ومع تعاظم دور المصارف المركزية في رسم السياسات الاقتصادية والنقدية ووصول العالم الى الحائط المسدود على مستوى المعالجات للأزمات المتكررة، بدأ مفكرون اقتصاديون كبار في طرح معايير جديدة لقياس الوضع الاقتصادي في مختلف الدول.
واقترح أحدهم عدم اتخاذ النمو الاقتصادي، أي نمو الناتج القومي الوطني العام، معياراً أساسياً لتقييم الوضع الاقتصادي الوطني بل اقترح قياس مستوى المعيشة ونوعيتها للحكم على الأداء الاقتصادي العام.
وتنطبق هذه النظرية الجديدة خصوصاً على الدول المتطورة والغنية، إذ لا يمكن تسجيل نمو اقتصادي الى ما لا نهاية.
امّا بالنسبة للدول الفقيرة والنامية فإنّ إمكانيات تزايد النمو الاقتصادي ما تزال موجودة، ويمكن إبقاؤها في معادلات قياس الأداء الاقتصادي العام.
ويشدّد المفكر على ضرورة توافر إمكانية انضمام مختلف الشعوب الى الاقتصاد الحديث، اي ان يكون لها الحق في الحصول على هوية وعلى شراء عقار او منزل وعلى حساب مصرفي والقدرة على الاقتراض. وهذه حالات موجودة على نطاق واسع في دول كثيرة.
وكان كلّ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد أعدّا دراسات أظهرت العلاقة بين القدرة على الحصول على الهوية المالية المذكورة سابقاً وبين النمو الاقتصادي. ويتجه الاقتصاد الى انّ إدخال الشعوب الى النظام المالي العالمي الحديث سوف يكون له تأثير واسع على خَلق فرَص عمل جديدة وعلى نسبة التوظيف وعلى زيادة الاجور والمداخيل.
ويكمن نجاح الاقتصاديات عندما يتوافر للأجيال المقبلة فرَص العمل والنجاح ذاتها او أفضل، لكن يجب التمييز بين تحقيق النمو الاقتصادي وتحقيق التطور الاقتصادي.
ويبدأ العمل في تحديد النقاط التي يجب تحسينها في المجتمعات في سبيل توفير مستوى عيش أفضل، وقد تحتاج الدول والحكومات التي بدأت فعلياً تعمل في هذه الاتجاهات الى إنجازات وإبداع على عدة مستويات.
وهنا يدعو البعض الى اعتماد تدابير ذكية لتحسين مستوى المعيشة والحياة الافضل، ويبدو انّ التركيز على نوعية المعيشة وسعادة الشعوب قد بدأ بالاستحواذ على اهتمامات متزايدة على مختلف الاصعدة. وينسحب ذلك على توفير الازدهار الاقتصادي وتوسيع فرَص العمل والعناية بالبيئة ومحاربة الفقر وردم الهوة في مستويات المعيشة بين مختلف فئات المواطنين وفي مختلف الدول.
وكان كبار الخبراء الماليين، وعلى رأسهم بن برنانكي، الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي الاميركي، قد أشاروا الى انّ السياسات النقدية العالمية قد بلغت نهاية الطريق المسدود، هذه النهاية المتمثّلة باعتماد اسعار الفائدة السلبية. وذلك لاستعادة بعض التوازن في توزيع الثروات، بعدما انحصرت في حلقة ضيقة من أصحاب الثروات الفاحشة على حساب الحكومات والشعوب.
وتعكس سياسة أسعار الفائدة السلبية عجز الحكومات عن ايّ دعم مالي إضافي، فلجأت الى تحميل المصارف واصحاب الثروات هذا العبء، وذلك بعد ثماني سنوات من اسعار الفائدة القريبة من الصفر ومن ضَخ السيولة وطبع النقود وإعادة شراء السندات الحكومية والخاصة وحرب العملات.
وفي حين يرى الخبراء انّ أسعار الفائدة السلبية قد تهدد استقرار القطاعات المصرفية وخصوصاً في منطقة اليورو، رأت كريستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، انّ اسعار الفائدة السلبية بدأت تترك آثاراً إيجابية على الاقتصاد العالمي. وفي حين بدأت دراسات لتصنيف الدول بحسب معيار الأكثر سعادة، يبقى قسم كبير من العالم يعاني الفقر ونسبة بطالة مرتفعة وركوداً اقتصادياً قاسياً.