مجدداً، دبّ الخلاف بين وزارتي الصحة والاقتصاد: الأولى أعلنت وجود مواد مسرطنة في بعض شحنات القمح التي دخلت إلى الأسواق، فيما نفت الثانية الأمر مثلما حصل في ذروة حملة سلامة الغذاء. المادة المسرطنة التي أعلنت وزارة الصحة وجودها بنسب مرتفعة تتجاوز الحدّ المسموح به بأكثر من خمسة أضعاف، يمكن أن تؤدي جدّياً إلى سرطان الكبد والدماغ
إيفا الشوفي
لا تُعَدّ النتائج التي أصدرتها وزارة الصحة أول من أمس عن فساد القمح الذي نستهلكه “صادمة”. دخلت شحنة قمح تحتوي على مادة “الاوكراتوكسين أ” المسرطنة إلى السوق، كما أعلن وزير الصحة وائل أبو فاعور – قد لا تكون الشحنة الأولى – ولهذا الأمر تبعات خطيرة، إذ يؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو، أنّ “الاوكراتوكسين أ هو مادة مسرطنة، في حال استهلاكها بشكل مستمر وعلى فترة طويلة تؤدي إلى أمراض سرطانية خاصة على مستوى الكبد والدماغ.
تُعَدّ هذه المادة من الفطريات السامة وتعتبر نسبة سمّيتها عالية، لذلك حددت منظمة الصحة العالمية نسبة استهلاكها بحيث لا تشكل خطورة على الجسم”. يضيف برو أنّ “هذه الفطريات موجودة في جميع الحبوب، وتصيب العديد منها، لكن يجب التأكد من ألّا تتجاوز نسبتها النسبة المسموح فيها عالمياً، لكون القمح يستهلك بشكل كبير بين الناس”. النسبة المسموح بها عالمياً “يجب أن تكون أقل من 5 ميكروغرام في الكيلوغرام الواحد، فيما تعدت نسبتها في عيّنات القمح غير المطابقة الـ 26 ميكروغرام في الكيلوغرام الواحد”، وفق وزارة الصحة. تؤكد المنسقة العامة لحملة سلامة الغذاء جويس حداد، لـ “الأخبار” أن العينات التي تحدّث عنها وزير الصحة “تحتوي على “الاوكراتوكسين أ” الذي أثبتت الدراسات أنه مقاوم للحرارة، أي لا يتفكك في الفرن على حرارة مرتفعة، ما يعني أنه لا يموت خلال عملية إعداد الخبز. كذلك إن تعريض هذه الفطريات لحرارة 240 درجة مئوية لمدة 25 دقيقة يخفف من فعاليتها بنسبة 25% فقط”.
طُرحت مسألة القمح في جلسة مجلس الوزراء أمس، فأعلن حكيم، وفق مصادر وزارية، أنه فحص القمح وتبين أنه سليم، والأمر ليس من مسؤوليته، بل من مسؤولية وزارة الزراعة، فأجابه أبو فاعور بأن نتائج فريق وزارة الصحة بيّنت وجود شحنة سليمة وأخرى فاسدة، وبالتالي ربما كان حكيم قد فحص الشحنة الجيدة. لم يستغرق الأمر نقاشاً طويلاً، مسرطن أو غير مسرطن، إذ للحكومة أشغالها الأهم مثل تقاسم الصفقات، لذلك اتُّفق على عقد اجتماع الاثنين المقبل في وزارة الزراعة بمشاركة وزيري الصحة والاقتصاد لوضع آلية لمعالجة الأمر مثل إدراج فحص مادة الأوكراتوكسين ضمن مواصفات الحبوب التي تضعها مؤسسة المواصفات والمقاييس “ليبنور”، ومنع إدخال أي شحنة حبوب من دون فحصها. أما الشحنة المسرطنة التي دخلت، فقد انضمت إلى شحنات كثيرة أخرى من القمح والسكر الفاسد اللذين أحالهما أبو فاعور سابقاً إلى القضاء، وعلى الأرجح جرت “لفلفتهما” وفق مصادر مقربة من الوزير.
وجود مواد مسرطنة في القمح هو نتيجة منطقية لوضع الأهراءات التي شبهها أبو فاعور بـ “المزبلة” خلال الجولة التي قام بها السنة الماضية في مرفأ بيروت مع وزيري الزراعة والاقتصاد. “مزبلة” الأهراءات، التي يُفرّغ فيها كافة مخزون القمح الداخل إلى البلد، تعجّ بجرذان حيّة وميتة ومئات الطيور من حمام ويمام تسرح كما يحلو لها في الداخل. آنذاك، رأى وزير الاقتصاد آلان حكيم ما يقوم به أبو فاعور وشهيب “مهرجاناً”، فبقي في مكاتب المرفأ وترك الوزيرين يجولان مع الإعلام. خلال اليومين الماضيين، عاد الخلاف مجدداً بين أبو فاعور وحكيم: الأول يعلن نتائج مقلقة عن وجود نسب مرتفعة جداً من الفطريات المسرطنة في عينات القمح المأخوذة من الأهراءات، ما يهدّد جدياً صحة المواطنين. والثاني يطلب من وزارته القيام بفحص آخر ليعلن في اليوم التالي أن لا وجود لمواد مسرطنة في القمح. تردّ وزارة الصحة ببيان تفصيلي عن العينات التي أُخذت، متمنيةً “على وزارة الاقتصاد بدل إنكار الأمر أن تبحث عن آلية لتتبع القمح في الأسواق، إذا كان ذلك ممكناً، وأن تعمل على منع إدخال شحنات قمح جديدة قبل إخضاعها للفحوص”. بهذا الصدد، يعلق برو قائلاً إنّ “ما يجري اليوم بين الوزارات يشير إلى ضرورة تشكيل الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء وإصدار المراسيم التنظيمية لقانون سلامة الغذاء من أجل طمأنة اللبنانيين إلى صحة غذائهم”.
الى ذلك، أعلنت وزارة الزراعة أن مهمتها في ما يتعلق بفحص القمح المستورد تنحصر في إجراء التحاليل المخبرية اللازمة على عينات من القمح عند وصول الباخرة الى المرفأ، وهي تقوم بإجراء الفحوصات على الأفلاتوكسين والأوكراتوكسين، ولا تسمح بإدخال أي كمية إلا إذا كانت مطابقة للمواصفات. أما الأهراءات وسلامة التخزين فهي تقع على عاتق وزارة الاقتصاد. وفرق وزارة الزراعة مستمرة في عملها وهي لم تتهاون ولن تتهاون في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين سلامة كل المواد الغذائية الواقعة تحت صلاحيتها، والتي تدخل الى البلاد عن طريق المرافئ والمطار والمعابر الحدودية البرية.