I- المصارف كيانٌ غير مستقل عن الوضع العام في البلد، ولو أنه الأكثر قوة وحصانة بين سائر القطاعات الاقتصادية، وكلما تهاوى الاقتصاد الوطني في ادائه، وكلّما أسرفت الدولة في زيادة العجز في موازنتها، وكلّما واصل السياسيون ضرب حصانة البلد وسمعته في الخارج، لن يكون هناك أي قطاع في منأى عن الشظايا، ولو اختلفت نسب الأضرار بين قطاع وآخر.
II– ان القطاع المصرفي، وفي هذه الظروف الصعبة لا يزال يشكّل عامل جذب استثمارياً للداخل والخارج على السواء.
في العنوان الأول، أكدت صفقة البيع ان القطاع المصرفي عموماً بدأ يدفع ثمن التراجع الاقتصادي. والمصارف التي كانت قادرة على جذب استثمارات بقيمة تتجاوز قيمتها السوقية، بما يعادل 8 أو 10 في المئة اضافية، صارت اليوم تجذب الاستثمارات من دون قيمة مُضافة، او في أحسن الاحوال قد تصل الاضافة التجارية الى 1 أو 2 في المئة من السعر الفعلي.
هذا التراجع يرتبط طبعاً بالوضع العام، اكثر مما يعكس اداء المصارف الذي لا يزال في منطقة الجذب التجاري، بدليل ان نسبة العائدات على الاموال الخاصة تصل الى 12 في المئة، وهي نسبة مرتفعة وجذابة قياساً بالعائدات التي تحققها المصارف في العالم. ورغم ذلك، تراجعت القيمة التجارية للمصارف، جراء العوامل المحيطة بها، ومنها وضع البلد بشكل عام، وضع المالية العامة، الوضع السياسي والاقليمي، وخفض التصنيف السيادي للدولة.
في العنوان الثاني، يمكن أن نلاحظ ان المستثمرين الذين اشتروا الحصة في الاعتماد اللبناني، دفعوا القيمة الحقيقية للمصرف زائد 1 في المئة كقيمة مُضافة. وهذا يعني ببساطة ان القطاع لا يزال يشكل عامل جذب للاستثمار.
والملاحظة المهمة هنا، ان بين المستثمرين، من هم من دول الخليج العربي، بحيث ان الأزمة القائمة حاليا بين لبنان ودول مجلس التعاون لم تحُل دون إتمام الصفقة. كذلك من الملاحظ ان هناك مستثمرين حاليين رفعوا حصتهم في المصرف المذكور، بما يؤكد ثقة هؤلاء بالقطاع، ورضاهم عن النتائج التي حققها استثمارهم حتى الان، وثقتهم بجدوى زيادة الاستثمار في المستقبل. كما لا يمكن إغفال ثقة المستثمرين الجدد والقدامى، بقيادة المصرف الحالية، التي يتولاها جوزف طربيه.
الى ذلك، يمكن أن نلاحظ أن صفقة البيع استحوذت على اهتمام أكثر من مجموعة وجهَة، بما يعني ان التنافس للفوز بالصفقة يعكس وجود اقبال جيد على السباق للدخول الى القطاع. هذا السباق يعكس بطبيعة الحال، قوة الجذب الذي يتمتّع بها القطاع رغم كل الظروف المعقّدة في البلد.
أما القول أن المستثمرين اشتروا من دون اشتراط اجراء كشف من قِبَل شركات تدقيق دولية، فهذا الأمر يُحسب للمصرف وليس عليه، لأنه يعكس ثقة من اشترى بوضع المصرف، ويعكس شفافية يدركها من كان يملك حصصاً، وزاد من نسبتها في الصفقة. مع الاشارة الى أن رقابة مصرف لبنان، لا تسمح بانجاز أي صفقة بيع من دون التأكّد من مطابقتها للمعايير المطلوبة في مثل هذه الحالات، بما يُعطي طمأنينة اضافية للجميع.
لكن، وبصرف النظر عن الايجابيات والسلبيات التي يمكن استخلاصها من الصفقة، فان ما يثير القلق حالياً، ان استمرار وتيرة التراجع قد تؤدّي لاحقا، الى انخفاض قيمة المصارف تحت مستوى القيمة الفعلية، بما يعني انتفاء ايجابية الاسم التجاري، وتَحوّل القيمة المضافة من ايجابية الى سلبية بحيث تصبح الأسعار المعروضة للاستثمار في القطاع أقل من قيمة القطاع الفعلية. وفي هذه الحالة، يمكن ان يرتفع منسوب القلق، وتصبح الأوضاع اكثر صعوبة وتعقيداً.
أما السؤال المُقلق أكثر هنا، فهو في شأن أوضاع بقية القطاعات والمؤسسات. واذا كانت المصارف الاكثر نجاحاً وحصانة في الدورة الاقتصادية قد خسرت 7 أو 8 نقاط من قيمتها المُضافة، فما هي حال المؤسسات في قطاعات أخرى؟
وعلى سبيل المثال، ما هو وضع المؤسسات الاعلامية التي كانت تتجاوز قيمتها المضافة قيمتها الفعلية بأضعاف عدة. هذه المؤسسات التي بنت خلال سنوات طويلة اسمها التجاري، وكانت قيمتها تساوي قيمتها الفعلية بعشرة أضعاف، ما هو وضعها اليوم؟ وهل هناك مستثمرون جاهزون لدفع قيمة مُضافة في هذا القطاع؟ وأيضا السؤال يُطرح على مستوى المؤسسات السياحية وما هي نسب الخسارة في القيمة المُضافة؟
وهل ان الحفاظ على القيمة الفعلية التي ترتبط بقيمة الموجودات بكل أنواعها، ومنها العقار، وفقدان القيمة التجارية كافٍ للقول ان هذه المؤسسات لا تزال جاذبة للاستثمارات؟ الأجوبة واضحة، والوضع العام مكشوف، وما برز حتى اليوم من أزمات ما هو سوى رأس جبل الجليد، وما سيظهر لاحقاً، في حال استمرار الأوضاع في هذا الاتجاه الانحداري، أكثر من صعب.