Site icon IMLebanon

أسباب إقصاء وزارة البيئة عن ملفّ النفايات: الأرقام الواضحة ممنوعة والخطط المتكاملة مرفوضة

مي عبود ابي عقل

تعود الحكومة اليوم الى الخطة التي طرحتها وزارة البيئة منذ البداية لمشكلة النفايات الصلبة، بانشاء معامل فرز ومعالجة، ومطامر صحية، واستمرار الطمر مؤقتاً في مطمر الناعمة الصحي الذي لا يزال بامكانه استيعاب مليون طن على الاقل. والسؤال الكبير: لماذا قَبِل الجميع بالسير بها الآن؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء كفّ يد وزارة البيئة عن هذا الملف؟ ولماذا اجراء مناقصات جديدة اليوم؟ ومن المستفيد؟

في أواخر آب 2015، وإثر رفض مجلس الوزراء لنتائج مناقصات النفايات الصلبة، كُفّ دور وزارة البيئة عن الملفّ، فكانت خطّة المطامر واللامركزية في أيلول 2015، وخطّة الترحيل في كانون الأول 2015، وأخيراً خطّة المعالجة الأوّلية والمطامر في آذار 2016. لكن هذه الحلول لم تكن أفضل، بحسب مصدر في وزارة البيئة، فهي:
1- لم تنجح في رفع النفايات المتراكمة عن الأرض إلاّ بعد 8 أشهر على انطلاق الأزمة، فيما لو تمّت الموافقة على نتائج المناقصات في حينه، كان بدأ تشغيل المعامل والمطامر الجديدة في فترة 6 أشهر حداً أقصى.
2- لم تأتِ بأي جديد، لا بل في معظمها عادت بلبنان إلى المربّع الأول من الحلول (أي الطمر)، فيما أسفرت المناقصات عن طرح حلول جديدة للبنان تؤمّن نسبة معالجة تصل إلى 75%.
3- رفعت الكلفة بنحو 30% من دون تحسين في المعالجة، ووصلت إلى نحو 190 دولاراً – الطن في حل الترحيل. وللمقارنة فقط، لا بدّ من التذكير بأن كلفة خدمات “سوكلين” و”سوكومي” لناحية الجمع وتشغيل معامل الفرز والمعالجة بنسبة لا تتخطّى الـ10% والطمر الصحي، هي نحو 145 دولاراً – 150 دولاراً / الطن، فيما المناقصات التي رفض مجلس الوزراء نتائجها أسفرت عن كلفة جمع وفرز ومعالجة (بنسبة 60% – 75%)، وطمر صحي للعوادم، لا تتعدى الـ 120 دولاراً الطن (بما فيه كلفة الاستثمار، على أساس فترة تعاقديّة تمتدّ على 7 سنوات).
لماذا إذاً تم إقصاء وزارة البيئة عن هذا الملفّ؟
– البعض يقول إن هذه المناقصات سقطت لأن وزارة البيئة لم تعرف كيف تعلن نتائجها في حينه، أي بشكل يبيّن ايجابياتها نسبة الى الوضع الذي كان سائداً قبلها، فجمعت في رقم واحد الخدمات كلّها (من كنس وجمع ونقل ومعالجة وطمر وكلفة استثمار، وضريبة على القيمة المضافة)، مما أسفر عن مجموع يقارب الرقم الراسخ في أذهان اللبنانيين، أي الرقم الذي تتقاضاه شركتا “سوكلين” و”سوكومي” (نحو 150 دولاراً/ الطنّ) من دون التمييز ما إذا كان هذا الأخير يتضمّن الكنس كلياً أو جزئياً، ونسبة المعالجة، ووجود أو غياب كلفة الاستثمار، الخ… بينما من يقرأ بدقة تفاصيل المؤتمر الصحافي لوزير البيئة يومها، يرى أنّه جرى شرح لما يتضمّنه الرقم، قبل الإدلاء به، إنّما من دون الإضاءة عليه بشكل بارز.
