عزة الحاج حسن
بخلاف ما يشاع عن أن القطاع العقاري ما زال صامداً في وجه الأزمات السياسية والإقتصادية، وبعكس ما يحلو للمعنيين بالشأن العقاري القول إن القطاع “قاطرة” الإقتصاد اللبناني، فإن قطاع العقارات في لبنان شأنه شأن القطاعات الإنتاجية والخدماتية كافة، “داست” عليه الأزمات المحلية والإقليمية، فجمّدت حركته وأضعفت نشاطه، حتى أنها أدخلته في دوامة الركود بإنتظار إحداث فجوة في حائط الأزمات قد تعيد نهضة الإستثمارات العقارية من جديد.
لا شك بأن القطاع العقاري يُعد المحرّك الأساسي للإقتصاد اللبناني الى جانب القطاع السياحي، وهو يمثّل نحو 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن عوامل كثيرة اجتمعت فولّدت جموداً في النشاط العقاري منذ نحو 5 سنوات وحتى اليوم، فلا يمكن الحديث عن أزمات سياسية محلية أو عن فراغ في المؤسسات الدستورية، دون الحديث عن تراجع مستوى الثقة بالدولة ومؤسساتها، وبالتالي كبح جماح الإستثمار العقاري الذي يبنى على عاملي الإستقرار الأمني والسياسي بالدرجة الأولى وما ينتج عنها من ثقة في مستقبل البلد.
وعلى الجانب الآخر من العوامل المؤثرة بالقطاع العقاري والتي ساهمت الى حد كبير بجموده وتراجع نشاطه، هي الإنسحاب التدريجي للمستثمر الخليجي منذ سنوات، ما خفّض مستوى الطلب أمام العرض، إضافة الى تأثر مداخيل اللبنانيين المغتربين بفعل الهبوط الحاد لأسعار النفط العالمية، إذ كانوا يوظفون جزءاً كبيراً منها في الإستثمار العقاري.
كما قد يعود بعض الإنخفاضات في أسعار العقارات الى المنافسة بين مشيّدي الأبنية في وقت سابق بتكلفة مرتفعة، بناء على ارتفاع أسعار المواد الأولية وبين المشيّدين الحاليين الذين يستفيدون من انخفاض تكلفة البناء انسجاماً مع تراجع أسعار النفط.
وتشكّل الأرقام خير دليل على تراجع أداء القطاع العقاري في لبنان، فقد سجّل عدد المعاملات العقارية انخفاضاً لافتاً مطلع العام الجاري، من 6.749 معاملة خلال شهر كانون الأول من العام 2015 الى 4.295 معاملة خلال كانون الثاني من العام 2016 وفق إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية.
الجمود الذي يشوب القطاع العقاري، أو كما يفضّل رئيس نقابة الوسطاء العقاريين مسعد فارس، وصفه بالتباطؤ، لا يبدو له نهاية من دون عودة الإستقرار السياسي الى لبنان، ويؤكد فارس في حديثه الى “المدن” أن لا أفق للعقار اللبناني ولا عودة الى النهوض في ظل اللااستقرار الحاصل اليوم، إذ أن المستثمر العقاري سواء المقيم منه أو المغترب أو الأجنبي يبحث عن بقعة مستقرة، لاسيما أن الإستثمارات العقارية تمتد لسنوات طويلة وليست ذات أمد قصير، من هنا تصبح الحاجة الى الإستقرار السياسي “ملحة”.
وتختلف السوق العقارية اللبنانية عن سواها من أسواق المنطقة والعالم بعدم ارتباط بورصة أسعارها بالعوامل المؤثرة بنشاطها وحركتها، بمعنى أن جمود القطاع العقاري وتراجع نشاطه وإن بشكل دراماتيكي، لم ينعكس انخفاضاً في أسعار العقارات لا بل استقراراً في بعضها وارتفاعاً في بعضها الآخر باستثناء حالات خاصة ومحدودة سجلت انخفاضاً في الأسعار، ويعزو فارس هذا الواقع بالدرجة الأولى الى ضيق المساحات الصالحة للبناء، لاسيما في المناطق التي يرتفع الطلب عليها كبيروت وبعبدا والمتن وكسروان.
كما أن المطوّرين العقاريين، وفق فارس، يتجنّبون خفض أسعار العقارات، على الرغم من ارتفاع العرض وانخفاض الطلب، آملا في تحسّن الأوضاع السياسية وعودة النشاط العقاري، إذ في حال عمدوا راهنا الى خفض الأسعار يصعب رفعها خلال فترة وجيزة في حال صحّت التوقعات بانفراج سياسي.