ابراهيم محمد
رغم قوة المصالح الاقتصادية المتبادلة بين لبنان والخليج تزاد المخاوف من التبعات الاقتصادية السلبية على السياحة والاستثمار في بلاد الأرز بسبب العقوبات الخليجية الأخيرة، السؤال الأهم، إلى أي حد تبدو هذه المخاوف في محلها؟
” لبنان لا يقدر على العيش دون الخليج”، هذا ما تخلص إليه إعلامية لبنانية لامعة بلهجتها البيروتية المنمقة خلال حوار حول الاقتصاد اللبناني بعد طلب حكومات دول الخليج من رعاياها مغادرة لبنان وعدم السفر إليه. وسبق هذا الطلب إلغاء مساعدات سعودية للجيش وقوى الأمن اللبناني كان من المقدر وصول قيمتها إلى 3 مليارات دولار، وتصنيف دول مجلس التعاون الخليجي لحزب الله الذي يشارك في الحكومة اللبنانية على أنه منظمة إرهابية.
ويشارك الإعلامية اللبنانية برأيها هذا فئة كبيرة من اللبنانيين لاسيما الذين يعملون في هذه الدول ويساعدون عائلاتهم في الوطن الأم. وتزداد مخاوف هؤلاء مع بدء كل من الكويت والإمارات والبحرين والسعودية بترحيل مئات العاملين اللبنانيين ومنع آلاف اللبنانيين الآخرين من دخولها بحجة دعمهم للحزب المذكور. في هذا السياق يبدي رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة في لبنان محمد شقير تخوّفه على مصير عشرات الآلاف من أبناء وطنه الموظفين في الخليج وفي الشركات اللبنانية العاملة هناك. وتصب بعض وسائل الإعلام الزيت على نار المخاوف من خلال الحديث عنها وكأنها أضحت أمرا واقعا!
تراجع دراماتيكي للسياحة الخليجية
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى أي حد تبدو فيه هذه المخاوف مبررة في بلد يعيش بالدرجة الأولى على الاغتراب والسياحة والاستثمار العقاري والخدمات المالية. في مجال الاغتراب يعيش ويعمل في دول الخليج بين 300 إلى 350 ألف لبناني أكثر من نصفهم في السعودية. وخلال العام الماضي 2015 قّدرت قيمة تحويلاتهم إلى وطنهم الأم بحوالي 7.5 مليار دولار حسب نسيب غبريل رئيس قسم الأبحاث في بنك بيبلوس اللبناني، أي ما يقارب نصف تحويلات اللبنانيين من الخارج. ويعمل ربع اللبنانيين في الخليج في شركات لبنانية أو يمارسون أعمال مرتبطة بها.
على الصعيد السياحي لم يعد لبنان مقصدا رئيسيا للسياح الخليجيين بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 وتحذيرات الدول الخليجية لمواطنيها من السفر إلى بلاد الأرز لدواعي أمنية. وتشير المعطيات المتوفرة إلى تراجع عددهم خلال السنوات الخمس الماضية ليصل في العام الماضي 2015 إلى 130 ألفا بعدما كان في حدود 600 ألف من أصل أكثر من 3 ملايين سائح يتوجهون سنويا إلى لبنان.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه السياحة الخليجية لوحظ خلال السنوات الأربع الماضية زيادة ملحوظة في عدد المغتربين اللبنانيين الذين يزورون بلدهم وفي عدد السياح العراقيين الذين يشكلون نسبة عالية من حجوزات الفنادق إلى جانب الأغنياء السوريين الهاربين من نار الحرب في بلادهم.
11 مليار دولار استثمارات الخليج في العقار
وفيما يتعلق باستثمارات رجال الأعمال الخليجيين في لبنان فتشكل ثلاثة أرباع مجمل الاستثمارات العقارية المقدرة بنحو 15 مليار دولار بنهاية عام 2015. وتركز هذه الاستثمارات على قطاع الفنادق وفي مقدمتها “ميتروبوليتان بالاس”، و حبتور لاند” و حبتور سيتي” و “فورسزنس” و “جيفنور روتانا” و “موفينبيك”. وتعد السوق الخليجية السوق الأهم للصادرات الزراعية والصناعية اللبنانية. أما الودائع الخليجية في البنوك اللبنانية فتشكل قسما هاما من مجمل الودائع المقدرة بنحو 150 إلى 160 مليار دولار وفقا لمعطيات مصرف لبنان. غير أن هذه الودائع في غالبيتها الساحقة ودائع خاصة اتجهت إلى المصارف اللبنانية لأسباب عديدة من بينها الفوائد العالية والسرية المصرفية وجودة الخدمة. أما الإيداعات الرسمية الخليجية فهي متواضعة، إذ لا تتجاوز السعودية منها على سبيل المثال 800 مليون دولار من أصل احتياطات مصرف لبنان البالغة 46 مليار دولار بما في ذلك قيمة احتياطيه من الذهب.
