كل العوامل تساعد على تراجع الاقتصاد الوطني، وعلى الرغم من صرخات القطاعات الانتاجية تستمر الحكومة في تجاذباتها السياسية وفي كل يوم تطل «فضيحة» تنسينا الفضائح السابقة، كأننا في مستنقع موحل وليس في دولة حضارة يتمتع فيها الانسان بكل مقومات الحياة.
واذا كان تراجع سعر برميل النفط في الاسواق العالمية قد اثمر ايجابا في لبنان خصوصا على صعيد تراجع العجز في مؤسسة كهرباء لبنان وفي تخفيف كلفة النقل على المواطن على ضوء تراجع سعر صفيحة البنزين من 37 الف ليرة الى حوالى 18 الف ليرة، فأن اسعار السلع والمواد التموينية بقيت على حالها كما تعرفة النقل، كما جملة اشياء لم يحركها هذا التراجع بسبب غياب الدولة المراقبة والرادعة والمتوازنة.
في مقابل هذا التراجع فمن المتوقع خفض تحويلات اللبنانيين التي تتأثر رواتبهم حيث يعملون في دول الخليج بهذا التراجع، اذ ان الدول الخليجية تشكل المصدر الرئيسي لهذه التحويلات، اذ تقارب 58 في المئة من اجمالي التحويلات ما يعادل 5،4 مليار دولار في العام 2015 من اصل 5،7 مليار دولار، اضافة الى تقلص العلاقات الاقتصادية والمالية بين لبنان والخليج ما ينعكس خفضها سلباً على نمو القطاع المصرفي وعلى مداخيل العائلات وعلى النمو الاقتصادي.
واذا كانت السياحة قد تأثرت بتوتر العلاقات بين لبنان والخليج فهذا سبب آخر لارتفاع السلبيات في النمو الاقتصادي حيث تراجعت السياحة الخليجية بشكل لافت في الاعوام السابقة ومرشحة للارتفاع في ظل التوترات المعروفة خصوصا ان الانفاق السياحي من الدول الخليجية، كان بحدود 5 مليارات دولار سنوياً.
وخلال الاحصاءات التي اصدرتها وزارة السياحة مؤخرا من شهر شباط فقد حل العراقيون في المرتبة الاولى ثم المصريون، ثم الاردنيون، وجاء السعوديون في المرتبة الرابعة ومن المؤكد انهم سيتراجعون على ضوء القرار الخليجي بمنع الرعايا الخليجيين من المجيء الى لبنان.
كما ان عجز المالية العامة قد ارتفع في العام 2015 بنسبة 62،28 في المئة مقارنة بالعجز المحقق في العام 2014 حيث بلغ 5958 ملياراً و198 مليون ليرة، اي بزيادة 1325 ملياراً و931 مليون ليرة وبلغت نسبة العجز 22،29 في المئة.
وىأتي هذا العجز نتيجة تراجع الايرادات الضريبية من جراء تراجع النمو في لبنان وانعدام التشغيل في القطاعات واقفال بعض المؤسسات ابوابها، بينما ارتفعت النفقات رغم تراجع الانفاق على مؤسسة الكهرباء بفضل انخفاض سعر برميل النفط عالمياً.
ويحذر الخبراء في هذا الاطار من عام صعب على الاقتصاد الوطني اولاً بسبب الضغوط السياسية والامنية التي يتلقاها لبنان وثانياً بسبب استمرار ازمة المؤسسات الدستورية في لبنان واهمها الشغور الرئاسي المستمر منذ حوالى السنتين تقريباً.
وقد بدأت المؤسسات الدولية كالبنك الدولي ووكالات التصنيف الدولية اطلاق اشارات سلبية حيال الاقتصاد الوطني عموما والقطاعات الانتاجية خصوصا التي بدأت تعاني من استمرار حدة الازمة اخرها القطاع التجاري الذي اطلق صرخة لاقتراح المعالجات الطارئة والالحاح على تنفيذها وفكفكة الوضع الاقتصادي المتشنج وما ينتابه من ترد وانكماش وانعدام في النمو كما تبينه المؤشرات القطاعية المايكرو التي تصدرها جمعية التجار وايضا المؤشرات التي تصدرها الجهات الرسمية في الدولة ولا سيما عن مصرف لبنان وغيره، وطلب هذا القطاع تبني المصارف المرونة في تعاملاتها مع زبائنها من التجار وتقبل مبدأ اعادة الجدولة عندما يكون هذا الحل مخرجاً لازمات السيولة الامنية التي تواجه معظم التجار حالياً، ولمساعدة هؤلاء على تخطي محنتهم المالية الخانقة.
وكما التجار، كذلك الصناعيين الذين اقفلت بوجه انتاجهم الاسواق البرية التي كانوا يعتمدون عليها بمقدار 85 في المئة من انتاجهم للتصدير. وها هم اليوم يركزون على النقل البحري مع زيادة في اكلاف وفي ظل انعدام المناقسة واقفال بعض الاسواق في وجه انتاجهم:
يعترف وزير المالية علي حسن خليل باننا نعيش في اجواء اقتصادية صعبة، ولكننا لسنا امام انهيار في الوضع المالي وهذا الامر يتطلب ارادة سياسية جدية ويتطلب في الوقت عينه احساسا بدرجة عالية من المسؤولية تجاه خطورة الاوضاع اذا كان هناك من فرصة للانقاذ الان علينا الا نفوتها وان نساهم في اقرار سلسلة من الامور التي يمكن ان تحصل الا باعادة احياء المؤسسات الدستورية مهما يكن من امر، فان بارقة الامل ما تزال موجودة بالقطاع المصرفي الذي ما زال يستجل نمواً في ودائعه بفضل السياسة المرنة التي يتبعها مصرف لبنان والهندسات المالية التي يطلقها، ولكن لا يمكن ان تستمر على هذا الامل في ظل الغيوم السوداء التي تجتاح بقية القطاعات الاقتصادية التي تعاني اليوم رغم محاولاتها المتكررة لابقائها ضمن الحركة المعقولة.
لذلك يطالب القطاع الخاص اللبناني اليوم باجراء اصلاحات مالية وادارية وضرائبية تسريعية وتطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والاهم اعادة احياء المؤسسات الدستورية واهمها رئاسة الجمهورية، فهل نحن قادرون على ذلك ام الاوان قد فات ودخلنا في المجهول الاقتصادي والاجتماعي؟