ما زالت ماليزيا تمثل نموذجا يداعب خيال شعوب الدول النامية، من حيث نجاحها في تحقيق تجربة تنموية في غضون عقدين من الزمن، ولكن ما يعتريها خلال الفترة الأخيرة مؤشر غير إيجابي، بعد اتهام رئيس الوزراء الحالي نجيب عبد الرزاق، بالحصول على هدية شخصية بما يزيد عن 600 مليون دولار من السعودية، صنفت على أنها نوع من الفساد.
ومؤخرا أعلنت جهات قضائية سويسرية عن وجود شبهات حول تحويلات تبلغ 4 مليارات دولار تخص “صندوق تنمية ماليزيا” تم تحويلها لحساب مسؤولين سابقين بماليزيا، ولم تنته التحقيقات بعد بشأن هذه الاتهامات.
ويعتبر الفساد من أخطر عوامل هدم التجارب التنموية، لذلك سارع مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، أثناء أزمة 1997، بمواجهة الفساد الذي عم الجهاز المصرفي هناك، والذي كان أحد أسباب الأزمة، حيث انتشرت القروض الرديئة أو منح قروض قصيرة الأمد لمشروعات طويلة الأمد، وهو ما دعا مهاتير في ذلك الوقت لإعطاء صلاحيات أكبر للمصرف المركزي الماليزي، للرقابة على أعمال المصارف ووضع قواعد جديدة للائتمان.
وإذا ما أخذنا مؤشر الشفافية الدولية معيارًا لتقويم وضع الفساد في ماليزيا، فنلاحظ أن ترتيب ماليزيا تراجع عام 2015 لتحصل على 50 درجة من 100 درجة إجمالي درجات المؤشر، بينما كانت درجة ماليزيا في 2014 هي 52 درجة، أي أن نتائج المؤشر تؤكد الشبهات حول تنامي الفساد في ماليزيا.
وعلى مدار العامين الماضيين تشهد ماليزيا حالة من الاضطرابات السياسية، والتي تركز بشكل رئيس على فساد الحكومة، وتسببها في تراجع الأداء الاقتصادي، الذي انعكس على تراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، واستنزاف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.
لقد انهار احتياطي النقد بماليزيا بأكثر من 40 مليار دولار خلال الفترة من 2012 – 2015، كما انخفضت قيمة العملة المحلية بنحو 33% في الفترة من أغسطس/آب 2014 وحتى نهاية يناير/كانون الثاني 2015.
إن من شأن إحداث تغيير سياسي في ماليزيا عبر انتخابات نزيهة، أن يكشف عن المزيد من ممارسات الفساد، وبخاصة أن الاتهامات السويسرية تخص أموال “صندوق تنمية ماليزيا” والذي يضم العديد من الشركات الحكومية.
وما لم يتم مكافحة الفساد بشكل عام، عبر مؤسسات البرلمان والقضاء، فسوف يؤدي ذلك إلى هدم تجربة اعتمدت بشكل رئيس على النزاهة والديمقراطية السياسية.