كتبت ألين فرح في صحيفة “النهار”:
في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، قدّم الرئيس سعد الحريري طرحاً لـ”حزب الله” ينمّ عن شركة سياسية. البعض اعتبر هذا الطرح مدخلاً لإعادة ترتيب الأوراق الداخلية ككل، والبعض الآخر محاولة لانتخاب مرشح الحريري لرئاسة الجمهورية النائب سليمان فرنجية، بما يشكّل تمهيداً لعودته الى رئاسة الحكومة. واللافت أن الرئيس نبيه برّي تلقف الطرح وتحمّس له، ساعياً الى تسويقه أو محاولة “تبليعه” لـ”حزب الله”.
الحديث هنا ليس من زاوية رؤية “حزب الله” لطرح الحريري، ولا موقفه منه أو من حماسة برّي له، بل من زاوية “التيار الوطني الحر”. فليس خافياً أن علاقة برّي بالعماد ميشال عون ليست في أحسن أحوالها، لكنها غير مقطوعة. وثمة من يردّ الأسباب الى اتفاق معراب، علماً أن ملامح “التراجع” في العلاقة بدأت تظهر منذ تنسيق “التيار” و”القوات اللبنانية” في الجلسة التشريعية الأخيرة.
في هذا السياق، لا يخفى أيضاً أن تصويب المعاون السياسي لبرّي الوزير علي حسن خليل على موقف عون من “عدم شرعية” مجلس النواب هو من باب “الزكزكة” الرئاسية.
ووفق مصادر متابعة، فإن التصويب الدائم على عون من فريق بري، وتمايز الأخير عن “حزب الله” في مسألة ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، يدلان على أن الاستحقاق لا يزال أسير خلط الأوراق الذي حصل من جراء إعادة تموضع قطبين من 14 آذار في اتجاه 8 آذار، وتحديداً الحريري أولاً في اتجاه فرنجية، ثم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في اتجاه عون.
تعرف مصادر متابعة من فريق 8 آذار أن بري، عند الساعة الصفر، يؤكد أنه لن يفترق عن “حزب الله” لأن في هذا الافتراق أثماناً على البيت الشيعي الواحد وعليه دفعها. وهذا ما يفسّر أنه، أي بري بذاته، نادى بالنصاب السياسي وليس بالنصاب العددي، ولا يؤمّن حضور كتلته في مجلس النواب إلا بعد تأكده أن لا نصاب. حتى ان حلفاءه من النواب البعثيين أو القوميين يعرفون جيداً أنه يمسك بزمام النصاب ولن يؤمّنه ضد “حزب الله” وعون. إلا أن ما يزعج بري هو التشكيك الدائم في شرعية مجلس النواب، الأمر الذي ينسحب على شرعيته أيضاً رئيسا للمجلس، وتمسك “حزب الله” الاستراتيجي بدعم ترشيح عون بما يجعله لاعباً أساسياً في الاستحقاق الرئاسي، بالتواصل مع دوره الإقليمي المتعاظم، ولا سيما في سوريا. ويزعجه أيضاً اتفاق عون – جعجع.
إلا أن الأخطر أن بري لم يلتفت بعد الى ميثاقية الانتخاب، ذلك أن طرح الرابية لا يمكن الاستدارة حوله أو الالتفاف عليه، إذ يعرف بري أن الـ”لا” للحيثية المسيحية الأوزن في المكون المسيحي هي لا مكلفة على جميع الصعد. ووفق مفهوم الرابية أن هناك أمراً واقعاً يجب أن يتعامل معه الجميع كي يأتي الاستحقاق سليماً ومن دون عواقب على النظام والكيان: الميثاق أولاً وأخيراً. فمن يمسّ بالحيثية المسيحية يهتزّ الكرسي من تحته في طائفته، لأن هذه هي صيغة لبنان الفريدة. ومن يعرف بري يعرف أنه لا يحب الزوايا التي لا يمكن تدويرها، وهذه الزاوية بالذات هي زاوية ميثاقية غير قابلة للتدوير. فهل ينقذ الاستحقاق بالتمسك بالميثاق، وبالتالي ينقذ الصيغة والمواقع الدستورية المعقودة اللواء للأقوى تمثيلاً في المكونات التي تتبع لها هذه المواقع؟
إذا كان التواصل غير مقطوع بين الرابية وعين التينة، فمن المهمّ قراءة أبعاد زيارة وفد “حزب الله” لبري في عين التينة أمس بدراية وتأنٍ وهدوء، والتي أتت تحت عنوان شبكة الإنترنت غير الشرعية أو حوار “المستقبل” – “حزب الله”، لكنها تجاوزت ذلك الى مقاربة ما يجري على الساحة اللبنانية من مجمل التطورات السياسية والأمنية.