IMLebanon

لبنان يؤمّن “إستدامة الإستهلاك والإنتاج” بالمؤتمرات والتوعية!

lebanon
يواجه مفهوم الإستدامة في القطاعات جميعاً، مأزقاً حقيقياً بسبب ضعف الموارد والشكوك حول قدرة تأمين ديمومة الموارد والعمل الحكومي الجاد لتلبية حاجات القطاعات الإنتاجية، وحاجات المستهلكين والمواطنين، وضمان حق الأجيال القادمة في التمتع بالموارد التي نستخدمها اليوم. والتركيز على تجاوز هذا الحق لحاضرنا ووصوله الى المستقبل، هو جوهر مفهوم الإستدامة، لأن البحث عن إستدامة آنية، ينفي معنى الإستدامة، وبالتالي يصبح تأمين الموارد وإستغلالها آنياً، وليس مستداماً.

إذا إستثنينا الخطابات والإتفاقيات التي أبرمتها الوزارات اللبنانية، وتحديداً وزارات الزراعة والصناعة والبيئة والإقتصاد، يمكن الجزم بأن الحكومة اللبنانية لم تلتفت الى ما تم التوصل إليه في القمة “الأممية التاريخية” التي عقدت العام الماضي واطلق خلالها “خطة التنمية المستدامة لعام 2030″، والتي بدأ تطبيقها في أول كانون الثاني من العام 2016. فالمشوار الطويل لتحقيق الأهداف يعطي الحكومة اللبنانية فرصة المماطلة وإدخال مشاريع التنمية المستدامة في آتون صراع المصالح. وما يعزز الإلتفاف إلى عمل الحكومة لتحقيق الأهداف، هو ان الأمم المتحدة، وفي تقريرها حول الخطة، نهاية العام الماضي، ذكرت بأن “أهداف التنمية المستدامة ليست ملزمة قانوناً، فإن من المتوقع أن تأخذ الحكومات زمام ملكيتها وتضع أطراً وطنية لتحقيقها”. وما يزيد المعوقات أمام الحكومة البنانية، هو ان تحقيق الأهداف سيحتاج الى “استثمارات كبيرة في كل من البلدان النامية والمتقدمة النمو، وتتطلب هذه الخطة تعبئة موارد كبيرة ببليونات الدولارات”.

برغم الواقع والإعتراف الرسمي الأممي بالصعوبات، تقوم الوزارات اللبنانية بكل ما في وسعها للإلتزام بتحقيق الأهداف، ويسجل للوزارات أنها تحاول إستهداف “الإستهلاك والإنتاج” معاً في مشروع تحقيق الإستدامة، وهو ما يفرضه الواقع، لأن الإستهلاك والإنتاج متلازمان. وفي الإطار، أطلقت وزارتا البيئة والإقتصاد، الإثنين، خطة عمل “الاستهلاك والإنتاج المستدام للقطاع الصناعي في لبنان”. ولأن البحث في تلازم تأمين الإستدامة بين القطاعين البيئي والصناعي، هو بحث “متشعب، كما وصفه وزير الصناعة حسين الحاج حسن، خلال إطلاق الخطة، نظراً الى أن “النشاط البشري اصبح ضخماً الى حد يتضارب مع المحافظة على استدامة البيئة والموارد الطبيعية في دول العالم قاطبة”، يصبح من السهل أمام الحكومة التملص من المسؤوليات والإستمرار في إستنزاف الموارد وزيادة الإستهلاك العشوائي في ظل غياب خطط الإستدامة على جميع المستويات. فاستهلاك ملفات النفايات والنفط والغاز والصحة والتعليم والعمل والأسعار… وما الى ذلك، في بازار الخلافات دون النظر الى تفاقم تأثيرات الإستهلاك السلبية على المواطن والبيئة، أدى الى إستحالة التوصل لخطط علمية وعملية، وهو ما يعترف به الحاج حسن بالقول انه “ليس لدينا في لبنان رؤية وطنية حكومية شاملة بين مجلس نيابي وحكومة وأحزاب ومجتمع مدني وبيئي حول البيئة والتنمية المستدامة”. وعليه، يصبح الحديث عن الإلتزام بالأهداف الـ17 لخطة التنمية المستدامة، مجرد وهم، لأن السياسات الرسمية اللبنانية إن لحظت تقدماً بخطوة في موضوع الصحة مثلاً، تتراجع خطوات، نظراً لضرورة مراعاة المصالح السياسية وراء كل تقدم.

