بشير مصطفى
يبدو أن الخطة التطويرية لمرفأ طرابلس، ثاني أكبر مرفأ في لبنان، والذي يشكل إمتداداً للساحل السوري، تصطدم بمجموعة عقبات على الصعيد العملي في ظل إحكام السلطة المركزية قبضتها على المرافىء.
ويُعوّل أبناء المدينة كثيراً على المرفأ الذي تبلغ مساحته 3 ملايين متر مربع ويتضمن سبعة أرصفة ومنطقة حرة معفية من الرسوم الجمركية، بالإضافة الى قاعة للمسافرين تحمل إسم “المحبة والسلام”. كما شهد المرفأ في العام الماضي إفتتاح خط للنقل البحري بين طرابلس ومرسين التركية، كما شهد قفزة بالمداخيل في موازاة عملية زيادة عمق حوض السفن.
ومنذ نحو سبع سنوات بدأت إدارة المرفأ بخطواتها الإصلاحية، وتمكنت من تحقيق قفزات مهمة في تسييره وعملية تطويره التي طال انتظارها بعد الحرب الأهلية وخروج الجيش السوري من لبنان. ويتحدث مدير المرفأ أحمد تامر لـ”المدن” عن وجود خطة إصلاحية للمرفأ قيد التنفيذ وتتألف من ثلاث مراحل تمتد إلى العام 2028. المرحلة الأولى تضمنت إعادة تأهيل المرفأ ومنشآته وتجديده وإضافة منشآت جديدة، وإنتهت في العام 2015 حيث أبصر النور الرصيف الجديد بطول 600 متر وعمق 15 متراً. أما المرحلة الثانية فتتضمن مكننة المرفأ ومواكبة التطور التكنولوجي وإستخدام البرامج الإلكترونية لربطه بالجهات الأخرى، وكذلك توسعة رصيف الحاويات. أما المرحلة الثالثة فتمتد بين عامي 2020 و2028، وتهدف إلى جعل المرفأ جزءاً من المنطقة الإقتصادية الخاصة بطرابلس.
ويُعاني المرفأ من مجموعة عقبات تحول دون بلوغ طاقاته القصوى، ففي مراحل عديدة تعرض لمحاولة تشويه سمعته في أعقاب الإضطرابات الأمنية والنزوح السوري، فهو تارة يتهم بأنه ينشط في اعمال تهريب البشر وطوراً بعدم خضوعه لرقابة كافية، وهو أمر يرفضه تامر الذي لا يستبعد وجود نوايا مقصودة لمنع إنطلاقة المرفأ.
وموقع المرفأ على مقربة من الحدود مع سوريا، يدفع القيمين عليه للتعويل على دور مهم يلعبه في عملية إعادة إعمار سوريا بعد الحرب. ويشير تامر إلى أن للمرفأ أهمية كبرى في عملية تنمية لبنان وسوريا كلاهما، فموقع المرفأ يجعله من أهم الأماكن بالنسبة لمستقبل سوريا، ويشكل عامل جذب للمستثمرين والشركات الأجنبية.
تجار طرابلس: لا تجارة بلا مرفأ
هناك شعورٌ لدى تجار طرابلس أن هناك قراراً سياسياً بتنشيط المرفأ المركزي في بيروت على حساب غيره من المرافىء، وفي ظل الواقع الراهن، فإن أكثر بضائع الشمال تستورد عبر بيروت بسبب صعوبة الإجراءات.ويقول عضو جمعية التجار في طرابلس عمر حجازي، لـ”المدن”، أنه “لا تجارة من دون مرفأ، وخصوصاً في المدن الساحلية”، متسائلاً “ما الحاجة إلى المرافىء الأخرى إذا كانت ستهمش؟”. ويضيف أن “هذا المرفأ لبناني الإنتماء، وموظفوه لبنانيون ويتقاضون معاشاتهم من الخزينة اللبنانية”، محملاً “فريقاً سياسياً معيناً، مسؤولية عدم تنشيط المرافق العامة الموجودة خارج نطاق سيطرته”، ومطالباً بإعادة الحياة الى مرفأ طرابلس المشلول، والذي يُعتبر، برأيه، أهم المرافىء اللبنانية بموقعه وجغرافيته. وتفعيل المرفأ يجب أن يأتي ضمن خطة تعيد الحياة إلى مجموعة مرافق إقتصادية في الشمال، مثل مطار رينيه معوض في القليعات، ومعرض رشيد كرامي الدولي، وهي مؤسسات تلعب دوراً في تنشيط إقتصاد كل لبنان.
