كتب نبيل هيثم في صحيفة “السفير”:
من ضمن التفسيرات التي اعطيت للقرار الروسي بسحب القوات جزئيا من سوريا، ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكما فاجأ العالم بالدخول الى سوريا، فاجأ العالم بالخروج منها.
يتفق أحد كبار الديبلوماسيين الروس مع الكلام المتصل بمفاجأة العالم من الدخول، الا انه لا يتفق مع توصيف الخروج، وحياله يسجل الآتي:
“اولا، القرار الروسي بالسحب الجزئي للقوات، ليس احادي الجانب، بل هو منسق مع كل الحلفاء في المعركة على الارهاب في سوريا، من دون استثناء احد منهم.
ثانيا، ليس خافيا على أحد أن موسكو ومنذ اطلاق العملية العسكرية في نهاية ايلول الماضي، اعلنت ان الافق الزمني لهذه العملية ليس مفتوحا، بل هو عملية محدودة، هدفها تنفيذ مهمة معينة، وخلال فترة زمنية محددة.
ثالثا، هدف العملية، هو السعي الى تسوية سياسية في سوريا تقوم على قواسم مشتركة تؤكد على وجوب ان تكون سوريا في المستقبل دولة علمانية ديموقراطية واحدة تضمن فيها الحقوق لجميع المكونات السورية دون تمييز.
رابعا، خلافا لبعض التفسيرات المبالغ فيها، فإن موسكو لم تقل ان العمليات العسكرية في مكافحة الارهاب ستتوقف بل هي مستمرة، بدليل الطلعات الجوية المكثفة التي نفذها السلاح الروسي الجوي والصاروخي في جبهة تدمر، والتي قد تنفذ في أية جبهات اخرى.
خامسا، خلافا للمقاربات السلبية للقرار الروسي، والتي تخوفت من انه قد يُستغَل من جهات ارهابية للسعي الى انهيار الهدنة، فهذا القرار صلب، والهدنة القائمة لن تتأثر، بل هي مستمرة حتى التوصل الى تسوية سياسية باستثناء مناطق “داعش” و”النصرة” وسائر المجموعات الارهابية المباح ضربها”.
وبحسب ما يُستنتَج من الديبلوماسي الروسي المذكور، فإن احتمالات بلوغ التسوية اكبر من اي وقت مضى، خصوصا ان القطبين الاميركي والروسي يسيران في المنطقة على هدى تفاهمات وتنسيق وتقاسم مصالح. فالروس مستعجلون لتسوية ترسخ الوقائع السياسية والميدانية التي فرضتها “عاصفة السوخوي”، وادارة باراك أوباما تريد تسوية سياسية سورية تقدم للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون كإنجاز اضافي الى جانب إنجازَي اعادة العلاقات مع كوبا والاتفاق النووي مع ايران.
يبين ذلك، بحسب الديبلوماسي نفسه، وجود حماسة روسية ـ اميركية في بلوغ هذه التسوية من الآن وحتى تموز المقبل على ابعد تقدير، أي قبيل الاستغراق الاميركي في الانتخابات الرئاسية، خصوصا أن أي تأخير يعني انتظار الادارة الأميركية الجديدة وإعداد ملفاتها وتحديد اولوياتها، وهذا يعني ان عمر الازمة السورية سيتمدد اكثر وستبقى في أتون النار لأكثر من سنة.
هنا يبرز السؤال التالي: هل ستسقط مفاعيل القرار الروسي بالانسحاب التدريجي على لبنان؟
بصرف النظر عن ايجابيات القرار الروسي او سلبياته، وبرغم ان التأثر اللبناني بما يجري في سوريا هو تأثر تلقائي وطبيعي، “من المبكر الحديث عن انعكاسات مباشرة على لبنان، وبالتالي يجب ان ننتظر لنرى النتائج ومن ثم يبنى على الشيء مقتضاه”. الكلام هنا للرئيس نبيه بري الذي يقارب القرار الروسي ايجابا ويقول: “لا موجب لمقاربة سلبية للقرار واستعجال الحكم عليه، فالمشهد الآن يشي بمحاولة جدية لتقديم السياسة على حساب العسكر والميدان. مقاربة تترجم العنوان الذي سبق وتحدد مع بداية التدخل الروسي اي الحل السياسي الذي نادى به كل شركاء روسيا في الحرب على الارهاب في سوريا. والرئيس الروسي وإن بدا من خلال القرار الأخير، لاعب “جيدو” محترفا وقلب الميمنة على الميسرة، لم يقل في هذا القرار شيئا جديدا او مفاجئا، بل هو يحاول من خلال قراره الدفع نحو الحل السياسي على قاعدة الصدمة، للتعجيل فيه، وقد ينجح”.
كلام بري يتقاطع مع يقين الديبلوماسية الروسية بأن ايجابيات القرار الروسي والتسوية السورية ستنعكس حتما على لبنان، بمزيد من تحسين الاوضاع فيه وعلى نحو اكثر امنا وامانا.
لكن تلك الايجابيات مؤجلة على ما يقول مرجع سياسي، فالتطور الروسي ادخل لبنان مجددا في غرفة الانتظار، واخذت الملفات اللبنانية وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية عطلة اضافية مفتوحة، ريثما تتبلور صورة التسوية السورية، وعلى اساس تلك الصورة يُقارَب الملف الرئاسي ويُحسم.