جون أوثرز
مهما تتغير الأشياء تظل هي نفسها. حتى يوم الجمعة كانت سوق الأسهم الأمريكية بالضبط في الموقع الذي بدأت فيه العام. الانخفاض أكثر من 10 في المائة، الذي تلاه بالسرعة نفسها انتعاش تجاوز أيضا 10 في المائة، ألغى كل منهما تأثير الآخر.
ويمكن رؤية تقلبات عجيبة مماثلة، صعودا وهبوطا في مقاييس التقلبات التي ارتفعت ثم انخفضت بتأثير من توقعات التضخم وعوائد السندات المتولدة عن السوق، التي تراجعت ثم ارتفعت. باختصار، كان العالم مذعورا بسبب الركود والانكماش في الولايات المتحدة، ومن ثم خرج من حالة الذعر هذه، وكل ذلك خلال أقل من ثلاثة أشهر.
إنها حقيقة أبدية أن الأسواق تتحرك بقوة مفرطة. فعلت ذلك على طول الطريق هبوطا، وعلى الأرجح أنها تقفز بعيدا مرة أخرى في العودة إلى الأرض.
بعض الحقائق الأخرى التي لا تتغير. ويمكن أن يستغرق الأمر وقتا طويلا جدا بالنسبة للمنطق الاقتصادي الذي لا يوصف، ليجعل نفسه محسوسا في أسعار الأوراق المالية. وعندما يكون هناك شك في ذلك يجب علينا تتبع المال.
بالتالي لا يمكننا تجاهل الأحداث العجيبة في الأسابيع الـ 11 الماضية، وإن تركت أكبر سوق للأسهم في العالم بالضبط حيث بدأت. لذا، ما الذي تغير منذ بدء العام؟
أولا، ارتفع سعر النفط أكثر من 50 في المائة مما كان عليه في كانون الثاني (يناير)، في حين ضعف الدولار. ويغلب على النفط والدولار أن تكون العلاقة بينهما عكسية ـ يرتفع الدولار عندما يهبط النفط، والعكس بالعكس. ولا يزال النفط منخفضا أكثر من 60 في المائة، والدولار مرتفعا أكثر من 20 المائة عن مستوياتهما في صيف 2014.
هذه العوامل تخفف بعض المخاوف من حالات الإفلاس في قطاع الطاقة الأمريكي، وبعض المخاوف حول مشاكل سندات الأسواق الناشئة المقومة بالدولار.
وربما كان العامل الحاسم هو أن الرنمينبي الصيني تعزز – قليلا – مقابل الدولار. ويأتي هذا التحرك بأقل من نقطة مئوية، لكن بعد انخفاض حاد وغير متوقع مع بداية هذا العام، خففت هذه الخطوة في الوقت الحاضر مخاوف من أن تخفيضا متعمدا نتيجة “حرب العملات” ليس متوقعا.
في هذا السياق، يبدو أن خطا قد وضع تحت مسألة إلى أي مدى يمكن للبنوك المركزية أن تذهب، على الأقل عندما يتعلق الأمر بأسعار الصرف. وخفض كل من بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة أكثر في المنطقة السلبية هذا العام، وشهد كل منهما تعزيزا لعملته. والسبب في ذلك إلى حد كبير هو أن الأسواق تدرك، ربما بشكل صحيح، أنه لا يمكن للمصارف أن تخفض أسعار الفائدة أقل مما هي عليه.
في مجموعها، كل هذه التحركات تخفف الضغط وعدم التوازن في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يساعد على شرح أحاديث السوق المنتشرة على نطاق واسع حول أنها كانت منسقة بشكل متعمد. ولا يوجد دليل كبير على هذا، لكن إذا كانت السلطات قد أرادت أن تتواطأ في هذا، فهذا هو نوع النتيجة التي ستحاول إنتاجها.
لكن لنلاحظ بعض التطورات الأخرى. ارتفع سعر الذهب، ولم يتخذ أي دور في تصحيح الأسابيع القليلة الماضية. بعد أن استمرت سوقه هابطة لعدة سنوات، حققت في إحدى المراحل هذا العام مكاسب بلغت نحو 20 في المائة.
هذا ربما يفسر، جزئيا، التضخم في الولايات المتحدة. التضخم الأساسي الذي يستثني التأثير الانكماشي لأسعار النفط المنخفضة، ارتفع قليلا الآن ليصل إلى 2.3 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ أيلول (سبتمبر) 2008 ـ الشهر التي تم فيه إفلاس بنك ليمان. وهذا يعتبر أعلى من رقم مجلس الاحتياطي الفيدرالي المستهدف لمعدل التضخم، البالغ 2 في المائة. في حال تساوت جميع الأمور الأخرى (وهي ليست كذلك)، هذا من شأنه أن يبرر أسعار الفائدة الأعلى إلى حد ما من مستواها الحالي بين 0.25 و0.5 في المائة. وتوقعات التضخم على أساس السوق آخذة في الارتفاع.
في الوقت نفسه، كانت الأرباح مخيبة للآمال، في حين أن الشركات توجهنا لتوقع ما هو أسوأ في المستقبل. ضعف الدولار الذي يحسن من صورة الأرباح التي تحققها الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات خارج الولايات المتحدة، وارتفاع أسعار النفط الذي ينبغي أن يتفادى المعركة الفاصلة الكبرى حول أرباح شركات الطاقة، سوف يعملان على تهدئة هذا. لكن كما هي الحال الآن، يغلب على الأرباح أن تكون دورية، والشركات تعد نفسها لانكماش في دورة الأرباح.
دراسة السوق تدل على أن القطاعات الدفاعية هي التي فازت – خاصة الأسهم التي تدفع أرباحا عالية، إذ استطاع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500 لأرباح الأرستقراطيين” بسهولة أن يتجاوز أسعار السوق.
أيضا، إعادة شراء الأسهم تعود. عند 95 مليار دولار في شباط (فبراير)، وفقا لـ “تريم تابس”، الأموال التي أنفقتها الشركات الأمريكية على إعادة شراء أسهمها شكلت ثالث أعلى مبلغ شهري يتم إنفاقه على الإطلاق.
لذلك شهد هذا العام تعميقا أوليا للاختلالات التي كان العالم يعانيها لفترة من الوقت، لكن بعد ذلك شهد انحسارا ملحوظا لتلك الاختلالات، التي لا تزال عميقة. على الهامش، هذا يريح الأعصاب في ما يتعلق باحتمال حدوث أزمة – لكنه يثير الأعصاب كون البنوك المركزية استنفدت جميع السبل المتاحة لها، وأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يخاطر بانتعاش خطير في معدل التضخم.
في الوقت نفسه، الحيل التي أبقت الأمور واقفة على قدميها لفترة من الوقت لا تزال قيد الاختبار، وتواصل النجاح، بصورة أو بأخرى. وسوق الأسهم الأمريكية، التي تتداول عند مضاعف أرباح بمعدل 18 مرة، لا تزال أكثر تكلفة مما كانت عليه في السنوات التي سبقت كارثة ليمان.