مروة رشاد وريم شمس الدين
تمكن مبارك موسى عبر عشرة أعوام قضاها في السعودية من تقديم الدعم المالي لوالديه وأشقائه الثلاث في سوريا لكن مع تغير سياسة العمل في المملكة ربما لا يتمكن من الاستمرار في ذلك لفترة طويلة.
فبعد نجاحها في توفير وظائف للسعوديين في قطاع التجزئة، أعلنت وزارة العمل في وقت سابق من هذا الشهر توجهها لسعودة قطاع بيع وصيانة الهواتف المحمولة بحيث يشغل السعوديون نسبة 100 بالمئة من الوظائف في هذا القطاع خلال ستة أشهر بحلول سبتمبر أيلول المقبل.
وبهذا أصبح موسى واحدا من آلاف العمال الأجانب الذين يواجهون مخاطر فقدان وظائفهم والعودة لبلدانهم في ظل الضغوط التي أحدثها هبوط أسعار النفط على الاقتصاد وتوجه الحكومة لتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين في القطاع الخاص.
وداخل محل صغير في حي المرسلات أكبر أسواق بيع وصيانة الهواتف المحمولة في الرياض قال موسى “ما أعرف ايش أسوي. ما أعرف وين نروح. حاولت اني اشتغل شغلة تانية لكن ما قدرت. ما أعرف.”
ويوجد في المملكة نحو عشرة ملايين وافد معظمهم من آسيا وأنحاء أخرى من الوطن العربي ويعمل معظمهم في وظائف متدنية الأجور ينفر منها السعوديون مثل بعض وظائف قطاعي الإنشاءات والتجزئة والعمل في المنازل بينما تعمل نسبة قليلة في وظائف إدارية متوسطة ورفيعة المستوى.
وتدفق هؤلاء العمال إلى المملكة خلال سنوات طفرة النفط وازدهار الاقتصاد. وتدعم تحويلات العمال الأجانب اقتصادات بلادهم. وبحسب بيانات البنك المركزي السعودي بلغت تحويلات الأجانب 9.1 مليار دولار في الربع الثالث 2015.
لكن مع هبوط أسعار النفط أصبحت الآفاق قاتمة بعض الشيء. إذ تباطأ معدل نمو الاقتصاد السعودي مع تسجيل المملكة لعجز في الموازنة يقدر عند 100 مليار دولار سنويا.
ولمواجهة هذا العجز لجأت الحكومة السعودية لعدد من الإجراءات شملت خفض الإنفاق وتقليص المشروعات ما دفع عدد كبير من الشركات التي تواجه نقصا في التدفقات المالية وارتفاعات في تكلفة العمالة إلى تسريح عدد كبير من موظفيها مؤخرا.
وعادة ما ينحصر تسريح الأجانب بصورة رئيسية من هذه الشركات لأن قوانين العمل تجعل من الصعب الاستغناء عن الموظفين السعوديين.
وفي ظل صعوبة توفير وظائف للمواطنين في القطاع العام مقارنة بالسنوات الماضية أصبح خلق فرص عمل للسعوديين في القطاع الخاص أحد الأولويات الكبرى للحكومة من أجل خفض معدل البطالة البالغ حاليا 11.5 بالمئة.
كان رجل أعمال بارز قال لرويترز في يناير كانون الثاني إنه لن يتفاجأ إذا غادر المملكة نحو مليون وافد بنهاية 2016.
يقول الاقتصادي السعودي البارز فضل البوعينين إن التغيرات الاقتصادية بدأت في الضغط على سوق العمل ما تسبب في بداية هجرة لشريحة كبيرة من العمالة الأجنبية.
ويضيف أن الشركات تلجأ في حال تقلص ربحيتها إلى خفض التكاليف “وفي الغالب تكون القوى العاملة هدفا للإدارات الباحثة عن خفض الالتزامات المالية الثابتة وهذا ما أراه اليوم.”
قطاع الإنشاءات
تركز خفض الوظائف وتسريح العمالة حتى الآن بصورة شبه حصرية في قطاع الإنشاءات والمقاولات الذي يقول محللون إنه يوظف نحو 45 بالمئة من العمالة الأجنبية في المملكة.
ومع تأخر الحكومة في صرف مستحقات المقاولين لجأت الشركات للتخلي عن آلاف العاملين منذ نهاية العام الماضي لمواجهة زيادة تكلفة العمالة.
وأوقفت شركات أخرى العمل في مشروعاتها فيما نقلت بعض الشركات أعمالها لمكاتب أصغر داخل المملكة أو في بلدان مجاورة أقل تكلفة.
