ليو لويس وكانا إيناجاكي
يعمل مهنسدو الآبينومكس “برنامج آبي الاقتصادي” على إحياء الروح التدخلية لوزارة الصناعة والتجارة في عهد السبعينيات، في محاولة للتنافس بفاعلية أكبر مع الصين. ويقول البعض “إن النتيجة هي موجة من عمليات الاستحواذ والاندماج”.
عندما كانت وزارة الصناعة والتجارة الدولية تتمتع بأقصى درجات القوة والسلطة في السبعينيات، كان يمكنها تحويل الملاعق إلى مضارب للجولف.
رجال الوزارة لم يكونوا مهتمين فقط في إقناع صناع أدوات المائدة في مدينة تسوبامي بتجهيز أنفسهم كمنتجين للمعدات الرياضية، بل عملوا أيضا على اتباع نفس الخدعة مع الصناعات الأخرى أيضا، بتحويلها من شكل إلى آخر وتطويع قطاعات في الاقتصاد لإرادتهم.
بالنسبة إلى الجماهير المحلية والعالمية على حد سواء، كان هذا في الوقت نفسه دليلا على كيفية نجاح عمل السلطة في أسرع اقتصادات العالم نموا، وعرضا مقلقا لتدخل الدولة.
واليوم، تحت رعاية رئيس الوزراء شينزو آبي، تعود الوزارة مرة أخرى. وقد دعم مهندسو الآبينومكس، برنامجه التحفيزي، انبعاثها من جديد. ويقولون “إن اليابان ستكون أفضل حالا، وأكثر قدرة على التنافس مع الصين، إن كان هنالك مزيد من السحر الوزاري القديم في هذه الأيام”. إن رغبتها في السلطة باتت أمرا ملموسا، والسؤال الكبير هو مدى قربها من إمكانية إعادة بناء نموذج يبلغ من العمر أربعة عقود.
يقول أحد رجال السياسة الحاكمين من الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي له اتصالات وثيقة مع الوزارة “ليس هنالك أي جزء آخر من البيروقراطية متعطش إلى هذه الدرجة لاكتساب وممارسة السلطة في الوقت الحالي. إنها تتصرف بثقة وإحساس بالمهمة على نحو لم تشهده هذه الدولة منذ الثمانينيات. وهذا بالطبع ليس مشابها للسلطة الحقيقية”.
ينظر البعض إلى عمليات الاندماج المحلية الآخذة في الارتفاع والرقم القياسي للعروض الصادرة في عام 2015 البالغة عشرة تريليونات ين، وهم مقتنعون بأن الوزارة، التي تعرف الآن باسم ميتي “وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة”، قد استعادت بالفعل بعضا من سحرها القديم. بالنسبة إليهم، تظهر المحادثات الأخيرة لدمج وحدات أجهزة الحاسوب الشخصي لشركتي فوجيتسو وتوشيبا، واستيلاء شركة أوساكا للصلب على منافستها شركة كوهتيتسو في طوكيو، أن الوزارة تدير شركات اليابان مرة أخرى.
لقد كانت مدفوعة من خلال قوى خارجية. زلزال توهوكو في عام 2011، الذي أدى إلى انهيار المفاعلات في المحطة النووية فوكوشيما، اقتضى ذلك النوع من التدخل الذي كانت وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد تتوق لتقديمه.
وقد سعت مجموعة من محادثات الدمج الأخرى، التي يحمل بعضها بصمات واضحة لدور الوزارة، إلى ترشيد الطاقة وقطع غيار السيارات وصناعات المواد الأساسية. أحد الأمثلة على التدخل – الذي ينفيه المعنيون بالأمر – كان زوج صفقات القطاع النفطي شبه المتزامن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حيث أعلنت شركة جي إكس القابضة، أكبر مصفاة في اليابان، عن خطط للاندماج مع شركة تونين جنرال سيكيو، مباشرة بعد عملية اندماج مشابهة ما بين شركة إيديميتسو كوسان، ثاني أكبر مصفاة، مع شركة شووا شيل.
قطاعات المواد الكيميائية والزجاج وتوليد الطاقة النووية مترسخة بقوة داخل الوزارة نفسها على نحو يؤهلها لتكون هي المقبلة في برنامج تحسين الشركات. ويتوقع محللو شركات صناعة السيارات أن الوزارة ربما تتمكن في النهاية من إقناع شركة تويوتا بشراء الحصة في شركة سوزوكي، التي أخليت العام الماضي من قبل شركة فولكسفاجن.
