منذ اللحظة الأولى لطرح احتمال إجراء الانتخابات النيابية، شعر عدد كبير من اللبنانيين أن الأمر لن يعدو كونه مناورة في انتظار بلورة الإخراج المناسب لتأجيل الانتخابات.
ففي المنطق البسيط أن التركيبة السياسية الحاكمة التي تعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية، وتعطل الانتخابات النيابية، لا يمكن أن تقبل بإجراء انتخابات بلدية واختيارية لسببين على الأقل:
ـ أولاً: إن إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية سيكشف زيف كل ادعاءاتها وحججها التي استعملتها لتأجيل الانتخابات النيابية مرتين متتاليتين. والسؤال الذي يُطرح بقوة في حال إجراء الانتخابات البلدية سيصبح: كيف يمكن أن تسمح الظروف الأمنية والسياسية بإجراء الانتخابات البلدية ولا تسمح بإجراء الانتخابات النيابية؟
ـ ثانياً: إن “حزب الله” و”تيار المستقبل” غير جاهزين لإجراء أي انتخابات في المرحلة الراهنة، وكل منهما لاعتبارات خاص تتعلق به. فـ”حزب الله” الغارق في المعارك الإقليمية من الحرب في سوريا الى تورّطه في اليمن، ليس في وارد الدخول في معارك محلية مع العائلات والعشائر في ظل سقوط أكثر من 1500 قتيل للحزب وآلاف الجرحى في معاركه خارج لبنان، إضافة الى تراجع موارده المالية. والحزب لم ينسَ حتى اليوم خسارته الانتخابات البلدية في معاقل أساسية في انتخابات الـ2010 كما حصل في اللبوة البقاعية مثالاً. كما لا يُخفى على أحد داخل البيئية الشيعية أن العلاقة على الأرض بين مناصري الحزب ومناصري “حركة أمل” ليست في أفضل حال. ولذلك فإن الحزب يميل بشكل طبيعي الى إرجاء الانتخابات البلدية حتى إشعار آخر.
أما بالنسبة إلى تيار المستقبل فلم تكن عودة الرئيس سعد الحريري كافية لاستنهاض قواعده الشعبية. فالحريري عاد من دون إمداد مالي يسمح له بتسوية أوضاع موظفي مؤسساته وإعادة إطلاق ماكيناته الخدماتية، فكيف يمكن له خوض انتخابات بلدية في حين يكمن له الكثيرون في عدد كبير من المناطق لتصفية الحسابات السياسية والمحلية معه؟! ورغم محاولات الشيخ سعد إجراء عدد من اللقاءات للملمة الوضع السني الداخلي، مثل اللقاءات مع النائب السابق عبد الرحيم مراد والوزير محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي، إلا أن هذه اللقاءات لم تحسم شيئاً. ففي طرابلس تنتظر الحريري معركة كسر عظم ينتظرها الرئيس نجيب ميقاتي على أحرّ من الجمر بعد كل حملات المستقبل ضده وصورة زيارته البروتوكولية الشهيرة الى بيت الوسط بعد تسميته لتشكيل الحكومة في كانون الثاني 2011 و”يوم الغضب” الشهير. هذا من دون أن ننسى أن طرابلس باتت تعيش حالة جديدة اسمها “حالة أشرف ريفي” الذي وإن كان في الجوهر ليس بعيداً عن خط “الحريرية السياسية”، إلا أنه بعد استقالته من الحكومة وفتور العلاقة مع الرئيس الحريري والتعاطف الشعبي الطرابلسي الجارف معه بات يشكّل خطراً على أي لائحة لا تنال دعمه وتأييده. وفي صيدا ثمة معركة حامية جداً لا يمكن التكهّن بنتائجها سلفاً. وحتى في بيروت ظهرت استحالة تأمين فوز لائحة ائتلافية بالتزكية في ظل إصرار البعض على اقتناص الفرصة لمواجهة تيار “المستقبل” الغارق في مشكلاته.
وبناء على ما تقدّم، يدرك الجميع أن إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية ليس أمراً محسوماً على الإطلاق، وذلك رغم كل تأكيدات السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري، ورغم كل تصريحات وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، ورغم كل الاستعدادات المسيحية. أما لتأمين “أرنب التأجيل” فيبقى الاعتماد كالعادة على الثنائي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط.
وفي بلد بات إجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها وجهة نظر تحتاج الى إجماع، يمكن توقّع كل شيء إلا إجراء انتخابات!