Site icon IMLebanon

توسيع التلاقي المسيحي مقلق للآخرين أم مطمئن؟

 

 

 

كتبت دنيز عطاالله حداد في صحيفة “السفير”:

في توافقهما «الميثاقي» تلاقى اللبنانيون على ثابتتين: التمسك بالعيش المشترك ووقف التعداد الطائفي. أقله هذا ما يعلنون عنه ويصرّح به المعتدلون من كل الطوائف. ومع ذلك، يبدو هذا التوافق نظريا وآيلا للسقوط عند كل استحقاق، مهما صغُر.

يُفاخر المسيحيون أنهم كانوا منتشرين على امتداد مساحة لبنان. وهذا في جوهره من تعاليم الكنيسة التي كانت مبادرة إلى إنشاء الكنائس والمدارس، فيتجمع حولها الناس، وهو تعليم وتعميم فاتيكاني. فلا يشجع الكرسي الرسولي اي شكل من أشكال التقوقع ولا اقامة المسيحيين في «غيتوات» او تجمعات جغرافية او اجتماعية او حتى سياسية. وهو يدعو المسيحيين باستمرار، خصوصا في العالم العربي، وتحديدا في لبنان، الى الاندماج في محيطهم والتفاعل معه و «الشهادة لرسالتهم الدينية بأمانة».

لكن الحرب اللبنانية كانت شديدة الثقل على المسيحيين اللبنانيين. انكفأوا الى جبل لبنان وحافظوا على وجودهم في الشمال وبقي حضورهم رمزيا وموسميا في سائر المناطق.

لكن الواقعية تفترض الإقرار بان أعدادهم تراجعت ايضا. هذا الاقرار ليس انتقاصا من حقوقهم ولا من دورهم وصلاحياتهم. هو واقع يفترض ان يتعاطوا معه من دون مكابرة واعتداد او سلوكيات أقلوية، كما من دون خوف او توجس او شعور بالاستضعاف.

يفترض بالمسيحيين ان يُثمنوا تمسك المسلمين بالشراكة الكاملة معهم على كل المستويات. فالمستنيرون والصادقون من بين المسلمين، لا يفعلون ذلك من باب المنّة والاحسان. هم يعرفون أن الوجود المسيحي في لبنان حاجة اسلامية ايضا. فوسط جنون التطرف الذي يعصف بالعالم العربي ونظرة العالم الغربي بريبة الى قدرة الاسلام على التعايش مع اي آخر مختلف، يُعطِي مسلِمو لبنان شهادةً مغايرةً. هؤلاء يدافعون ايضا، عبر تمسكهم بالمشاركة المسيحية، عن ثقافتهم واسلوب حياتهم وسلوكياتهم اليومية. هم يحرصون على ما يضيفه المسيحيون الى الحياة الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. أما السياسة، فلها شان آخر.

وكما ان استقلال لبنان بحدوده الحالية، ليس بمثابة تحصيل الحاصل، وكانت دونه آلام وأحلام محطمة، وجهد وإيمان كبيران، كذلك فان حرص المسلمين اللبنانيين على التمسك بالدور المسيحي ليس تفصيلا عابرا.

بالتالي، على المسيحيين أن يوقفوا التباكي على مجد ضائع، ومحاولات التذاكي باقتناص وظيفة من هنا او ترفيع حاجب من هناك. فهم ليسوا مستهدفين بحضورهم اكثر من اي لبناني آخر. ولا هم من تطالهم وحدهم الضائقة الاقتصادية او الازمات البيئية. وليسوا وحدهم اصحاب «الدعوة اللبنانية» و «القضية اللبنانية». ولم يبنوا وحدهم تلك «العمارة اللبنانية» بحقيقتها واوهامها المشتهاة. ولولا «اعجاب» المسلمين اللبنانيين بهم، والتسليم لهم بأرجحية على كثير من المستويات، لما كان لهم في البلد ما لهم فيه.

مناسبة هذا الكلام والتذكير يستدعيها امران: الاول محاولة تصوير المسيحيين انهم يسعون الى التكتل في «جهة» او «جبهة»، تكون عادة في مواجهة جهة او جبهة اخرى ما . والامر الثاني تزايد الكلام عن الانتخابات البلدية.

ففي الاولى، يشكل تلاقي «القوات» و «التيار» ومصالحتهما خطوة ايجابية بمعنى طي صفحة الاقتتال و «نبش القبور». وهذا مما يريح المسيحيين ويطمئنهم. توسيع هذا التلاقي مسيحيا قد يكون مستحبا ايضا، لكن ذلك يصبح مقلقا في حال افترض اي من الملتقين ان اجتماعهم هو في وجه الآخرين، تحديدا المسلمين. او في حال اعتبروا ان بامكانهم فرض آرائهم ومقارباتهم للقضايا الوطنية المطروحة.

اما في الثانية، وهي مرتبطة بطريقة او باخرى بالاولى، فان ما يتم الهمس به عن كيفية خوض الانتخابات البلدية المرتقبة، وطموحات الاحزاب وتمثيلها، وصولا الى طروحات عن تقسيم بعض البلديات المشتركة الكبرى، كلها مما يبعث على القلق، ويعطي اشارات الى ان احدا لم يتعلم شيئا