيع مروحة المصالحات والتفاهمات التي بدأت مع لقاء معراب، والتي جمعت القوّتين المسيحيّتين الأساسيّتين، أصبح ملزماً في ظروفٍ يبدو فيها لبنان على مفترقٍ خطير، ويواجه فيه الموارنة والمسيحيون معهم مرحلةً صعبة ودقيقة من تاريخهم.