Site icon IMLebanon

“داعش” تتراجع تنظيمياً وتتوغل بلا حدود

 

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:

ملأت أخبار «داعش» الدنيا وشغلت أعماله الفاضحة العالم، ذلك التنظيم الذي استعمل أدوات إجرام لم تعهدها البشريّة من قبل، فذاع صيته الإجرامي عربياً وعالمياً. وإذا كان للحرب قوانينها، فإن قانون «داعش» الحربي تمثّل بما لا يتخيّله عقل ولا دين. فالإبادة وتصفية البشر جماعياً كانت أقلّ إرتكاباته، بأبشع صور تمثلت بذبح الناس وفصل رؤوسهم عن أجسادهم بضربات السيوف بلا أي ذنب، فيما كان التصوير ونشر الفيديوهات السلاح الأمضى في تخويف البلدات والمناطق التي عصت عليه. واستكمل «داعش» مسلسل الرعب بطمر الضحايا أحياء، ثمّ انتقل الى حرق الرهائن مثلما فعل بالطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي أضرم النار في جسده وأشعله داخل قفص في مشهد وحشي لا نشاهده حتّى في أفلام الرعب.فما هي أساليب الحرب النفسية التي يشنها «داعش»، وكيف يستقطب الإرهابيين من كل أنحاء العالم، وما هي نتائج معاركه خلال العام الماضي، وما هي حدود الدولة الخلافية التي يؤمن بها؟

مخاطبة الغرائز أولاً

الى جانب العمليات العسكرية التي يشنّها تنظيم «داعش» يومياً، نجح التنظيم بتسخير سلاح قوي يخاطب فيه الغرائز، من خلال استخدامه تقنيات حديثة تضاهي أفلام هوليوود.

ففيما لم يتخطَّ إعلام تنظيمَي «القاعدة» و»جبهة النصرة» استخدام البيانات المكتوبة وبث فيديوهات قصيرة لرسائل قادتهما، أصدر «داعش» مجلة «دابق» العالية الحرفية من حيث التقنيات الحديثة والإخراج وتوظيف الصور وجودتها، باللغتين العربية والإنكليزية، كما أصدر سلسلة أفلام أشبه بالوثائقية، تصوّر العمليات التي ينفذها عناصره بجودة عالية تعكس حرفية في التصوير، واستخدام أحدث الكاميرات، وقد استطاع «داعش» من خلال هذه التقنيات شنّ حرب نفسية، ونجح في العبور بها الى أقصى الدول واستقطاب مقاتلين من كل الجنسيات، إذ يختار صوراً يكون لها وقع قوي، يفترض أن يولّد شعوراً بالخوف لدى أعدائه، وأن يحصل على إعجاب مجموعات متطرفة أخرى.

تجنيد الأطفال

وفي كل مرة يُهزم «داعش»، لا يكون ذلك واضحاً أو ملموساً استناداً إلى ما يتمتع من زخم إعلامي، اذ يعمد إلى تصوير التنظيم بأنه قوة عظمى لا يمكن كسر شوكتها، ويحوّل الخسائر والهزائم إلى غنائم وانتصارات.

وقد ارتفعت نسبة الفارّين من صفوف تنظيم «داعش»، ما جعل التنظيم يتجه إلى الاعتماد أكثر على تجنيد الأطفال، لجمع المعلومات واستغلالهم في هجماته الإنتحارية أو حتى كدروع بشرية في المعارك إلى جانب المقاتلين البالغين.

وتلقّى «داعش» ضربات قوية خلال عام 2015، وخسر 14 في المئة من مجموع الأراضي التي كان يسيطر عليها، وفقد مدينة «تل أبيض» على الحدود السورية التركية التي لا تبعد سوى 85 كيلومتراً عن مدينة الرقة، معقل التنظيم، وتعدّ خسارتها قطعاً لخط الإمدادات بين الرقة والحدود التركية.

وخسر «داعش» أيضاً مدينة تكريت العراقية، ثم مصفاة بيجي، أكبر مصافي النفط في العراق، ويضاف إلى سلسلة الخسائر التي تكبّدها، خسارته لجزء من الطريق السيار بين مدينة الموصل في شمال العراق ومدينة الرقة السورية، معقل المتشددين والتي عقّدت كثيراً إمدادات التنظيم.