إن تطلعات الوزارة باتت واضحة على نحو يتجاوز عمليات الاندماج والاستحواذ. وبتصرفها كما لو أنها المنفذ الرئيسي لمشروع الآبينومكس، وضعت الوزارة نفسها في صلب خطط اليابان لتصبح مصدرة للأسلحة، وتقود مشاريع الطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي والروبوتات. مرة أخرى، سأل المحللون أسئلة تتعلق بمدى القوة التي ستسعى فيها الوزارة إلى إيجاد الحل الأفضل وليس الحل القومي.
يقول أحد مسؤولي الوزارة “إن كانت إحدى الشركات تتطلع إلى الاستثمار وهنالك خيار ياباني وآخر أجنبي، فلن نكون صادقين إن قلنا إننا لا نملك أي تفضيل على الإطلاق فيما يتعلق بما سيتم اختياره. إن كان هنالك تضافر في الأعمال التجارية، وإن كان من الممكن إيجاد فريق ياباني فقط، فإننا نرغب في ذلك”.
الدور القيادي
الوزارة منشغلة بالمعرفة المتعلقة بما يمكن أن تكون عليه الحال عند الحصول على السلطة الحقيقية ومن ثم فقدانها. في جميع أنحاء الانتعاش الذي ساد بعد الحرب – والأكثر شيوعا خلال سنوات النمو العظيم في السبعينيات – تمتعت الوزارة بالنفوذ. والكتب الدولية الأكثر مبيعا في العالم ككتاب “لغز القوة اليابانية” أو اليابان: من الذي يحكم”؟ ركزت على أنشطة الوزارة.
وقد لعبت دور اللاعب الرئيسي في اقتصاد مركزي، مع مهمة انتداب للاستيلاء على العالم. لم يكن فقط أنها كانت تلقى آذانا صاغية من رئيس الوزراء الموجود، بل كانت أيضا البوابة الرئيسية التي كان من المتوقع أن يمر منها جميع القادة في طريقهم نحو القمة.
وقياس مدى نفوذ الوزارة في عام 2016 يثير تساؤلات أعمق بكثير حول ما يمكن لخطة آبينومكس تحقيقه، وكيفية تطبيق السلطة السياسية في إدارة آبي، وما إذا كانت أنشطة الوزارة أفضل حقا بالنسبة إلى اليابان. يقول أتسوشي سايتو، الرئيس الأسبق لبورصة طوكيو، الذي يعمل الآن رئيساً لمجلس إدارة كولبرج كرافيس روبرتس في اليابان، “إنه من السهل أن نرى لماذا استغلت الوزارة فرصة آبينومكس بشكل نشط للغاية”.
يقول سايتو “الأمر المهم الذي يتعلق بصعود الصين هو أن معظم الدول المتقدمة شهدت بأن الرأسمالية المجردة المستندة إلى السوق لا يمكنها أحيانا التنافس ضد الدولة الصينية. ويعتقد المسؤولون الحكوميون في معطم الدول المتقدمة بأن مساعدة الشركات في دولهم من خلال قراراتهم، يمكن أن يساعدهم على التنافس بشكل فاعل أكثر مع الصين”.
السنوات التي مرت بعد الذروة التي حققتها لم تكن جيدة بالنسبة إلى الوزارة، حيث إنها تعرضت لفضائح شهدت استبدال اثنين من الوزراء في عامي 2014-2015. وعمل الانكماش وسياسة شد الأحزمة في الشركات على التقليل من مكانة الوزارة. لم يعد هنالك أي مكان لرؤساء الوزارة المحتملين للخدمة في مكتب الوزير في الوزارة. والضوابط المهمة – أبرزها تخصيص الحصول على العملات الأجنبية – تم التنازل عنها للأبد.
والاقتصاد الذي ترأسه، جنبا إلى جنب مع السكان، بدأت تظهر عليه آثار التقدم في السن، وقطاع الصناعات الثقيلة حيث حافظت فيها على نفوذها الأكبر أصبح أقل أهمية بالنسبة إلى اقتصاد تقوده الخدمات. وأصبحت مصابة بالشلل والخجل. الأمر الذي له دلالة كبيرة هو أنه تم إسقاط الكلمة “الدولية” من لقبها في عام 2001 في الوقت الذي اتخذت فيه اليابان دورا انعزاليا.
نفوذ وتأثير القائد
آبي، الذي تولى السلطة في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2012، عمل على جعل الوزارة مكانا مركزيا لبرنامجه من أجل إعادة إحياء الاقتصاد. وفقا لمختصين سياسيين ومختصي اقتصاد، هنالك كثير من العوامل الدافعة إلى عودة الوزارة إلى مركز الصدارة.
