كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
الى جانب التباهي بتوفير حلٍّ موقّت للنفايات في لبنان، لن يكون سهلاً إخفاء ما رافق هذا الملف من حديث عن حجم كبير من الإنفاق الذي سيترافق ومراحل الحلّ من خارج كلفة النقل والطمر تحت شعار «إنماء محيط المكبات» إرضاءً للبلديات المضيفة والقرى المحيطة بها، الى أن يُفتح مجدّداً البابُ أمام المناقصات لإدارة المرحلة الإنتقالية قبل المُستدامة.يجزم المتعاطون في ملف النفايات منذ بداية الأزمة وما قبلها، أنه لا يمكن الإستمرار في معالجته قبل إلقاء الضوء على ما خطّط له من صفقات فاشلة منذ إقفال مطمر الناعمة في 17 تموز الماضي لئلّا تتكرّر التجربة مرة أخرى قريباً، خصوصاً عند مَن يعرف حجم التحضيرات القائمة لمواكبة المناقصات التي ستُطرَح مرة أخرى خلال الأيام الستين المقبلة لإدارة الملف توصّلاً الى بناء منشآت المطامر وتجهيزاتها توصلاً إلى المرحلة المُستدامة للحلّ.
ومن هذه الخلفيات يبدو للمراقبين أنّ على مَن في يدهم الحلّ والربط التدقيق في المحطات السابقة قبل ولوج أيّ محطة أخرى للوقوف على حجم المقالب التي دُبّرت وما جرى التخطيطُ له من مشاريع صفقاتٍ انهارت واحدة بعد الأخرى، إن بسبب الحراك المدني، أو بسبب الإصرار على التعاطي مع الملف كأنه صفقة لا بدّ منها لضمان التحكم بهذا القطاع للسنوات المقبلة.
لم يتجرّأ رجلُ أعمال أو صاحب شركة أو وكيل على خوض التجربة السابقة في ملف النفايات ما لم يكن مدركاً حجم الأموال المخصّصة لهذا القطاع وحجم الفائض المتبادل على أوسع قاعدة بين مؤسسات ومكاتب مراقبة للتثبّت من الأوزان، وأخرى للتدقيق والمحاسبة تدور على نفسها حول الشركة الأم منذ أن حُرمت البلديات مخصصاتها المالية لمصلحة الشركة الأم.
ومردّ هذه الملاحظات الى الخبرة المتوارثة في إدارة ملف خارجه من نفايات وقلبه من ذهب، كما يقول أحد العارفين بخفايا الأمور وبقطب كثيرة مخفية ليس من السهل الوصول اليها من دون أن يتلوّث كثر من جميع الأطراف ما يحول دون الوصول الى كلّ الحقائق المتصلة بها، بعدما يكون الجميع قد استجمع قواه لإقفال ملفات كثيرة وتعطيل وثائق كثيرة تدين الذين تعاطوا بهذا الملف على مرِّ العقود السابقة.
ويلفت العارفون الى أنّ الشبكة التي أدارت الملف في السنوات الماضية كانت أذكى بكثير من الباحثين عن نقاط الضعف في إدارته سعياً وراء المحاسبة والبحث عن المال العام المهدور، عدا عما يمكن أن توفره الجهات التي تخضع للمحاسبة من وثائق وملفات تبرّئ ساحتها وتبعد كلّ أشكال المخاطر المحدقة بها.
ليس في كلِّ ما سبق أيّ إشارة الى طرف محدّد، فقد تورّط كثرٌ في هذا الملف وقبلوا الرشاوى والتسهيلات التي عزّزت زعامات وأسقطت أخرى وهو ما ستشكفه الأيام المقبلة من التحقيقات متى انطلقت في قصور العدل مطلع الشهر المقبل وفي انتظار مزيد من الدعاوى التي يستعدّ البعض للتقدم بها، وخصوصا تلك التي كشف عنها رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل متحدثاً عن أشكال الرشوة التي تعرّض لها في أكثر من مناسبة منذ أن قدّم الدعوى الأولى ضدّ الشركة الأم قبل اسابيع عدة.
ولذلك يُحذر المراقبون من تكرار التجربة مرة أخرى ما لم يتم التعاطي مع هذا الملف من أبوابه الإدارية والمالية بالشفافية المفقودة حتى الآن، وهو أمرٌ صعب. فقد تحوّل هذا القطاع بمعرفة الخبراء اقتصاداً موازياً للإقتصاد الوطني القائم، وله أطره الكاملة، منها ما كان قائماً ضمن المؤسسات الرسمية، ومنها ما هو خارجها.
وهو ما أدّى الى قيام مجتمعٍ مبنيٍّ على منظومة تعمل من خارج المؤسسات الرسمية وهي متكاملة ومتناسقة، وربما كانت أقوى بكثير من تلك التي تتعاطى مع الوزارات والمؤسسات العامة وأنّ أصحابها وأبطالها مستعدون لكلّ أشكال التحرك لحماية هذا القطاع واستمرار التحكّم به مهما إختلفت وتعدّدت الآليات التي ستُعتمد، وخريطة الطريق التي رُسمت توصلاً الى المرحلة المُستدامة.
ومن هنا تنطلق المراجع المعنية في تحذيراتها من أنّ النقاش في ملف النفايات سيبقى على نارٍ متوهجة في الفترة المقبلة. ففي ظلّ المشاريع المتخصّصة التي بدأت تنبّت في المناطق اللبنانية المختلفة، سواءٌ تلك التي بادَر اليها عدد من اتحاد البلديات والنواب في بعض المناطق، عدا عن تلك التي بُنيت بالهبات الدولية في مناطق جنوبية وبقاعية وفي الجبل ستقدّم نموذجاً بديلاً من تلك التي تسعى اليها جهاتٌ عدة في إطار الجهود التي بذلها ابطال المرحلة السابقة لإستعادة السيطرة على القطاع، وهو ما دفع الى الحديث عن شكلٍ مختلف من أشكال النزاع في المستقبل الى أن بلغ الأمر بأحدهم الى القول: ماذا لو فُقدت النفايات من بعض المناطق؟! أو هي رفضت الإنتقال الى المطامر؟ عندها ستكون للحديث عن هذا القطاع صيغة أخرى مختلفة عن تلك المتداولة اليوم. فلننتظر!