يقول أبو فادي الذي يعمل في شركة إنشاءات كبرى تواجه أزمة مالية تسببت في تأخر دفع رواتب العاملين منذ سبتمبر أيلول الماضي “للمرة الأولى منذ 12 عاما في وظيفة مستقرة بدأت في تحديث سيرتي الذاتية وإرسالها لشركات أخرى.”
ويضيف أبو فادي وهو فلسطيني لبناني يبلغ من العمر 27 عاما أنه أجل خطط زواجه لحين وضوح الرؤية فيما يتعلق بالمستقبل وأن زملاءه الذين جلبوا أسرهم للعيش في المملكة باتوا غير قادرين على دفع أجور السكن وتلبية متطلبات المعيشة.
وذكر أن نحو 5000 من الفنيين العاملين في الشركة التي يعمل بها غادروا المملكة.
ولم يتسن الحصول على إحصاءات رسمية من الإدارة العامة للجوازات في السعودية حول عدد الأجانب الذي غادروا المملكة بشكل نهائي حين اتصلت بها رويترز.
وأكدت وزارة العمل لرويترز أنها اتخذت إجراءات رادعة بحق الشركات التي تأخرت في صرف مستحقات العاملين وأوقفت الخدمات عن كبرى الشركات في المملكة لعدم التزامها بإيداع أجور عامليها في الوقت المتفق عليه في العقد.
لكن مخاطر فقد الأجانب لوظائفهم قد تمتد لقطاعات أخرى في ظل خطط وزارة العمل بسعودة المزيد من القطاعات.
يقول أبا الخيل “نستهدف خلال الخمس سنوات القادمة إلحاق تقريبا 1.3 مليون سعودي في سوق العمل.
“سيكون هناك أيضا توطين لأنشطة مثل الأجهزة الإلكترونية والحاسبات وقطاع التاكسي والسفر والسياحة والعقار وبيع الذهب والمجوهرات وأسواق الخضار كلها ستكون على مراحل متدرجة.”
لكن أبا الخيل أكد على حق الوافدين الأجانب – ومنهم نحو 20 ألف يعملون بقطاع بيع وصيانة الجوالات – في البحث عن فرص عمل ونقل خدماتهم لقطاعات أخرى.
وبات عدد من العاملين الأجانب أصحاب الكفاءات العالية الذين يعملون في وظائف مرتفعة الأجور يفكرون في مغادرة المملكة مع تراجع الفرض الجاذبة لهم في ظل استمرار هبوط أسعار النفط.
فبعد أكثر من تسعة أعوام قضاها في السعودية بدأ أحد الاستشاريين البريطانيين العاملين في قطاع البتروكيماويات بالمنطقة الشرقية يفكر جديا في العودة إلى المملكة المتحدة إذ جعلت الأوضاع الصعبة التي أحدثها هبوط أسعار النفط ظروف معيشته غير مجدية اقتصاديا.
وقال لرويترز “أصبح هناك قدر ضئيل من العمل لي في الوقت الراهن. تأخر المشروعات وخفض الإنفاق وتأخر الموافقات على صرف المستحقات وعدم وجود تمويل لتطوير الأعمال..أيا كان السبب فإن النتيجة هي القليل من الدخل.”
ويضيف “كان العام الماضي طبيعيا لكن نهايته وبداية العام الجاري هما أسوأ ما رأيت.”
وفي عدد من القطاعات لاسيما النفط والغاز قال وافدون إن شركاتهم لجأت لخفض البدلات التي يحصلون عليها خاصة بدل السكن.
وبعد أن كانت المجمعات السكنية في الرياض والمنطقة الشرقية تحظى بقائمة انتظار طويلة أصبح بعضها يبحث عن مستأجرين وانتشرت في شوارع كثيرة لوحات كبيرة تعلن عن “فلل للإيجار”.
ويفضل الوافدون الأجانب العيش في مجمعات سكنية لكن تكلفة العيش في هذه المجمعات تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات سنويا وهو مبلغ يندر أن يكون هناك من هو مستعد لدفعه من ماله الخاص.
وفي وقت سابق من هذا الشهر أظهر مسح أجراه الموقع الإلكتروني الشهير للتوظيف “جلف تالنت” أن من المتوقع انخفاض نسبة الزيادة في الرواتب في المملكة إلى 5.9 بالمئة في 2016 من 7.4 بالمئة في 2014 عندما كانت أسعار النفط عند مستويات قياسية.
وقالت جلف تالنت في تقريرها “تواصل السعودية التراجع فيما يتعلق بكونها الوجهة الأولى للوافدين…من المتوقع أن تشهد الشركات النسبة الأكبر من خفض الوظائف (مقارنة بدول الخليج الأخرى) في ظل اعتماد المملكة بشكل رئيسي على النفط ونطاق إجراءات التقشف المزمعة.”