العامل الأول هو السبب نفسه في أن المستثمرين كانوا مستعدين للإيمان بشكل كبير جدا في برنامج آبينومكس: أن آبي هو قائد ذو قوة سياسية حقيقية. وقد أبدى قوة باقية في دولة كان لديها ستة رؤساء وزارة ما بين أعوام 2006-2012. ومنح هذا الوزارة فرصة أكبر، بحسب ما يقول قادة الشركات.
يقول كبير المسؤولين التنفيذيين في شركة مشاركة في عملية دمج العام الماضي “تحاول الوزارة دائما التلميح بأن الصفقة المقترحة مرغوب فيها من قبل مكتب رئيس الوزراء، لكنها تحمل وزنا أكبر إن كنتَ تعتقد أن الشخص نفسه سيكون رئيسا للوزراء بعد عام من الآن”.
كما أن آبي لم يخف أيضا حقيقة أن العقل المدبر لقصة آبينومكس- أبرزهم تاكايا إيماي، مستشاره الاقتصادي الرئيسي – هم من المسؤولين السابقين في الوزارة.
في عهد آبي، أصبح لدى الوزارة تشريع جديد إلى جانبها: مشروع قانون تعزيز التنافسية الصناعية لعام 2013، الذي يصيغ دور الحكومة في “عملية تجديد الصناعات” ويزود الوزارة بذلك النوع من الحوافز التي لم تحصل عليها منذ سنوات.
مع ذلك، فإن الأدلة على كيفية تطبيق هذا الدور هي أدلة متضاربة. فقد أصبحت العملية المخطط لها بقيمة ستة مليارات دولار لبيع شركة شارب، وهي واحدة من الأسماء الأكثر شهرة في اليابان في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية، إلى شركة هون هاي للصناعات الدقيقة في تايوان، الشركة الأم لشركة فوكسكون، اختبارا لكل من مدى الشغف الجديد لإعادة تنظيم الشركات لدى الوزارة والقيود المفروضة على قدرتها على القيام بذلك. على الرغم من التأخر في التوقيع، تبقى شركة فوكسفون تجري المحادثات مع شركة شارب أثناء التفاوض حول الشروط.
وسيكون هنالك مزيد من الاختبارات الآتية في الوقت الذي تتلاشى فيه القدرة التنافسية لليابان وتصبح تناقضات آبينومكس أكثر وضوحا، بحسب ما يقول مطلعون داخل الوزارة. وقد دفعت أصلا من أجل حل ياباني خالص لأزمة شركة شارب، بحيث يتضمن شراء تقوم به “شركة شبكة الابتكار” المدعومة من الدولة.
إن عرض الأسعار الأعلى المقدم من هون هاي ورفض مصارف شركة شارب الدخول في تلك اللعبة اليابانية الخالصة، يعني أنه يجب على الوزارة التظاهر بأنها ذات عقلية عالمية على نحو يكفي للتعايش مع عملية البيع.
يعترف أحد مبرمي الصفقات الرائدين في اليابان والبيروقراطي الأسبق قائلا “هنالك منظمتان متناقضتان تماما داخل الوزارة ولديهما اتجاهات مختلفة تماما. إحداهما تتماشى مع الاقتصادات الغربية ونظرية السوق، وتريد تشجيع وتعزيز إدارة الشركات ومزيد من عمليات الاندماج والاستحواذ والاستثمار الدولي والتجارة الأكثر انفتاحا. هنالك أيضا ذلك الجزء الأقدم والأكثر تحفظا. والسؤال المتعلق بأي منهما الأقوى يعتمد كليا على التوقيت. وهذا التوقيت غير متناسق”.
القيود الهيكلية
كلما استعرض جانب العقلية السوقية عضلاته بشكل أكبر، فإنه يفوز بشكل أكبر لمصلحة أنصار آبينومكس، لكنه يخسر نفوذا أكبر. يمكن توضيح القضية من خلال محاولة الوزارة إبقاء قبضتها على قطاع الصناعة النووية، حيث إنها ترغب في حماية التكنولوجيا الحيوية لكن سيطرتها مقيدة، مع وجود لاعبي القطاع النووي اليابانيين الذين لديهم جميعا مشاريع مشتركة مع الشركات الغربية.
يقول ميتشيسوكي ناياما، نائب الرئيس التنفيذي لشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة “إن مسؤولية تحديد الاتجاه تقع على الوزارة، وينبغي لها القيام بذلك بنشاط. معرضون للمساءلة أمام عملائنا ومساهمينا وموظفينا ولا يمكننا الوفاء بمسؤولياتنا من خلال فعل ما تمليه علينا الحكومة”.
ثم إن قرارات الوزارة لا تخلو من الجدل. منذ تولي آبي السلطة، كثفت الوزارة “دراساتها الاستقصائية” الصناعية المنتظمة التي تدفع قطاعات مثل المعادن والزجاج نحو عمليات دمج لا يريدونها بالضرورة.
