عبد الكافي الصمد
دقت مؤسسة مياه لبنان الشمالي، قبل أيام، جرس الإنذار، عندما حذرت على نحو غير مباشر من أن مدينة طرابلس مقبلة على “كارثة” مائية كبيرة في السنوات القليلة، نتيجة الإسراف الجائر في استعمال المياه الجوفية، وتحديداً على يد أصحاب الآبار الخاصة، داعية إلى اتخاذ خطوات عاجلة قبل وقوع المحظور.
جاء هذا التحذير عبر بيان وزعته المؤسسة، أشارت فيه إلى أن “المياه الجوفية تُستنزف وتتضرر بفعل الآبار الخاصة”، لافتة إلى أن “استمرار الإسراف في استعمال الآبار الخاصة في الأبنية، يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية ويضر بنوعيتها، وإلى تداخل مياه البحر فيها ما يزيد من ملوحتها، بحيث تصبح ليس فقط غير صالحة للإستعمال، وإنما أيضاً غير قابلة للمعالجة لإعادتها إلى حالتها السليمة”. لذلك تمنّت المؤسسة على “جميع المواطنين الإقتصاد في استعمال مياه الآبار الخاصة واستخدام المياه بطريقة رشيدة”، عبر سلوكيات وإرشادات إعتاد المواطنون أن يسمعوها عادة في فصل الصيف عندما يتراجع منسوب الآبار الجوفية والينابيع، ويصيب بعضها جفاف كلي أو نسبي.
لكن هذا التحذير لم يكن الأول من نوعه، فرئيس لجنة المياه والبيئة في بلدية طرابلس جلال حلواني أوضح لـ”الأخبار” أنه “منذ نحو ست سنوات، وبعد دراسة أجريناها في منطقة الضم والفرز، حذرنا من إستنزاف الآبار الجوفية والإستهلاك المفرط للمياه على نحو غير مسؤول، وقلنا حينها إنه إذا استمررنا على المنوال ذاته فإننا مقبلون على كارثة حقيقية، لأن كل مياه الآبار الجوفية في تلك المنطقة ستصبح مالحة”. على الرغم من ذلك لم يتراجع الإستعمال الشخصي والمنزلي للمياه في أنحاء طرابلس، بحسب حلواني الذي لفت إلى أن “منطقة الضم والفرز شهدت في السنوات الثلاث الماضية نشاطاً عمرانياً كبيراً، وهو في تصاعد، وينتظر أن يستكمل بناء هذه المنطقة خلال السنوات الخمس المقبلة، ما سيؤدي بفعل إستنزاف مياه الآبار الجوفية بلا حسيب أو رقيب إما إلى جفافها أو إلى إصابتها بالملوحة”.
يلفت حلواني إلى أمر بالغ الخطورة هو أن “بعض الأبنية التي شيدت حديثاً في تلك المنطقة، عمل مهندسوها على إنزال مستوى الآبار الجوفية بضعة أمتار من أجل كسب طابق إضافي تحت الأرض وإشباع جشع تجار وأصحاب الأبنية، نتج عنه تداخل مياه هذه الآبار مع مياه البحر القريبة منها، ما أدى إلى ملوحتها”.
يوضح حلواني أن “حفر الآبار الخاصة، التي تبلغ تكلفة كل منها ما بين ألف وثلاثة آلاف دولار، يحتاج إلى موافقة مسبقة من وزارة الطاقة والمياه”، مشيرا إلى أن “عشرات الآبار الجوفية في طرابلس يجري حفرها من دون رخص، وأن جهات إدارية وأمنية مسؤولة لا تغض النظر فقط عن هذه المخالفات، بل هي متواطئة في هذا الموضوع ايضا”.
دفعت هذه المشكلة البلدية إلى حفر بئر مياه جوفية كبيرة على مقربة من موقع التكية المولوية، بجانب البولفار الرئيسي الذي يربط طرابلس بزغرتا، وهي بئر مُوّلت بهبة أوروبية وبإمكانها ضخّ 6 آلاف متر مكعب من المياه يومياً. يبشّر حلواني بأنه “بعد ربط خط جر مياه هذه البئر بالشبكة الرئيسية مطلع الصيف المقبل، سيحل قسم كبير من مشكلة المياه في طرابلس”، آملاً أن “يخفف ذلك من الضغط على الآبار الجوفية في منطقة الضم والفرز وفي بقية المناطق الأخرى”.
غير أن مشكلة الآبار الجوفية في طرابلس لا تقتصر فقط على هذا الجانب، إذ يوضح رئيس نقابة مستخدمي وعمال مؤسسة مياه لبنان الشمالي كمال مولود، أن الآبار الجوفية في طرابلس “باتت مهددة بالتلوث نتيجة تسرّب مياه الصرف الصحي إليها”.
هذا التلوث برأي مولود “ناجم على نحو كبير عن أن شبكة مياه الصرف الصحي لمنطقة الكورة تصب منذ بضعة أشهر في بالوع يقع في خراج بلدة بكفتين، لا يبعد أكثر من 3 كيلومترات عن طرابلس”، ما جعله يحذر من أنه “إذا لم توصَل هذه الشبكة (تقدر تكلفة هذه الوصلة نحو 10 ملاين يورو) بمحطة التكرير، وهي محطة للمفارقة لم تعمل بعد برغم إنجازها قبل سنوات، فإن أغلب الآبار الجوفية في طرابلس ستتلوث”.