على ضوء ما تقدم، فإن الأهداف الـ17، وهي القضاء على الفقر، القضاء التام على الجوع، الصحة الجيدة والرفاه، التعليم الجيد، المساواة بين الجنسين، المياه النظيفة والنظافة الصحية، طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، العمل اللائق ونمو الإقتصاد، الصناعة والإبتكارات والهياكل الأساسية، الحد من أوجه عدم المساواة، مدن ومجتمعات محلية مستدامة، الإستهلاك والإنتاج المسؤولان، العمل المناخي، الحياة تحت الماء، الحياة في البر، السلام والعدل والمؤسسات القوية، بالإضافة الى عقد الشراكات لتحقيق الأهداف، تصبح مجرد ذكرى لمحاولات أممية ومشاركة لبنانية لجعل العالم، ولبنان، أفضل. لكن عملياً، ماذا حققت وزارة الصناعة في سبيل دعم وتطوير وحماية الصناعات اللبنانية؟ كما أن “خطة العمل الوطنية لتبني مفهوم الاستهلاك والإنتاج المستدام” والمدعومة من الإتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والتي بدأت وزارتا البيئة والصناعة بالإعداد لها منذ شهر كانون الثاني 2015 من خلال “اعتماد نهج تشاركي قوي وفعال يضمن مشاركة جميع الجهات الوطنية المعنية”، على حد تعبير وزير البيئة محمد المشنوق – هذه الخطة – لم تأتِ بثمار ملموسة على أرض الواقع تجاه الصناعة أو البيئة، فترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، اضافة إلى التخفيف من إنتاج النفايات وانبعاثات الهواء وغيرها من الملوثات البيئة، والمتأتّي من “تعزيز الإجراءات المتبعة لتحفيز اعتماد أفضل التقنيات المتاحة بإستخدام مفهوم السلسلة المتكاملة لإنتاج السلع (Lifecycle Approach)”، لم يظهر بعد. فضلاً عن أن “تثقيف المستهلك وتوعيته لدعم واعتماد المنتجات التي يتم تصنيعها واستخدامها والتخلص منها بشكل مستدام، ونشر التوعية حول المنتجات الصديقة للبيئة وجعلها متاحة في الأسواق”، لم يتجاوز حدود مؤتمرات ولقاءات المجتمع المدني الذي لا يحقق تقدماً على الأرض ما لم يقترن عمله بتشريعات ودعم رسمي، هذا دون التطرق الى تبعية أغلب مكونات المجتمع المدني بشكل مباشر أو غير مباشر للسلطة السياسية، وهذا ما بدا واضحاً في تجربة الحراك المدني ضد أزمة النفايات. من هنا يصبح الإعتداد بنشاطاتٍ “مجتمعية” أمر غير منتج، فالصناعات المحلية لا تكتسب قدرة تنافسية من خلال مؤتمرات المجتمع المدني، ولا تصبح البيئة مناسبة لتحقيق الإستدامة من خلال التوعية فقط. فتحقيق الإستدامة وربط الإنتاج بالإستهلاك يعنيان التوجه الى القطاعات الإنتاجية والى المستهلك، وتعزيز قدراتهما لضمان الإستدامة، وهذا يتطلب إصلاحات فعلية في المستشفيات والمدارس الحكومية، وعدم تنفيذ مشاريع إستثمارية على حساب الشواطىء والثروة المائية، الى جانب عدم تشويه الحياة البرية بالنفايات المطمورة عشوائياً، وعدم عقد الإتفاقيات التي تضر بالإنتاج المحلي، تحت حجة تعزيز الشراكة مع المحيط والعالم… وغير ذلك.