– والبعض الآخر يقول إنّ هذه المناقصات سقطت “في السياسة”. فهل هذا يعني أن الفائزين بهذه المناقصات، أو قسماً منهم، غير مرحّب بهم من بعض السياسيين أصحاب السلطة؟ أو أن العكس هو الصحيح؟ أي أن الفائزين بمعظمهم مقربون من السياسيين، وتالياً، وامام غليان الشارع في حينه، صعب على أيّ منهم الدفاع عن هذه المناقصات خوفاً مما قد يقال عن المحسوبيات وعن الانتقال من “سوكلين كبير” إلى “6 سوكلين متوسطة”. وهنا أيضاً ثمة من يرفض هذه النظرية بحجة أن كل شيء في هذا البلد مسيّس أصلاً، وأن الفائزين بهذه المناقصات حازوا عقوداً عدة مع الدولة، ويقال إن قسماً كبيراً منهم سيفوز بالعقود التي ستلزم نتيجة قرار مجلس الوزراء الأخير رقم 1 تاريخ 12/3/2016.
– وهناك من يقول إن إسقاط هذه المناقصات وبهذه السرعة لم يكن إلّا بهدف واحد: محو نتائجها من ذاكرة اللبنانيّين، ودفع المؤسّسات المعنيّة باتجاه الكسل الإداري:
1- لتجنّب وضع أدوات في متناول المواطنين وبعض السياسيين، تخدمهم في مقاضاة المعنيين بهذا الملف في الفترة الممتدة من 1997 حتى 2015، وخصوصا التكاليف الباهظة التي دفعت مقارنة بجودة الخدمة التي تمّ توفيرها. فماذا يعني رقم الـ 150 دولاراً/ الطنّ إذا لم يتوافر أي رقم لمقارنته به؟ والكل يعرف كم هو صعب توليد (أو إنتاج) مثل هذه الأرقام في بلد مثل لبنان وفي هذ القطاع بالذات، والدلالة الأكبر على ذلك هي أنه الرقم الأوّل من نوعه في هذا القطاع بتاريخ لبنان، لجهة اولاً شموليته جغرافياً وخدماتياً وبيئياً واقتصادياً، وثانياً الطريقة التنافسية التي اعتمدت للوصول إليه، وتالياً أهميته كمؤشر (benchmark) لتقويم أي تكاليف سابقة.
2- كما يخدم هذا الرقم لتقويم أي عروض أو تكاليف مستقبلية، ومن هنا أهمية محوه من ذاكرة اللبنانيين. ومن تابع ملف النفايات الصلبة عن قرب في العقدين الفائتين يمكنه أن يقدّر أكثر قيمة هذا الرقم، والجهود أو المعارك التي سمحت بولادته، والحراكات التي قد تؤدي عن قصد أو عن جهل إلى نسيانه.
3- يبقى الخطر الحوكمي المتمثّل في الحث على الكسل الإداري، نتيجة محو، ببضع دقائق، عملاً دؤوباً امتد على 10 أشهر من الجهود المتواصلة لأكثر من مؤسسة وشركة. فأي مثل يحتذى لمناقصات مستقبلية في هذا القطاع أو غيره؟”.
ويختم المصدر قائلاً: “أياً كان السبب الأقرب للعقل لإسقاط هذه المناقصات، النتيجة واحدة: غرق لبنان في النفايات لأكثر من 8 أشهر، وإضافة نقطة سوداء جديدة وكبيرة على سجل الحوكمة في لبنان. فمن هنا، ومنعاً لمزيد من الخسائر، الجميع مدعوون للاكتساب من هذه التجربة علّها تبرهن أن الأرقام الواضحة في ملف النفايات الصلبة أو أي ملف آخر ليست ممنوعة في لبنان، لا بل هي مطلب وطني”.