كتب رامح حمية في صحيفة “الأخبار”:
بعيداً عما إذا كانت الإنتخابات البلدية ستحصل في موعدها أم لا، بدأت بلدة عرسال المترامية عند سفوح السلسلة الشرقية حراكها استعدادا لخوض معركتها. باتت الإنتخابات حديث كل لقاء يجمع بين أبنائها، ليس للتداول فقط في التحالفات وطريقة “التخلص” من البلدية الحالية وإدارتها الفاشلة أمنيا وإنمائياً، بل أيضا لمعرفة كيفية سير العملية الإنتخابية في بلدة يصول ويجول فيها المسلحون من تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة ــــ فرع القاعدة في بلاد الشام” وبعض “الزعران” من أبنائها، خطفا وقتلا وتنكيلا بأبنائها وأبناء المؤسسة العسكرية.
من وجهة نظر غالبية أبناء عرسال، الخوف الذي يقض مضاجعهم مع عتمة كل ليل يعود إلى “تخلي الدولة” عنهم وتركهم “على نحو مريب” لمصيرهم، في ظل نزوح فاق عدد سكان البلدة بأربعة أضعاف، واحتلال المسلحين للبلدة وجرودها، “وإدارة سيئة” من السلطة المحلية وضرب مجتمعها واقتصادها وبيئتها، فيما لا يمكنهم رفع الصوت والإعتراض، فالمصير المحتوم معروف لدى الجميع بحسب ما يشرح ابن البلدة محمد الفليطي لـ”الأخبار”، “إما بإدراج اسم كل معترض على لائحة التصفيات والإعدام، بمساندة من بعض ابناء البلدة الزعران الذين ثبت ضلوعهم في أكثر من جريمة ارتكبت في البلدة، وإما أن يفرض عليه مغادرة البلدة إلى غير رجعة، كما حصل مع عائلات كثيرة”.
لا يخفي الفليطي أن صندوق الإقتراع في الإنتخابات البلدية والإختيارية بمثابة الطريقة “الصامتة” للتعبير عن “النقمة” الحاصلة في عرسال والطريقة الأنسب “للتخلص من البلدية الحالية وإدارتها التي تناسب المسلحين ولا تخرج عن رأيهم، والتي ألحقت بعرسال وأهلها الضرر بأمنهم واقتصادهم وحياتهم اليومية، في ظل غياب كامل لهدفها الأساسي لجهة الإنماء والخدمات”.
المجلس البلدي في عرسال يتألف من 21 عضوا، فيما يبلغ عدد مخاتير البلدة 12. ويبلغ عدد الناخبين في عرسال 15480 ناخباً، بحسب القوائم الإنتخابية التي صدرت أخيراً عن وزارة الداخلية. المجلس البلدي الحالي استقال منه ستة أعضاء نهاية عام 2013، بسبب “هيمنة” رئيس البلدية علي الحجيري (أبو عجينة) على البلدية وقراراتها، وما آلت إليه الأمور الأمنية في البلدة، كما يشرح لـ”الأخبار” محمد الصميلي، أحد الناشطين في المجتمع المدني في بلدة عرسال. أطراف الحياة السياسية في عرسال تبدأ مع تيار المستقبل والجماعة الإسلامية وأحزاب الشيوعي والبعث والناصري وعدد من الحزبيين المستقلين، فضلا عن العائلات.
العراسلة، بحسب الصميلي، يدركون جيداً أن المجلس البلدي “المدعوم من تيار المستقبل”، اقترف خطأ كبيراً في عدم إدارة وتنظيم ملف النازحين السوريين، أسوة بالبلديات البقاعية. يستغرب الرجل فتح باب النزوح على مصراعيه “على نحو مريب برز فيه الإستثمار السياسي”، حتى تحولت عرسال من “بيئة حاضنة إلى بيئة ناقمة، في ظل فلتان أمني غير مسبوق وعدد نازحين يفوق عدد العراسلة بأربعة أضعاف”، متسائلاً: “كيف لابن طفيل وهو القريب على برالياس، أن ينزح إلى عرسال البعيدة؟ وكيف لابن الرقة والقصير أن ينزح إلى عرسال؟”.
لكن هذه “النقمة” لا تُخفي وجود تأييد يحظى به رئيس البلدية الحالي، علي الحجيري، لحسابات عديدة، منها طريقته في إدارة الأمور، والانتماءات السياسية، فضلاً عن الحسابات العائلية.
حراك الإنتخابات البلدية والإختيارية في عرسال بدأته سائر الأطياف السياسية والعائلية، إلا أن السؤال المطروح: كيف لأهالي البلدة ممارسة حق الاقتراع للبلدة وسيف المسلحين مصلت على العراسلة والأجهزة الأمنية، فيما لا يزال تنظيم “داعش” يختطف جنوداً من الجيش اللبناني ويواصل هجماته لخطف آخرين، وفي وقت لم تتمكن فيه قوى الأمن الداخلي من إقامة مأتم رسمي للمؤهل زاهر عزالدين الا في بلدة اللبوة المجاورة؟
ولأن إجراء الإنتخابات البلدية داخل البلدة في مثل هذه الظروف “صعب وشبه مستحيل”، بحسب أكثر من مصدر، يجري تداول فكرة تقضي بإجراء الإنتخابات في محلة “رأس السرج”، في “المنطقة الخضراء”، حيث للجيش اللبناني انتشار كثيف. وقد أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن هذه الفكرة ستُطبّق، إذ ستجرى الانتخابات البلدية في عرسال بحماية الجيش في المنطقة التي له فيها مواقع.
بكر الحجيري، منسق تيار المستقبل، أكد لـ”الأخبار” أن “الوضع الإستثنائي” الذي تعيشه عرسال حالياً لا يسمح بإجراء الإنتخابات داخلها، لكن ذلك “لن يمنع البلدة من خوض الإنتخابات البلدية والإختيارية، مع حرصنا على عدم تعرض أي عسكري لأي مخاطر”، لافتاً الى التنسيق مع المسؤولين الأمنيين لإعتماد محلة “رأس السرج” مكاناً لأقلام الإقتراع.
مسؤول الجماعة الإسلامية في البلدة علي حسن الحجيري أكد أن المجموعات المسلحة في عرسال “صغيرة وضعيفة ومتمركزة في أماكن معينة، ولم يعد بمقدورها تنفيذ عمليات امنية كبيرة على نسق أحداث آب 2014، إنما من الممكن تنفيذ إغتيال أو التعرض للبعض”، مشدداً على أن كل ذلك “لا يمنع إجراء الإنتخابات داخل البلدة إذا ما توافر القرار السياسي بذلك، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية يمكنها القضاء على المجموعات الإرهابية متى شاءت، وثبت ذلك في العمليات التي نفذت داخل بلدة عرسال”.
ولكن، حتى لو اعتمدت مراكز الإقتراع في محلة “رأس السرج”، لا يخفي العراسلة والمسؤولون الأمنيون قلقهم من حصول بعض العرقلات من المجموعات المسلحة، الأمر الذي يستوجب استنفاراً أمنياً واسعا واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المقترعين وعدم عرقلة عملية الاقتراع وحماية عناصر الأجهزة الأمنية. وبمعنى أدق، فإن عرسال تحتاج إلى عملية أمنية كبيرة لتنفيذ الإنتخابات فيها.