مرفأ بكشاف واحد!
في مرفأ طرابلس كشاف واحد تلقى على عاتقه مهمة الكشف على البضائع جميعاً، بحسب تأكيدات تامر الذي يقول إن ذلك يعرقل إستمرار عمل المرفأ، فالعمل يستمر ضمن الحد الأدنى من الطاقة الانتاجية، ولا يمكن تجاوز هذا الواقع إلا بتأمين حوالي ثلاثين كشافاً. وتعيين هؤلاء ليس من صلاحية إدارة المرفأ وإنما من مسؤولية إدارة الجمارك، ولا يحتاج التعيين إلى مباراة لأن هناك كشافين أصلاً في الجمارك. ودور الكشاف رئيسي في تسهيل العمل في المرفأ فهو الذي يتولى مهمة الكشف على البضائع والتأكد من موجودات الحاويات. ويعطي تامر مثالاً على ضغط العمل بكشاف واحد: “إذا وصلنا 100 طرد، نحتاج للكشف عليها من أجل معرفة حجم الرسوم الجمركية التي يجب فرضها وأخذها من المستورد، كما على الكشاف التدقيق بمطابقة المحتويات مع المانيفست والبوليصة، والتمييز مثلاً بين الأقمشة والملبوسات… وغير ذلك”.
المخلصون الجمركيون: الانتظار طال
أوضاع المرفأ الحالية والتأخير في إنجاز المعاملات إنعكسا سلباً على المخلصين الجمركيين بسبب إزدياد الضغط على موظفي المرفأ، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للقيام بأدوار عديدة، ويعطي المخلص الجمركي فؤاد العرب مثالاً على “الروتين”، حيث أن معاملات الخشب كانت تنجز في اليوم نفسه، أما الآن فقد يحتاج انجازها إلى أربعة أيام، مضيفاً أنّه “عوضاً عن إنجاز عشرين معاملة في اليوم، عليك الإكتفاء بعشرة”، ما اضطر المخلّصين الى تمديد دوام عملهم الى العاشرة ليلاً عوضاً عن الساعة الثالثة بعد الظهر. وإقفال الطريق البرية عبر المصنع والتوجه إلى التصدير عبر البحر زاد هذه المعاناة، ويجري العرب مقارنة بين زيادة الشغل وتضاؤل عدد الموظفين، مشيراً إلى أن الكشاف إلى جانب عمله داخل المرفأ عليه الإستجابة الى دوريات الجمارك عند ضبطها أي بضاعة مخالفة عبر الطريق، متسائلاً هل يُعقل أن يكون الشمال كله على عاتق موظف واحد، وماذا سيكون مصير العمل في حال مرضه وإضطراره للبقاء في المنزل؟
في الفترة الأخيرة تصاعدت المطالب برفع الغبن عن المرفأ، من هنا يعتبر المجتمع المدني في طرابلس أن معاقبة مرفأ طرابلس تأتي في خضم النزاع على التشكيلات الوظيفية بين المدير العام الجمارك والرئيس الأعلى للجمارك، ويقول المسؤول في “تجمع الشباب الوطني” عبد الناصر المصري أنه يجب الضغط على إدارة الجمارك لحل هذه المشكلة، لافتاً إلى أن ما يعني أبناء المدينة هو القيام بإجراء إداري بسيط وتعيين كشافين جمركيين لتسهيل دخول البضائع الى طرابلس من أجل تحريك العجلة الإقتصادية. ويعلن المصري عن استمرار التحرك لأن طرابلس لم يعد يمكنها تحمل الواقع الصعب، كاشفاً عن إحتمال الدعوة لإضراب عام في المرفأ بهدف الضغط على المعنيين.