IMLebanon

لماذا تريّث الجميع هذه المرة أمام الانسحاب الروسي؟

 

russian-army2

 

 

كتبت صحيفة “النهار”:

على غرار ما حصل لدى بداية التدخل الروسي العسكري في سوريا قبل اقل من ستة اشهر باثارة موجة واسعة ومحمومة من التقديرات اللبنانية الشديدة التنافر والتناقض حيال تداعيات التدخل على الازمة الرئاسية ومجمل الواقع اللبناني بدت القوى الداخلية امام تطور مماثل ولكن بالمعكوس هذه المرة مع الانسحاب الروسي الذي فاجأ الجميع. غير ان علامة تمايز برزت هذه المرة في تعامل معظم القوى السياسية مع الانسحاب الروسي ترجمت ولا تزال تترجم في شح الاندفاع الفوري الى اطلاق تقديرات متسرعة غلبت على مواقف القوى السياسية من الانسحاب. وهو امر يكتسب في رأي اوساط سياسية بارزة دلالات مهمة يقتضي التوقف عندها نظرا الى مجموعة عوامل طرأت على المشهد اللبناني في الاشهر الفاصلة بين بداية التدخل الروسي وبداية انسحاب الاسطول الجوي الروسي قبل ايام. تقول هذه الاوساط ان ابرز هذه العوامل يتمثل اولا في الابهام والغموض اللذين لا يزالان يطبعان طبيعة التطور الروسي وما اذا كان يخفي وراءه بعد تطورات غير محسوبة ولو ضجت تقارير الخبراء والمحللين بالخلفيات المحتملة للانسحاب. اذ ان ما يعني لبنان من الانسحاب بالدرجة الاولى هو معرفة الأثر الذي سيتركه على مسار الحرب او الدفع نحو التسوية من خلال المفاوضات الجارية في جنيف – 3 وفي كلا الاتجاهين سيكون على لبنان توقع نوع مختلف من التداعيات عليه وعلى أزمته. واذ يبدو واضحا انه من الصعوبة بمكان التكهن والتسرع حول الاتجاهات التي ستسلكها الازمة السورية فان لا مصلحة لاي فريق لبناني راهنا على الأقل بكشف أوراقه أو رهاناته خصوصا ان ما كان يصح من تقديرات لدى بداية التدخل الروسي لم يعد ينطبق على ما بعد الانسحاب وآثاره المحتملة على لبنان.

ثم أن الاوساط تلفت الى ان القوى السياسية اللبنانية تبدو متساوية امام نوعين من الارباكات حيال اي تطور اقليمي يتصل برسم المشهد السوري ويمكن ان ينعكس على لبنان. الاول هو الارباك الناشئ عن تمادي الفراغ الرئاسي الذي أفرغ قدرة الجميع على بناء تقديرات واستراتيجيات واضحة في شأن مآل هذه الازمة التي طغى عليها بقوة عامل الارتباط بالصراعات الاقليمية وفشلت معها كل عوامل لبننة الحل الرئاسي كما بات معروفا. والثاني تطور الصراع ولو في شكل ضمني وبالواسطة على الساحة الداخلية في الشهرين الأخيرين في ظل الاندفاع الخليجي نحو محاصرة النفوذ الايراني في لبنان من خلال الاجراءات المتشددة التي تتخذ تصاعديا في حق “حزب الله” بعد توقيف الهبتين السعوديتين للجيش اللبناني وهو تطور ترك تداعيات قوية وغير مسبوقة على المشهد الداخلي بمختلف اتجاهاته.

وفي ظل ذلك تضيف الاوساط ان التساؤلات التي تعم القوى الداخلية راهنا لا تجد أجوبة فورية وتملي التريث وعدم السقوط في الحسابات السيئة او المتسرعة ومن بينها اولا هل يؤدي الانسحاب الروسي بتداعياته السياسية والعسكرية على القوى المتورطة في الحرب السورية ومن بينها “حزب الله” الى تبديلات جذرية في الواقع اللبناني قريبا ؟

تقول الاوساط في هذا السياق ان مجمل المعطيات الماثلة حتى الآن تستبعد هذا النوع من التداعيات لمجموعة اسباب من ابرزها ان الحزب لا يبدو في وارد الانسحاب من سوريا اقله بالمستوى والحجم اللذين سادت بعض التوقعات حيالهما في الايام الاولى بعد بداية الانسحاب الروسي. وهذا يعني في أقل التقديرات ان الستاتيكو القائم منذ بداية تورط “حزب الله” في سوريا ليس مرشحا للتبديل في المدى القريب. اما على الصعيد السياسي فان أحدا لا يملك الجزم بان الازمة الرئاسية التي استعصت طويلا وعكست اهمالا من القوى الدولية للاولويات اللبنانية باستثناء حماية الاستقرار الامني في لبنان ستكون امام تغيير قريب ايضا تحت وطأة اي تطور يتصل بالازمة السورية خصوصا متى كان هذا التطور متسما بالغموض الواسع كالانسحاب الروسي. وكل ما أثير سابقا عن تأثير روسي في مسار الازمة الرئاسية اللبنانية ثبت انه كان من بنات افكار ورهانات داخلية ولن يتبدل الحال الآن مع الانسحاب. ولذا ترجح الاوساط ان تمضي الازمة الرئاسية نحو فصول اضافية من الجمود والتمديد للفراغ الى ان تتضح على الاقل طبيعة الحركة الدولية في شأن الازمة السورية علما ان ثمة الكثير مما يخيف قوى لبنانية عدة في هذه الحركة ولعل افضل من يعبر عن هذه المخاوف ويشتم رائحتها هو رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط في تسليطه الاضواء على الخرائط الجديدة في المنطقة.