مارتن وولف
الإنتاجية ليست كل شيء، لكن على المدى البعيد هي كل شيء تقريبا. هذه الحقيقة التي أعلنها الحائز جائزة نوبل، بول كروجمان، استحوذت للتو على جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني. لكن آفاق الإنتاجية ليست مهمة بالنسبة لأوزبورن وحده. إنها عامل اللبس الأكثر أهمية الذي يؤثر في الآفاق الاقتصادية للشعب البريطاني. فهل من المعقول توقع عودة نمو الإنتاجية المزدهر الذي كان سائدا قبل الأزمة؟ وهل ستستمر الإنتاجية في الركود؟ أم هل سينتهي بها الأمر في مكان بين الأمرين؟
التأثير السلبي على موقف الميزانية، الناتج عن المراجعات الخفيفة لمكتب مسؤولية الميزانية، على توقعات الإنتاجية يظهر مدى أهمية هذا. الانخفاض في توقعات مكتب مسؤولية الميزانية لمعدل النمو في الناتج لكل ساعة – وهو مقياس أساسي للإنتاجية – هو فقط بمتوسط يبلغ 0.2 نقطة مئوية سنويا. لكن مكتب مسؤولية الميزانية يقول: “بتراكم على مدى خمسة أعوام، ذلك يمثل مراجعة تخفيض جوهرية إلى مستوى الناتج المحتمل بحلول عام 2020”.
في أحدث توقعاته، يشير مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن مستويات الإنتاجية في المملكة المتحدة في عام 2020 ستكون 6.2 في المائة أقل مما كان يؤمل في حزيران (يونيو) 2010، و2.5 في المائة أقل مما كان يؤمل في آذار (مارس) 2014. لكن أكبر التخفيضات على الإطلاق هي نسبة إلى التفاؤل الذي كان سائدا ما قبل الأزمة: أحدث توقعات مكتب مسؤولية الميزانية للناتج المحتمل في عام 2020 هي 15 في المائة دون توقعات وزارة المالية في آذار (مارس) 2008. تخفيضات مماثلة حدثت في التوقعات الأمريكية الرسمية.
لكن حتى التوقعات الجديدة قد تكون متفائلة فوق الحد. السؤال هو ما إذا كان ركود الإنتاجية ما بعد الأزمة، أو نمو الإنتاجية ما قبل الأزمة سيكون الأمر الطبيعي التالي. لا يزال مكتب مسؤولية الميزانية يفترض الأمر الأخير إلى حد كبير. بالتالي، متوسط نمو الإنتاجية للفترة 1971-2007 كان 2.2 في المائة سنويا. ومتوسط الفترة 2008-2015 كان 0.3 في المائة فقط. وتذهب أحدث التوقعات إلى أن نمو الإنتاجية سوف يزيد من 0.8 في المائة العام الماضي إلى 2 في المائة بحلول عام 2019. وهذا سيكون قريبا من المستوى الطبيعي ما قبل الأزمة.
بدلا من ذلك، لنفترض أن نمو الإنتاجية سيكون 1 في المائة هذا العام وسيبقى كذلك. الناتج المحتمل في عام 2020 قد يكون 4 في المائة دون ما يفترضه مكتب مسؤولية الميزانية الآن. وهذا لن يترك وزير المالية مع الفائض المالي الذي يخطط له، بل مع عجز مالي كبير. بعد ذلك، الفجوة بين الناتج مع نمو إنتاجية بنسبة 2 في المائة والناتج مع نمو إنتاجية بنسبة 1 في المائة ستزيد أكثر: بحلول عام 2030، الناتج المحتمل قد يكون 13 في المائة أقل مما توحي به أحدث افتراضات نمو الإنتاجية لمكتب مسؤولية الميزانية.
من الواضح أننا نحتاج إلى فهم السبب في أن نمو الإنتاجية كان ضعيفا جدا. يستنتج مكتب مسؤولية الميزانية أن نمو الإنتاجية كان منخفضا في معظم الصناعات منذ عام 2008، وكانت الانخفاضات الأكثر وضوحا في مجال الخدمات المالية وتزويد الغاز والكهرباء. إذن، بشكل عام، التراجع في نمو الإنتاجية كان في جميع المجالات.
هناك تفسير واحد قد يكون هو تأثير الأزمة المالية في الائتمان. لكن في الوقت الذي يشفى فيه القطاع المالي هذا يبدو أقل إقناعا. تفسير آخر يقول لا بد أن يكون السبب هو الانخفاض ما بعد الأزمة في استثمار الشركات إلى مستوى منخفض يبلغ 8.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، من حيث القيمة الحقيقية، في الربع الرابع من عام 2009. لكن هذا ارتفع منذ ذلك الحين. سيكون من الجيد لو أن استثمار الشركات لا يزال أعلى، لكن من الصعب التصديق أن انخفاض الاستثمار لا يزال يفسر خيبات أمل الإنتاجية المستمرة. مرة أخرى قد يكون هناك خلل في قياس الناتج المحلي الإجمالي، لكن من الصعب أن نفهم لماذا خلل القياس هذا ارتفع فجأة بعد عام 2008. ربما نمو الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية أعلى مما تم قياسه، لكن هذا أيضا ينبغي أن يكون صحيحا قبل عام 2008.
نظرا لعوامل اللبس الضخمة اتخذ مكتب مسؤولية الميزانية فقط خطوة متواضعة في اتجاه افتراض أن انخفاض نمو الإنتاجية دائم. يمكن أن يكون بسهولة أمرا متفائلا فوق الحد بكثير.
إذن، كيف ينبغي لصناع السياسة أن يستجيبوا لعوامل اللبس غير السارة هذه؟
التحول الأول ينبغي أن يكون نحو سياسات تهدف إلى رفع نمو الإنتاجية. هناك عنصر أساسي في مثل هذا التحول يجب أن يكون نحو استثمار أعلى في القطاعين العام والخاص. والحكومة ينبغي أن تستثمر أكثر. وينبغي أيضا أن تبحث في إجراء تغييرات ضريبية من شأنها تشجيع الاستثمار.
التحول الثاني يجب أن يكون نحو السؤال حول كيفية إدارة الموارد المالية العامة في حال لم يعد الاقتصاد إلى اتجاهات الإنتاجية ما قبل الأزمة. هذا من الواضح أنه لا يزال يتطلب ضوابط أكثر صرامة على الإنفاق الحالي. لكن من المرجح أنه يتطلب أيضا زيادة الضرائب التي لا تشوه الاقتصاد. المرشحون الواضحون للضرائب الأعلى هم الظواهر السيئة العامة (الازدحام والتلوث) وضرائب أقسى على الإيجارات، خاصة الأراضي.
لا بد لنا أن نرجو أن وزارة المالية تفكر بصورة عميقة في هذه العواقب غير السارة. وربما يتبين أن أحدث مراجعة نزولية من مكتب مراقبة الميزانية هي خطوة صغيرة نحو الواقع. مع الأسف، يمكن للأمور أن تكون أسوأ من ذلك. لذلك يجب الاستعداد منذ الآن.