أما في الفترة الأخيرة، فوُجّهت ضربات جوية على أهداف لـ»داعش» في هيت وكبيسة غرب الرمادي، بلغت ثمانية، واستهدفت مضافات وتجمعات للتنظيم وأوقعت خسائر مادية وبشرية بصفوفه.

وفقد مقاتلو التنظيم 22% من الأراضي التي كانوا احتلوها في سوريا والعراق، خلال الأربعة عشر شهراً الماضية، كما أنه فقد 40% من عائداته المادية، التي يأتي معظمها من النفط، بعد فقدانه الكثير من المناطق على الحدود التركية السورية.

لا حدود لـ«داعش»

ويعتبر «داعش» أن الدولة الإسلامية لا حدود لها وأن العالم بأكمله هو حدوده، لذلك يرى «داعش» ضرورة تواجده في كافة أنحاء العالم، خصوصاً تلك التي تتبع الدين الإسلامي، لكن في المقابل يزيد هذا التنظيم من وتيرة إرهابه على أراضٍ أخرى في كل مرة يخسر أرضاً ما. ففي سوريا ما زال مسيطراً على نحو 60 ألف الى 70 ألف كلم مربع، وفي العراق على نحو 40 ألف كلم مربع.

لماذا الإنضمام الى «داعش»؟

أما الأسباب التي قد تدفع بأي شخص للإنضمام إلى «داعش» ودعم فريق كل ما يفعله هو تدمير التقاليد المحلية، والمواقع التاريخية والهوية الثقافية، فيعود لوجود أربع فئات من هؤلاء الأشخاص:

يندرج في الفئة الاولى الأشخاص العقائديون الذين يهدفون لعيش قيم آمنوا فيها، على اعتقادهم أنها توصلهم الى مكانٍ أفضل.

أما الفئة الثانية، فتضم محبي السلطة والمال، وهم يتمتعون ببعض القناعات ولكنها ليست الدافع الرئيس وراء انضمامهم الى هذا التنظيم، كالضباط الذين كانوا يعملون تحت أمرة صدام حسين مثلاً، والذين خسروا كل شيء فانضموا الى هذا التنظيم علّهم يسترجعون أيام النفوذ والسلطة.

الفئة الثالثة: بدورها تضم الأشخاص المهمشين واليائسين، الذين عاشوا في مجتمعات سواء عربية أو أوروبية لم تقدّم لهم شيئاً، ولا أمل لديهم في التقدم الإجتماعي أو المهني فيها، وقد رأوا في «داعش» تجربة قد تشعرهم بوهم ما افتقدوه.

وهناك فئة رابعة تضم الأشخاص الذين اعتادوا على العيش تحت ظلال حكم إستبدادي وطاغٍ لنحو 50 سنة أكان في العراق أو سوريا، فتغيّرت الأسماء مع قدوم «داعش» من دون أن يتغير الواقع الذي اعتادوا عليه.

أما أطفال «داعش» فيتبعون نظاماً خاصاً بهم. فما إن يبلغ الطفل الـ14 من عمره، يتوجهون به الى مخيّم ديني حيث يتعلم العقيدة، وبعد أن يتمرّس فيها، يرسلونه عندما يبلغ الـ16 الى الحرب.

في المقابل يعود سبب انخفاض إنضمام عناصر جدد الى «داعش»، الى إغلاق الأكراد منطقة «تل أبيض» التي تفصل بين «داعش» وتركيا، مما صعّب عملية تهريب الأشخاص للإنضمام الى التنظيم.

وبعدما كانت مساحة الحدود الفاصلة بين الطرفين تصل الى نحو 300 كلم، باتت نحو 90 كلم، حيث أهم نقطة عبور فيها هي مدينة «منبج» التي تُعتبر الشريان الأساسي لعمليات التهريب، لكن اليوم لم تعد الأمور فيها سهلة كالسابق، فطيران الحلفاء ناشط هناك، والأكراد باتوا أقرب إليها إضافة الى الثوار السوريين، كما أن شبكات التهريب في تركيا باتت تُلاحق بعد العمليات الإرهابية في تركيا.

على مر التاريخ لم يستطع أي تنظيم خارج عن الطبيعة من الصمود مطولاً، قد تكون الظروف عملت لصالح «داعش» في بعض المواقف أو في توقيت ظهوره، إلّا أنه لن يعيش طويلاً، وهذا ما بدأ في الظهور، خصوصاً بعدما شُكّل تحالف دولي وإسلامي قرّر التصدّي له.