كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لم يكن ينقص الواقع اللبناني سوى حدَث القرار الروسي بالانسحاب المفاجئ من سورية لتدخل القوى السياسية المحلية في مرحلة جديدة من الرهانات والحسابات المتصلة بتداعيات هذا التطوّر، بما يعني تكريس التسليم بترْك اللعبة الداخلية ومآزقها المتمادية على مختلف المستويات،لا سيما في ملف الانتخابات الرئاسية، رهينة انقشاع الرؤية في ما خصّ آفاق الانكفاء العسكري لموسكو وارتداداته على مسار الحلّ السياسي للأزمة السورية.
وكما كانت أثارت بدايةُ التدخل العسكري الروسي قبل نحو ستة أشهر موجة رهاناتٍ في بيروت استشعر معها فريق “8 آذار” بأن المحور الاقليمي – الدولي الذي يتكئ عليه يتجه الى قلب الموازين في سورية لمصلحته الأمر الذي يستوجب إبقاء الوضع اللبناني في “ثلاجة الانتظار” لاستثمار هذا “الانتصار”، فإن الانسحاب الروسي الذي بدأ تنفيذه أدخل بيروت في موجة حسابات مختلفة رغم ان الغموض ما زال يلفّ الكثير من المعطيات والمعلومات المتصلة بأسباب قرار موسكو.
وبدا واضحاً ان خصوم النظام السوري في لبنان ولا سيما قوى “14 آذار”، يتعاطون مع المعطى الروسي الجديد على انه برسْم نظام الرئيس بشار الأسد بمعنى الضغط عليه للسير بالحلّ السياسي من ضمن تفاهم روسي – أميركي كبير لن يكون بمقدور ايران الوقوف بوجهه، من دون ان يتّضح اذا كان يشتمل على تَوافُق على مقايضة بين مصير الأسد ومصير النظام الذي يبقى الحفاظ على بنيانه الرئيسي حجر الزاوية في اي تسوية سواء قامت على سورية مركزيّة او “مفدْرلة”.
ومن هذه الزاوية، أخذتْ الأطراف السياسية اللبنانية تقيس انعكاسات المستجدات في سورية على الملف الرئاسي تحديداً الذي يضرب موعداً مع جلسة انتخابات جديدة الاربعاء المقبل، وسط انطباع لدى دوائر مطّلعة بأن سلوك التريّث الذي اعتمده “حزب الله” في مقاربة هذا الملف منذ نحو عامين باتت له موجبات أكبر بعد الخطوة الروسية الأخيرة التي تستدعي انتظار ترجماتها السياسية في الميدان السوري، مقابل اعتبار أوساط أخرى ان استشعار الحزب بأن الأزمة السورية قد تكون دخلت مرحلة التفاهمات بين اللاعبين الكبار بمعزل عن مصالح القوى الاقليمية يمكن ان تدفعه الى استعجال بتّ “رئاسية لبنان” ما دامت المعركة محصورة بين مرشحيْن من “8 آذار” هما العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، عوض ان تفضي اي تطورات خارجية اخرى غير محسوبة الى ضياع فرصة المجيء برئيس من هذا الفريق.
اما القراءة الثالثة، فتعتبر ان “حزب الله”، الذي يُمسك بـ “مفاتيح” اللعبة في لبنان يملك ما يكفي من الأوراق للتكيف مع اي مستجدات في الملف السوري او غيره لتحريك الانتخابات الرئاسية وفق ما تقتضيه “أجندته” و”خريطة أهدافه” التي ترتكز محلياً، وبمعزل عن اسم الرئيس، على تعديل قواعد الحكم في البلاد ولو تحت سقف اتفاق الطائف، وهو ما يشكل الملف الرئاسي المدخل اليه، بما يجعل التشدد او التراخي في هذا الملف رهناً بمدى “الموفّقية” في تحقيق هذه الغاية التي تَتداخل لبلوغها عوامل خارجية وداخلية.
وكانت لافتة في هذا السياق القراءة التي قدّمها رئيس البرلمان نبيه بري لقرار الانسحاب الروسي من سورية، اذ اعتبر في تصريح صحافي “أن من شأن قرار بوتين المتزامن مع مفاوضات جنيف أن يشكّل ضغطاً على جميع الأطراف، وأن يحفّزها على إبداء المرونة والواقعية في سلوكها وتخفيض منسوب التشدد والتصلّب في طروحاتها”، مشيراً الى “أن على المعارضة السورية والقوى الدولية والإقليمية الداعمة لها أن تفعل الشيء ذاته بعدما كانت تتذرع في السابق بأن الدور العسكري الروسي يعقّد الموقف”. واذ شدد على ان المفاعيل الأساسية لقرار بوتين “هي سياسية وروسيا لن تتخلى عن الموقع السوري وعن حضورها في المياه الدافئة”، قال رداً على الانعكاسات المحتملة على الأزمة اللبنانية إن “من المبكر الخوض فيها، لأن الحل في سورية لن يكتمل في يوم أو يومين، وبالتالي علينا أن ننتظر بعض الوقت قبل أن نبدأ بـ (تقريش) التطور الروسي لبنانياً”.
وفي موازاة حال “الفرْملة” التي سادت المشهد اللبناني في ضوء الوقائع الجديدة في سورية، فإن البارز كان امس انعقاد جولة الحوار الثنائي الجديدة بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” (في مقر بري) وبحضور كامل ممثلي الجانبين في رسالة تمسُّكٍ بإبقاء الوضع اللبناني “تحت السيطرة”، وذلك بعدما كانت الجولة السابقة اقتصرت على ممثل واحد لكل منهما والتأمت “للصورة فقط” نتيجة إصرار بري حينها على عدم فرط هذا الحوار الذي كان يتلقى “وهج” الانتكاسة الكبيرة في العلاقات بين لبنان وبلدان الخليج.