Site icon IMLebanon

حافلات الخوف.. من بيروت إلى معاقل “داعش” في سوريا

 

 

 

“تقرير لصحيفة “السفير”: الرقة الرقة منبج”، يصرخ احد السائقين منتظراً أن يصعد إلى حافلته في محطة شارل حلو في بيروت ركاب يقصدون معاقل تنظيم “داعش” في سوريا، في رحلة طويلة مثقلة بالخوف والخطر.

وتتوقف عشرات الحافلات التي تقوم برحلات بين بيروت ومناطق لبنانية مختلفة، أو بين بيروت ودمشق ومحافظات سورية أخرى، في المكان. ويمتنع الركاب القلائل المتجهون إلى مناطق سيطرة “داعش” عن الكلام، فيما يلتزم السائقون الحذر الشديد.

ويطلب احدهم ألا تظهر لوحة تسجيل حافلته السورية في الصور التي تلتقطها “فرانس برس”. ويقول: “نحن نقوم برحلة خطيرة، وهؤلاء (عناصر داعش) خطيرون، ومن الممكن أن يتعرفوا على الحافلة من أي تفصيل فيها”.

ويروي أبو علي (اسم مستعار) السائق الأربعيني، الذي بدأ بالعمل على خط بيروت ـ منبج في محافظة حلب في شمال سوريا قبل وقت قصير من اندلاع النزاع قبل خمس سنوات، انه يحرص مع ركابه على الالتزام بقوانين التنظيم قبل دخول مناطقه.

ويقول وهو يقف إلى جانب غرفة زجاجية في المحطة كتب عليها “الرقة ـ منبج ـ الباب”: “ندخن من هنا حتى نقترب من أول حاجز لداعش” على طريق الضمير – تدمر وسط سوريا، و “عندها، يرمي الجميع السجائر وعلب الدخان ونرش العطر في الحافلة”.

ويتابع أبو علي، وتعابير الخوف واضحة على وجهه: “الدخان ممنوع، وإن وجد أحد عناصر التنظيم شخصاً يحمل معه سجائر، ينزله ويجلده على الطريق”.

ويقول جواد، وهو سائق آخر استخدم أيضاً اسماً مستعاراً، إن عناصر التنظيم “يقومون أحيانا بشمّ الأيدي للتأكد”.

قبل بدء النزاع، كانت الحافلات المتجهة إلى سوريا كثيرة وتعج بالركاب، لكن منذ بدء توسع التنظيم قبل ثلاث سنوات في شمال وشمال شرق سوريا، يكتفي السائقون السوريون برحلتين أسبوعياً ذهاباً وإياباً من بيروت إلى معاقل “داعش” مروراً بمناطق أخرى. ولا يملك هؤلاء مصدر رزق آخر، ويتحدرون بمعظمهم من مناطق يسيطر عليها التنظيم، ولا تزال عائلاتهم تقيم فيها. وأحياناً لا يتعدى عدد ركاب الحافلة ثلاثة، يقومون بالرحلة لتفقد ذويهم، بحسب ما يقول السائقون.

وقبل الوصول إلى أول حاجز للتنظيم، تقوم النساء بإخراج براقعهنّ من حقائبهنّ، و”يغطين بها رؤوسهنّ حتى الركبتين”، بحسب أبو علي. ويعمل الرجال على طي سراويلهم لتتناسب مع اللباس الشرعي الذي يفرضه التنظيم، بحسب محمد، وهو سائق آخر.

وينقل السائقون معهم أيضا “أمانات” يرسلها السوريون في لبنان إلى ذويهم، وتتضمن مواد غذائية وألبسة وأدوية ومبالغ مالية. ويقول محمد: “يرسلون معنا قهوة ونسكافيه وألعاباً وألبسة للأطفال”. ويوضح أبو علي: “يرسلون السكر أيضاً، فسعر كيس السكر في منبج يصل إلى ثمانية آلاف ليرة سورية، فيما كان قبل الحرب 25 ليرة”.

لكن بعض المواد يحظر نقلها. ويقول أبو علي إن “المرتديلا مثلا ممنوعة منعاً قاطعاً، فهي بالنسبة إليهم ذبح غير شرعي وإن كتب عليها حلال”.

وبسبب الخوف الذي يثيره “داعش”، بات السوريون من طوائف معينة يمتنعون عن السفر بالحافلات. ويقول جواد: “كانت شركتنا تقل أشوريين وسرياناً وأكراداً ومسيحيين. أما اليوم فهؤلاء جميعهم ممنوعون من ركوب الحافلات”.

في المحطة، يقف مروان زورو (عامل كردي، 55 عاما)، مع زوجته إلى جانب حقيبتَي سفر، في انتظار سيارة تاكسي تقلهما إلى دمشق. ويقول: “قبل الأحداث، كنا نذهب إلى القامشلي بالباصات وسيارات الأجرة، أما الآن فأصبحنا مضطرين للسفر بالطائرة من الشام”. ويضيف إن “المشكلة أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يحارب سوى الأكراد، ولذلك لم نعد نأخذ الحافلات، فالركاب يخافون على حياتهم”.

ولا تقتصر صعوبات الرحلة على الخوف الذي تثيره حواجز التنظيم، إذ يطول انتظار الحافلات على حواجز أخرى تابعة للجيش السوري. ويقول أبو علي: “قبل الأحداث، كانت الطريق بين بيروت ومنبج تتطلب بين أربع وست ساعات، أما اليوم فرحلتنا تطول. ننطلق من الساعة السابعة مساء ولا نصل قبل الساعة السابعة مساء من اليوم التالي”. ويوضح محمد: “قبل الحرب لم يكن احد يوقفنا، أو يسألنا شيئا أو حتى يطلب هويتنا، أما اليوم فلا نمر على حاجز دون أن يدققوا بهوياتنا. أحيانا كثيرة يطلب عنصر من الجيش من كل راكب أن يدفع له ألفا أو ألفي ليرة”.

وتنطلق الحافلات من بيروت لتصل إلى دمشق ومنها إلى الضمير، ثم تدخل مناطق سيطرة “الجهاديين”، فمدينة تدمر الأثرية إلى السخنة، لتتابع إلى الرصافة (محافظة الرقة) ومنها ما يكمل شمالا إلى مدينة الرقة أو يتابع غربا إلى مسكنة ثم منبج والباب في حلب.

ويقول ابو علي: “لا يسمح لنا حاجز النظام بالمرور عندما تكون هناك اشتباكات، ونضطر أحياناً لتمضية يوم وليلة أو حتى يومين على الطريق حتى تنتهي فنكمل طريقنا”.

ويروي محمد انه أثناء عودته إلى بيروت قبل يومين قادما من منبج، مرّ على طريق تدمر بحافلة محطمة من الجهة الأمامية. ويقول: “هذه الحافلة كان يقودها زميلي جمعة الذي قضى في الاشتباكات”.