رامي القليوبي
شهدت العاصمة الروسية موسكو منذ بداية العام الحالي، موجة من احتجاجات نظمها أصحاب قروض الرهن العقاري بالعملة الأجنبية، بعد أن تحول حلم الحياة في شقة تمليك إلى كابوس، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار من 33 روبلا إلى أكثر من 70 روبلا خلال عامين.
ويطالب المحتجون الدولة بتعليق تطبيق القرارات القضائية بوضع المصارف يدها على الوحدات العقارية التي تعثر أصحابها عن سداد الأقساط، وإيجاد حل عاجل لمشكلة أصحاب القروض بالعملة الصعبة على مستوى الدولة، متهمين الحكومة بالتنصل من مسؤولياتها الاجتماعية.
ونظم أصحاب القروض احتجاجات ووقفات عدة أمام مقار المصارف، وتوجهوا في إحدى المرات إلى مقر حزب “روسيا الموحدة” الحاكم، وقطعوا ذات مرة شارع تفيرسكايا وسط موسكو، مطالبين المصرف المركزي بالتدخل في القضية.
وبحسب تقديرات المركزي الروسي، يبلغ عدد أصحاب قروض الرهن العقاري بالعملة الصعبة نحو 25 ألفا، ويحتاج حوالي 5 آلاف منهم إلى المساعدة في سداد ديونهم.
ومن أجل الدفاع عن حقوقهم، قام أصحاب القروض بتشكيل “حركة عموم روسيا للمقترضين بالعملة الأجنبية”، وهي تهدف إلى مواجهة ما وصفوه بـ”طمع المصارف”، مطالبين بسن قوانين تسمح للمقترضين بالحفاظ على أملاكهم، وتقاسم عادل للمخاطر بين المقترضين والمصارف والدولة.
وتقول غالينا غريغورييفا، السكرتيرة الإعلامية للحركة، لـ”العربي الجديد”، إن المحاكم الروسية ترفض الاعتراف بأن انهيار قيمة الروبل جاء “ظرفاً قهرياً”، وهو موقف يسمح للمصارف باستغلال الوضع الراهن للاستمرار في جني أرباح طائلة على حساب المواطنين العاديين.
وتضيف غريغورييفا : “أصدرت المحاكم أحكاما لصالح المصارف في ما يتعلق بنحو 500 شقة في موسكو و50 أخرى في سانت بطرسبورغ، وأصبح قاطنوها مهددين بالتشريد بعد استكمال إجراءات وضع اليد عليها التي قد تستغرق ما بين 4 و6 أشهر”.
وتتابع :”حل مشكلة قروض الرهن العقاري بالعملة الصعبة يتطلب قرارا سياسيا من الحكومة بتفعيل توصيات المصرف المركزي بإعادة احتساب قيمة الأقساط وفقا لسعر الصرف السائد في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2014 أي 39.38 روبل للدولار”.
وترفض غريغورييفا حجة السلطات والمصارف أن الاقتراض بالعملة الصعبة كان قرار العملاء ووضع كامل المسؤولية على عاتقهم، مشيرة إلى أن هذه القروض منحت قبل تغيير المصرف المركزي الروسي سياسته وتعويم سعر صرف الروبل في عام 2014.
وبين تقاعس الحكومة عن اتخاذ موقف حازم وتمسك المصارف بإجراءاتها، أصبح أصحاب القروض إما مهددين بوضع المصارف يدا على سكنهم، وإما اضطروا لتحويل كل مدخراتهم لخدمة الديون وخفض مستوى معيشتهم.
أولغا، مواطنة روسية حصلت مع زوجها على قرض بالدولار بفائدة 10.5% لمدة 25 عاما من مصرف “دلتا كريديت” الخاص قبل 8 سنوات لشراء شقة في موسكو، عندما كان سعر صرف الدولار يبلغ نحو 24 روبلا.
وتقول أولغا لـ”العربي الجديد”: “كان هذا أفضل عرض حصلنا عليه من مصارف خاصة، بعد رفض سبيربنك (حكومي) منح قرض لنا بالروبل لعدم استيفائنا بعض الشروط”.
ورغم أن الفوائد في المصارف الخاصة أعلى منها في نظيرتها الحكومية، إلا أن أعدادا كبيرة من الروس يلجأون إلى الاقتراض منها لسهولة إجراءات الحصول على القروض مقارنة بمصارف القطاع العام.
وتشير أولغا إلى أن القرض الذي حصلت الأسرة عليه، متدرج الأقساط، ما يعني انخفاض قيمة القسط مع مرور الزمن، قبل أن تضيف: “في البداية كنا ندفع القسط الشهري بواقع 400 دولار أي حوالي 10 آلاف روبل وفقا لسعر الصرف السائد آنذاك، والآن انخفض القسط إلى 250 دولارا، ولكنه ارتفع إلى نحو 18 ألف روبل”.
