لم تنجح حملة «لا للمرأب» في اخفاء الحقيقة، بل أعطت جرعة دعم كبيرة للمجلس البلدي. فهذه الحملة كشفت المستور، وبددت الحجج الواهية التي استندت اليها معارضة مشروع انشاء المرأب وتأهيل التل، خصوصاً في تصويب سهامها تجاه «الحريرية الانمائية». فقرار انشاء المرأب وتأهيل منطقة التل، ليس وليد الظرفية السياسية او ليس وليد المجلس البلدي الحالي، إنما يعود الى سبعينات القرن الماضي. وهو ما يثير التساؤلات عمّن حرَّض وخطط لتعطيل المشروع الانمائي «سياسياً» وبغير وجهِ حق، وربط مشروع تأهيل المنطقة ومرأبها بمسألة الفقر الذي تشكو منه العاصمة الثانية.
ان التغطية السياسية والمالية لتحرك المعارضة، وتأسيس مطبخ إعلامي مواكب للتعطيل، تنذر بتكرار سيناريو حقبة الوصاية السورية، والتي استهدفت انذاك المشاريع الانمائية التي أراد الرئيس الشهيد رفيق الحريري ادخالها الى الشمال وتحديداً الى طرابلس. علماً ان القرار الذي اتخذه المجلس في جلسته الأخيرة، والقاضي بالتريث في موضوع تأهيل المنطقة ومرأبها، لا يمكن تفسيره أبداً أنه تحت ضغط «المعطلين»، إنما يأتي رغبة في تبديد كل الهواجس، ووقف عملية «ذر الرماد في العيون» وتفكيك كل الذرائع لمآرب انتخابية وسياسية. فالمشروع الذي اتخذته البلدية سيفضي الى العمل بمسارات عدة قبل البدء بنقطة المرأب، خصوصاً وأنه سيكون واحداً من مشاريع عدة تشكل رافعة اقتصادية وسياحية لمدينة طرابلس.
ما الجديد؟
تكشف آخر جلسة عقدها المجلس البلدي برئاسة عامر الطيب الرافعي، أنَّ كثيرين ممن يعارضون اليوم المشروع، هم في الحقيقة من الموقعين على قرارات انشائه في السبعينات، وأنهم من انتماءات سياسية عدة. وكشفت مصادر متابعة أن ما تطلبه المعارضة «المعطِّلة» اليوم من الغاء بعض الاقتراحات في المشروع، كان بالأمس مطلبها. وهي تتذرع اليوم بتسمية مشروع المرأب بانه عبارة «كاراج» رغم ان له اهدافاً تنموية واقتصادية مهمة.
ولابد من العودة الى سياق فكرة انشاء المرأب:
– في 23/1/1975، اتخذ المجلس البلدي برئاسة القائم بأعماله محمد مسقاوي، قراراً رقمه 6، ينصُّ على التعاقد مع مكتب دروس، لاجراء دراسات تنظيمية عامة، لمنطقة ساحة الحديقة العامة وساحة الكورة وساحة جمال عبد الناصر والساحات الكائنة أمام القصر البلدي، لانشاء «المرأب الذي قد يلزم بناؤه في ساحة جمال عبد الناصر»، وتم عقد اتفاق بالتراضي لهذه الغاية.
– في 3/5/1984، اتخذ المجلس البلدي برئاسة عشير الداية، قراراً رقمه 74، وينصُّ على فتح اعتماد بـ30 ألف ليرة، لاجراء دراسة إحداث مرأب بلدي وممرات في ساحة جمال عبد الناصر.
– في 25/10/1995، اتخذ المجلس البلدي برئاسة العميد سامي منقارة، قراراً رقمه 196، ويتعلق بقبول هبة تتعلق بالدراسة الأولية لمشروع يقام في ساحة التل، والموافقة على تخصيص الساحة الكائنة فيها لانشاء مشروع بلدي لائق عليها، يتكون من اقامة مرأب تحت الأرض، يستوعب كافة المواقف الكائنة في هذه المنطقة، ولاحقاً صدر القرار رقم 218، الذي يطلب من مجلس الانماء والاعمار تنفيذ مشروع المرأب بناء لطلب البلدية.
– في 16/5/2002،أصدر المجلس البلدي برئاسة العميد سمير شعراني، قراراً رقمه 204، وينص على الموافقة على احالة مشروع مرأب عام للسيارات في ساحة التل، ويستند في حيثياته على القرار 102/2002، لانشاء مراب عام للسيارات في ساحة عبد الناصر، ويلاحظ موافقة المهندس جلال عبس على القرار المذكور أعلاه، علماً أنه من أبرز المعارضين الحاليين.
– في 24/8/2006، اتخذ المجلس البلدي برئاسة المهندس رشيد جمالي، قراراً رقمه 295، بالموافقة المبدئية على انشاء طابق سفلي، لاستعماله كمرأب عام لليسارات العمومية على كامل المساحة البالغة 4170 متراً مربعاً لساحة عبد الناصر العقارية، اضافة الى حديقة عامة على سطحه بهدف نقل كل المواقف القائمة في شارع النل ومحيط الوسط المديني الى هذا الموقف، وعلى أن تقوم البلدية بتنفيذ المشروع في موازنتها واستثماره وفق آلية يضعها المجلس البلدي، وفي هذا القرار سجل اعتراض للمهندس جلال عبس، فيما لم يعترض المهندس خالد تدمري أبرز المعارضين الحاليين للمرأب ومشروع تأهيل منطقة التل ومحيطها.