“50 مليار دولار استثمارات لبنان في الخليج”
وإذا كان الحضور الاستثماري الخليجي في لبنان قويا فإن الحضور اللبناني في الخليج بالمقابل لا يُستهان به مقارنة بحجم الأعمال هناك. فالشركات اللبنانية العاملة ناشطة هناك في مختلف المجالات وخاصة في السعودية حيث تعمل في تنفيذ البنية التحتية والأبنية الحكومية والخاصة والصناعات الغذائية والمنزلية والمطاعم والفنادق والبنوك وتقنية المعلومات والمجوهرات والإعلان.
وحسب جريدة السفير اللبنانية في عددها الصادر في 23 سبتمبر/ أيلول 2015 فإن الشركات اللبنانية تستثمر في الخليج نحو 50 مليار دولار. ولعل أشهر هذه الشركات المعروفة أيضا على الصعيد العالمي شركة المقاولات العربية/ CCC وشركة “أبناء ضاهر للملبوسات والمفروشات” وشركات “ماك” و”نجار” و “الرفاعي” و “آل فرام” و “غندور” وغيرها. وإلى جانب الشركات تتولى الكفاءات اللبنانية آلاف المهام القيادية في الشركات والمؤسسات والمصارف الخليجية من الصعب التخلي أو التعويض عنها بسهولة وخلال فترة قصيرة.
هل يمكن طرد العمالة اللبنانية؟
من خلال التشابك الكبير في المصالح والمنافع بين لبنان والخليج من الصعب تصور سيناريو يفضي إلى انفصام عرى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الطرفين رغم التوتر غير المسبوق في علاقاتهما السياسية. وهو الأمر الذي يؤيده الخبير نسيب غبريل على أساس أن “قرار المستثمر السعودي أو الأجنبي عموما لا يرتبط بالتوجهات السياسية الرسمية، بل يستند على دراسات الجدوى والأرباح المتوقعة”. بدوره يرى كامل وزنة، الخبير في الاقتصاد والسياسة الدولية أنه من المبكر الحديث عن “خسائر حتى الآن بسبب التوترات السياسية، لاسيما وأن هناك جاليات خليجية تعتبر نفسها جزءا من لبنان بغض النظر عن القرار السياسي لحكومات بلدانها”.
وردا على سؤال بخصوص المخاوف من ترحيل اللبنانيين العاملين في الخليج يقول وزنة في لقاء مع DW عربيةإن”الغالبية الساحقة من اللبنانيين العاملين في الخليج أقرب إلى حلفاء السعودية، أي إلى عائلة الحريري وفؤاد السنيورة وفريق 14 آذار منهم إلى حزب الله، أما عدد الشيعة اللبنانيين في الخليج فلا يصل إلى 30 ألفا”. ونظرا لاعتبارات وتبعات اقتصادية وقانونية محلية ودولية يستبعد وزنة إقدام السعودية أو دول الخليج الأخرى على “الطرد الجماعي للبنانيين” بعكس ما يروج له البعض.
هل لدى لبنان بدائل؟
يثير ترحيل عدد من اللبنانيين وإدراج بعض رجال الأعمال المقربين من حزب الله على لوائح المقاطعة الخليجية بعد القرارات الخليجية الأخيرة المخاوف من إجراءات خليجية أوسع، مع ذلك لا يستدعي الأمر الهلع على حد بول مرقص، المحامي والخبير في القانون الدولي في حديث مع DW عربية. لكن وفي كل الأحوال سيلحق تصعيد التوتر الخليجي مع لبنان أضرارا اقتصادية يصعب عليه توفير بدائل لها في الوقت الحالي نظرا إلى الشلل السياسي الناجم عن تعطيل دور الحكومة اللبنانية وغياب رئيس للجمهورية.
ويضاف إلى ذلك أن الحرب السورية أدت إلى قطع طرق التجارة البرية مع لبنان ودفعت بنحو مليون سوري للجوء إليه. إنه وضع اقتصادي يتجه إلى التعقيد في بلد صغير ضعيف الموارد ويعتمد على الخارج، إلا إذا هبت رياح إنهاء الأزمة السورية وحصلت الشركات اللبنانية على جزء من كعكة من إعادة الإعمار المرتقبة في سوريا ومن كعكة تحديث القطاعات الاقتصادية في العراق وإيران.