وبعد تأثر عمل زوج أولغا في بزنس المطاعم بالأزمة الاقتصادية الحالية، انخفض دخل الأسرة إلى 50 ألف روبل (حوالي 700 دولار) فقط. وأصبح سداد نحو 40% من الدخل لخدمة القرض عبئا يصعب على العائلة تحمله في ظل وجود طفلين، ولم يبق لها سوى سداد أقساط القرض من رأس مال الأم، وهي معونة قدرها نحو 6 آلاف دولار تستفيد منها كل امرأة روسية عند إنجابها الطفل الثاني فصاعدا.
وفي ظل استبعاد احتمال عودة أسعار النفط إلى مستوى 100 دولار للبرميل وسعر صرف الروبل إلى معدلاته السابقة، تبقى أمام عائلة أولغا 17 عاما من الحياة في ظروف تقشف صارمة، كما تلاشت آمال الأسرة في توفير مدخرات لاستخدامها للسداد المبكر والتخلص من أعباء القرض.
وبذلك يبقى الأمل الوحيد لأولغا وآلاف الأسر الأخرى، التي حصلت على القروض بالدولار، وكاد سدادها أن يتحول إلى عبودية، هو تدخل المصرف المركزي لحل مشكلاتهم مع المصارف بشكل جذري وليس بتقديم توصيات فقط.
وتؤكد مصادر مصرفية لـ”العربي الجديد” أن البنوك تلقت بالفعل توصيات من البنك المركزي بتثبيت سعر الصرف، ولكنها غير ملزمة، ولذلك تستمر المؤسسات الائتمانية في اعتماد سعر الصرف الحالي في حالة رغبة العميل في تحويل قرضه من العملة الأجنبية إلى الروبل.
ويقول ستانيسلاف تيفيسا، رئيس قسم إدارة المخاطر للأشخاص الطبيعيين بمصرف “رايفايزن”، لـ “العربي الجديد”: “يمكن للمقترضين بالعملة الأجنبية إعادة هيكلة قروضهم وفقا للتعريفات والشروط السارية وقت التقدم بطلب بهذا الشأن. نمنح لهم قرضا جديدا بالروبل بفائدة تبدأ من 12% سنويا ومع اعتماد سعر الصرف الحالي”.
وتشير بيانات المصرف المركزي الروسي إلى أن عدد أصحاب قروض الرهن العقاري بالعملة الأجنبية انخفض خلال العام الماضي بنسبة 22% بعد تطبيق المصارف برامج تحويل هذه القروض إلى أخرى بالروبل. وبذلك تبلغ حصة القروض بالعملة الصعبة في إجمال سوق الرهن العقاري في روسيا 3% فقط، ولكن هذه النسبة المحدودة تشمل ما بين 8 و10 آلاف حالة تعثر عن السداد لمدة تزيد عن 90 يوما، وفق البيانات المحلية.
يذكر أن سعر صرف الدولار ارتفع بنسبة 50% تقريبا أمام الروبل خلال الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، ولكن العملة الروسية سرعان ما عززت مواقعها بعد عودة أسعار النفط إلى الارتفاع، لتستقر عند مستوى حوالي 30 روبلا للدولار.
لكن منذ بدء تراجع أسعار النفط في يونيو/حزيران 2014، بدأت قيمة الروبل تتراجع بوتيرة غير مسبوقة، ليبلغ سعر صرف الدولار نحو 71 روبلا حاليا مع تجاوزه حاجز الـ80 روبلا في بعض الأيام من يناير/كانون الثاني الماضي.
وألقت أزمة الاقتراض العقاري بظلال سلبية على السوق العقارية أيضا، لاسيما في العاصمة موسكو، حيث تراجعت أسعار العقارات إلى أدنى مستوى لها في 10 أعوام وفق البيانات الصادرة عن سجل الأملاك في موسكو في فبراير/شباط الماضي، وذلك في ظل الانكماش الاقتصادي الذي تشهده البلاد والتراجع الحاد لقيمة العملة المحلية.
كما ذكرت شركة “إنكوم” الروسية للعقارات في تقرير لها الشهر الماضي، أن متوسط سعر الشقق المكونة من غرفة واحدة انخفض إلى ما دون 100 ألف دولار لأول مرة منذ عام 2005، كما ازداد العرض في ديسمبر/كانون الأول الماضي بنسبة 7 % مقارنة بالشهر نفسه من عام 2014.