– في 27/2/2015 اتخذ المجلس البلدي برئاسة الدكتور نادر غزال، قراراً رقمه 40، يتعلق بالموافقة على انشاء مواقف سيارات تحت ساحة التل ومحيطها في مدينة طرابلس. وينص أيضاً على التأكيد على أهمية الاسراع بتنفيذ محطتي التسفير الشمالية والجنوبية وعلى مداخل المدينة ووضع مخطط توجيهي عام، والموافقة على اسقاط العقارين 236 و237 ومساحتهما نحو 24 متراً.
– قبل التاريخ السابق، وفي 14/7/2014 تحديدا، وجه مجلس الانماء والاعمار، كتاباً الى غزال، يعلمه فيه «بشأن تكليف استشاري للقيام مهام إعداد الدراسة وملف التلزيم، العائد لمشروع انشاء مواقف سيارات للعموم تحت ساحة التل ومحيطها في مدينة طرابلس«. إلا ان غزال لم يبلغ المجلس البلدي بهذا الأمر إلا في 27 شباط 2015، أي بعد نحو 7 أشهر.
ويلاحظ من خلال هذا التدرج، ان مسألة المرأب، ليست وليدة المجلس البلدي الحالي بل تعود الى العام 1975. بل والأدهى أن المسألة كانت تتضمن مرأباً للسيارات العمومية تحت الارض.
وماذا بعد قرار المجلس بالتريث في البدء باعمال تنفيذ المشروع؟ علمت «المستقبل» ان المجلس البلدي اقترح في جلسته الاخيرة، خطة لتنفيذ اعمال مشروع التل الانمائي التطويري.
وقد جاء في مقدمة هذه الخطة التي حصلت عليها «المستقبل» الاتي:
«بعد استلام المخطط الاولي لمشروع التل الانمائي التطويري، فان المشروع بشقيه التنظيمي والتطويري للمنطقة، بالاضافة للمرآب ومحطتي التسفير الجنوبية والشمالية هو مشروع واحد. يقسم العمل بهذا المشروع الى 4 مراحل بالتنسيق بين البلدية ومجلس الانماء والاعمار:
– يبدأ العمل فوراً من قبل مجلس الإنماء والإعمار بتنفيذ البنى التحتية في شارع التل، بالتنسيق مع الاستشاري المكلف من البلدية وبشكل لا يتعارض مع تنفيذ المشروع ككل.
-التريث في تنفيذ أعمال المرأب الى حين انتهاء المرحلة الأولى من أعمال الدراسة التفصيلية والمتعلقة بالواجهات، ليتسنى للبلدية إجراء التلزيمات للواجهات وتنفيذ أشغالها بالتزامن مع بداية تنفيذ أعمال المرأب، وذلك تأكيداً لقرارات سابقة بهذا الخصوص.
– يتم إعداد وتجهيز مراكز التسفير على مداخل المدينة الشمالية والجنوبية، ويبدأ العمل بها فوراً وفقاً للآلية والأصول القانونية المتبعة.
– تأهيل الطرقات والبنى الفوقية بشكل متلازم مع تنفيذ سطح المرأب (ساحة عبد الناصر)، وذلك وفقاً للمخطط الأولي الإنمائي التطويري لمنطقة التل، والموافق عليه من قبل المجلس البلدي.
– وضع خطة سير متكاملة من ساحة عبد الحميد كرامي حتى الملولة«.
وكما نصت الخطة، فانه تم الطلب الى استشاري البلدية العمل على وضع مسودة لنظام التشغيل والصيانة في العقد معه، لاعداد نظام خاص لادارة المشروع وفقاً لقانون البلديات المعتمد.
وحفاظا على صدقية المجلس البلدي وحرصه على انجاح المشروع، فان الخطة نصت على تعيين بعض الشخصيات الاقتصادية والاجتماعية المنتخبة واصحاب الاختصاص بهدف انشاء مجلس ادارة امناء هدفه متابعة اعداد دراسة وتنفيذ ما يعرف اليوم بمخطط التل لتطويري الانمائي، بما فيه المرآب. اما مهمة مجلس ادارة الامناء فحددت بالاتي: متابعة اعداد الدراسات التفصيلية المتعلقة بالمشروع، متابعة حسن تنفيذ المشاريع الهندسية ضمن نطاق منطقة التل، المساعدة في اقتراحات لتمويل المشروع الكامل عبر شبكة العلاقات التي يتمتعون بها، متابعة اعداد برنامج التشغيل والصيانة بالاضافة الى القوانين الخاصة بالمنطقة بما فيها مراقبة الالتزام بالانظمة وذلك عبر انشاء وحدة خاصة لادارة شؤون التل، تابعة للبلدية ويعين موظفوها من قبل مجلس الامناء المقترح.
اما الاعضاء المقترحون في المجلس فهم: رئيس بلدية طرابلس، عضوان من البلدية، رئيسا غرفة التجارة والصناعة، جمعية التجار، ممثل عن تجار منطقة التل، نقباء المهن الحرة، ممثل عن جمعية المصارف او اقتصادي بارز، ممثل عن مالكي العقارات. كما هناك اقتراح بان يكون هذا المجلس من قبل بلدية طرابلس وبمصادقة من وزير الداخلية لاعطائه قوة معنوية وادارية للمحافظة على حسن تنفيذ وادارة شؤون منطقة التل، على ان تكون قراراته استشارية قبل اعطاء التراخيص الفنية او الادارية من دون ان تتعارض مع القوانين المرعية الاجراء.
بعد كل ما تم عرضه، هل يجوز اليوم ذر الرماد في العيون والاستثمار في التعطيل بدلاً من الاستثمار في الحوار ووضع اليد باليد، والرقابة كما يقترح المجلس البلدي؟