كشفت مراسلة قناة “سي إن إن” الأميركية، كلاريسا وورد، الخميس، في مقال لها، جزءاً من تجربتها التي قضتها في “جحيم” سوريا، وذلك بعد أيام قضتها في مناطق سيطرة المعارضة، تحت القصف الروسي وحصار النظام في حلب ومحيطها.
وبدأت وورد، مقالها، المنشور في افتتاحية الخميس، لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، بالقول: “تظن أنّك ستموت، وتشعر بأنّ ثقباً انفتح لك في بطنك. هذه الثواني القليلة، ما إن تسمع الطائرات في السماء وإلى أن تلقي بقنابلها، حتى تجمدك وأنت تعرف بأنّ لا أمل لك في أن تعرف أين ستقع الضربة”.
ووصفت مشهد قصف الطائرات الروسية على بلدة أريحا، في ريف أدلب، بالقول: “ضجيج كبير يُسمع، وبعد بضع ثوان تأتي أصوات أخرى: صافرات سيارات الإسعاف، صرخات ألم، استجداءات للنجدة وبكاء يمزق نياط القلب”، قائلة إنّ هذه الأصوات من بلدة أريحا التي تحت سيطرة الثوار بقيت معها، بالإضافة لمشاهد المباني المدمرة، المستشفى المنهار والأطفال بملابسهم الملطخة بالدماء، موضحة أنّ هذا هو “مشهد شمال سوريا، بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية”.
وعن التجهيز لرحلتها، قالت وورد، إنّ التجهيز لهذه الرحلة استغرق ستة أشهر، بسبب المخاطر التي تنطوي عليها، وشاركها كل من “المنتجة سلمى عبد العزيز والمصوّر السوري بلال عبد الكريم، حيث إنّها أقامت في سوريا نحو أسبوع، في منطقة يكاد لا يصلها صحفي غربي، كي أوثق الحياة في ظل مناطق المعارضة”، مشيرةً إلى أنّها كانت تتحرك داخل سوريا بتمويه، وكانت، وعبد العزيز، تضعان النقاب على رأسيهما كي لا تكتشف هوياتهما.
وتابعت وورد: “بعد أقل من 24 ساعة من وصولنا إلى مناطق الثوار، وجدنا أنفسنا في وسط غارة جوية”، مشيرةً إلى أنّ الغارات الجوية ضدّ المناطق التي تحت سيطرة الثوار، والتي ضدّ حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد لا تتوقف، واشتدت أكثر مع دخول الروس إلى المعركة”.
وقالت وورد إنّ روسيا “تدعي أنّها لا تهاجم إلا الإرهابيين أيّ، مقاتلي “داعش” و”جبهة النصرة” المرتبطين بالقاعدة”، مؤكدةً أنّها شهدت قصفاً على سوق الفاكهة، “حيث قتل أناس عاديون، كانوا يتجادلون قبل لحظة من ذلك في أسعار البرتقال، وفي اللحظة التالية لم يعودوا على قيد الحياة”.
ونقلت وورد عن امرأة شابة في معرة النعمان، قولها: “في كل يوم أواجه من جديد معضلة هل أبعث ابنتي إلى المدرسة”، في بلدة “خربت تماماً تقريباً في القصف الجوي الأخير”، موضحة أنّها “في كل مرة تخرج فيها من البيت، هناك احتمال ألا تعود”.
وعن رحلتها إلى حلب، قالت وورد إنّ “الرحلة إلى داخل حلب كانت خطيرة على نحو خاص، فجنود الأسد يطوقون الثوار في القسم الشرقي من المدينة، و 320 ألف نسمة يتواجدون في الحصار”، مشيرةً إلى أنّ حلب “كانت المدينة الأكبر في سوريا، مركزاً اقتصادياً وثقافياً يعج بالحياة، أمّا الآن فثمة طريق واحد، يسمى “طريق الموت”، فقط يؤدي إليها، حيث يحاصرها القناصون من كل صوب”.
ونقلت وورد عن “سعاد ابنة السبعين، التي تجلس في شقتها في حي السكري، وتعد على أصابعها الضحايا في عائلتها”، حيث بدأت بالعد: “الأول كان حفيدي، ثم ابني، ابن ابنتي، ابني الوسط، وأحد أبنائي، وبعد هذا ابني الثالث وابنه. كلهم قتلوا في الجبهة”.
وإلى جانب سعاد، يجلس أحد أحفادها، الذي يحتسي القهوة السوداء ويستمع، و”يشهد بنطاله على أنّه هو أيضاً يشارك في القتال”، في حين أكدت سعاد أنّها “ستبقى هنا، إلى يوم موتي”، حتى لو مات هو أيضاً.
وروت مراسلة الـ”سي إن إن” عن طبيب يسمى فارس الجندي، أنّه “يلفت النظر على الفور الحلقات السوداء حول عينيه، ووجهه القاتم، لشخص لم يعد يعرف ما يفكر به، ويشعر به”، مشيرةً إلى أنّه “ليس عنده وقت كثير للجلوس معنا، فهو واحد من جراحين قلة بقوا في المستشفى الوحيد الذي نجا في معرة النعمان”.
ويروي الجندي فيقول: “أعالج مئة شخص في اليوم، وليس لدينا ما يكفي من الأدوية، والمياه أقذر من أن تستخدم في العمليات الجراحية”، ورغم نفي النظام السوري، يؤكد الجندي أنّ “النظام السوري يهاجم المستشفيات عن قصد وبشكل تهكمي، فهم يريدون أن يدمروا كل الخدمات الطبية بحيث يضطر من تبقى من سكان إلى الفرار”.
وقبل لحظة من مغادرة وورد سوريا، تروي فتقول إنّها “وصلت إلى كرم زيتون مجاور للحدود التركية، والمشهد رائع في جماله، مسافة عالمين كاملين عن الخراب الذي كنا نشهده قبل ساعات من ذلك، والتناقضات والتضاربات في هذه البلاد تتركنا بدوار شديد”.
ووصفت وورد سوريا بأنّها “الجحيم”، مستدركة بالقول: “عندما أقف في الشمس الدافئة وأنظر إلى شجرة الزيتون الخضراء المذهبة هذه، أرى الجنة”.
واختتمت وورد مقالها بالرسالة التي منحهم إياها حارسها أبو يوسف، وطلب منهم أن لا يقرؤوها حتى يصلوا إلى بلادهم، بعد رحلتين جويتين و72 ساعة، قائلة: “آمل أن تكوني فهمت ما نمر به. رجاءً، اروي للعالم الحقيقة عن سوريا”.