أجريت بعد ذلك الدراسة الاستقصائية الخاصة بصناعة المعادن في عام 2015 من قبل شركة نيبون ستيل وسوميتومو للمعادن الشهر الماضي، التي قالت “إنها ستشتري الشركة المنافسة الأصغر حجما نيشين ستيل”. تجادل كلتا الشركتين على أنه تم التوصل إلى تلك الصفقات لأسباب تجارية سليمة.
إيجي هاياشيدا، الرئيس التنفيذي لشركة جيه إف إي القابضة، ثاني أكبر شركة صلب في اليابان، يتوقع مزيدا من التوطيد للاعبين لكنه يرغب في استباق هذا الاتهام بأن أي عمل تقوم به الشركة تتم مشاركته مع الدولة.
يقول هاياشيدا “في نهاية المطاف، يتم اتخاذ قرار إعادة التنظيم من قبل الإدارة العليا في الشركة وحملة الأسهم. ليس هنالك أي تورط للحكومة”.
في النهاية، ربما تكون سيطرة الوزارة على السياسة أقل متانة مما ترغب الوزارة في الإشارة إليه، التي يترأسها حاليا موتو هاياشي.
يقول ريو فوجي، رئيس شركة بيرميرا اليابان، “إن ميتي لم تعد تلك الساحرة التي تحول الملعقة إلى مضرب للجولف”.
يقول فوجي “من المستحيل محاربة الحكومة، لكن القيود المفروضة على ميتي باتت واضحة أيضا. لدى ميتي الكثير من الأقسام التي تركز على الصناعة الثقيلة، لكن واحدا منها فقط يركز على البرمجيات – وهو كبير بحجم صناعة المعدات. الفرق هو أنه ليس لديهم أي أسلحة لمحاربة قطاع صناعة البرمجيات، لذلك ليس لديهم نفس الوسائل للسيطرة على ما تفعله”.
اتحاد الصناعات اليابانية
جماعة الضغط تعاني لإعادة إحياء “روح القتال” لديها. إن البيروقراطيين في وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة ليسوا الوحيدين الذين يشعرون بأنهم محرومون من نفوذهم الذي كان فائقا على الشركات في اليابان.
وبالأخص، اتحاد الصناعات wاليابانية، أكبر جماعة ضغط تجارية في اليابان التي تشتمل على 1346 عضوا من الشركات، جاءت بعد الوزارة في خسارتها نفوذها السياسي والاقتصادي. ولم تعد تشكل وجه الشركات في اليابان.
مع وصول شينزو آبي ليتسلم مهامه كرئيس للوزراء، يبدو أن المجموعة قد استعادت بعضا من نفوذها التقليدي. وقد ساعدت السياسات الصديقة للأعمال التجارية في برنامج آبينومكس التحفيزي أرباح الشركات من خلال الين الأضعف.
وقد رد الاتحاد ذلك الجميل بأن حض الشركات على زيادة الأجور واستثمار أموالها النقدية في محاولة لفرض التضخم.
مع ذلك، حتى مع دعم آبينومكس، يقول النقاد “إنه من الصعب استعادة السلطة القديمة”.
إن تركيز المجموعة المستمر على الصناعات الثقيلة والتصنيع لا يتماشى إلى حد كبير مع النمو في قطاع صناعات البرمجيات والخدمات في اليابان. وقد أصبحت هذه الفجوة واضحة عندما انسحب هيروشي ميكيتاني، الرئيس التنفيذي لمجموعة التجارة راكوتين الذي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد، من الاتحاد في عام 2011، منتقدا دعمه الثابت لصناعة الطاقة النووية بعد حادثة محطة فوكوشيما دايتشي النووية.
إن منظمي الأعمال الرائدين ومن ذوي الحضور المتميز والذين أنشأوا شركة سوني وهوندا في اليابان، في فترة ما بعد الحرب غائبون بشكل واضح اليوم عن الاتحاد. وفي مكان أكيو موريتا وسويتشري هوندا هنالك رؤساء تنفيذيون برواتب وهم أقل استعدادا للتساؤل حول المؤسسة.
يقول أحد السياسيين في الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، الذي عمل ضمن ميتي “إن كبار المديرين التنفيذيين الذين يشكلون الاتحاد الياباني للصناعات في الوقت الحاضر ليست لديهم الروح القتالية التي كانت لأسلافهم”. ويضيف “إنهم يريدون تحقيق النجاح باعتبارهم مديرين تنفيذيين، ولكن لا تقودهم نفس الرغبة في تشكيل اليابان نفسها”.