كتبت سابين عويس في صحيفة “النهار”:
لم تترك جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في طبعتها السابعة والثلاثين إنطباعاً جيدا عن جدية النواب اللبنانيين في تعاملهم مع هذا الاستحقاق، عشية زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون لبيروت. بل على العكس، شكلت إحراجا للوسط اللبناني السياسي الذي يعجز عن إنجاز استحقاق داخلي بهذه الاهمية، فيما سيتوالى قياديوه اليوم على دعوة الامين العام لبذل المزيد من الجهود في سبيل تأمين الدعم الدولي من أجل تسهيل إنجاز الاستحقاق، على أساس أنه مسألة خارجية وليست داخلية.
خلافاً لجلسة الانتخاب السابقة، لم تنجح مساعي الرئيس سعد الحريري في تكثيف حضور النواب الى البرلمان أمس. ففي حين ساهمت عودته قبل شهر ومشاركته للمرة الاولى في جلسة الانتخاب في رفع عدد النواب المشاركين الى 72، تراجع هذا العدد أمس إلى 62، في إشارة واضحة رغب المتغيبون في توجيهها إلى الحريري، مفادها أن زخم العودة فقد بريقه، وأن استراتيجية الزيادة التدريجية في عدد النواب وصولا إلى تأمين النصاب غير ناجعة في ظل استمرار القوى الممتنعة عن المشاركة على موقفها من موضوع الرئاسة أولا ومن المرشحين ثانياً.
لا تعطي جلسة الانتخاب أي إشارات إيجابية لبان الذي يصل إلى بيروت صباح اليوم ويمضي فيها يومين، يرافقه رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ورئيس البنك الإسلامي للتنمية أحمد محمد علي، رغم أن هذا الموضوع لن يغيب عن محادثات المسؤول الأممي مع المسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم.
ولكن الواقع أن إثارة الموضوع لن تكون إلا من باب تأكيد الأمم المتحدة على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لاستعادة الانتظام في عمل المؤسسات الدستورية، ولصون الاستقرار وتحصينه وحماية تطبيق الدستور.
أما الهدف الرئيسي للزيارة فهو جولة يقوم بها بان على عدد من دول المنطقة ومنها لبنان والأردن، عنوانها تأكيد دعم الامم المتحدة وتفهمها لوضعي هذين البلدين اللذين يستضيفان أعدادا كبيرة جدا من اللاجئين السوريين تفوق قدرة مجتمعاتهما واقتصادهما على تحملها.
من هنا، لا تحتمل الزيارة أي تأويل أو أبعاد ليست في واردها، بما أنها تنحصر في موضوع اللاجئين، ولكنها، رغم ذلك، لن تبقى في الإطار النظري، بل ستلحظ خطوات عملية، خصوصا أنها الخطوة الأولى التي تسجل بعد انعقاد مؤتمر لندن للمانحين في شباط الماضي، والذي قرر دعما مالياً يقارب الـ11 مليار دولار لسوريا ولبنان والاردن وتركيا، ولم يصدر منذ ذلك التاريخ أي إجراءات عملية توضح آليات صرف الأموال ووجهة صرفها.
لكن بحسب المعلومات المتوافرة لـ”النهار”، فإن حضور رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية، وإن كان يساهم في بلورة آليات تنفيذ مقررات مؤتمر لندن، سيكون مناسبة لتوقيع عدد من المشاريع والقروض مع البنك الدولي من جهة، ومع البنك الإسلامي للتنمية من جهة أخرى، وهي مشاريع تأتي من خارج ما قدمه لبنان في ورقته الى مؤتمر المانحين.
وعليه، سيكون لبان والوفد المرافق لقاء الرابعة بعد الظهر مع رئيس الحكومة تمّام سلام، على أن تعقد جلسة محادثات موسعة يشارك فيها عدد من الوزراء المعنيين، وينتظر أن يتم توقيع المشاريع والقروض المشار اليها، كما سيصار الى البحث في المشاريع التي يطلب لبنان تمويلها، والتي كانت قدمت إلى مؤتمر لندن ليصار إلى تحديد حاجات لبنان وأولوياته. وعلم في هذا المجال أن المؤتمر قرر تخصيص ما مجموعه مليار ونصف مليار دولار للبنان وفقا لما قدمه في ورقته، علما أن الحكومة كانت حددت حاجاتها للسنوات الخمس المقبلة بـ11 مليار دولار، وبـ 2,4 ملياري دولار لهذه السنة.
من جهته، أكد سلام لـ” النهار” أنه سيتناول مع بان المرحلة الصعبة التي يمر فيها لبنان في ظل الشغور الرئاسي وتعطل المؤسسات الدستورية، كما سيعرض الأعباء الكبيرة المترتبة على استضافة أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري. وكشف أنه سيثير مع المسؤول الاممي “تقصير المجتمع الدولي حيال لبنان وعدم دعمه كفاية ليصمد ويتصدى في وجه الاعباء الضخمة التي تثقل إقتصاده ومجتمعه، وعدم مساندته ليواجه هذا التحدي بخطى ثابتة”.
وعن المخاوف التي تثيرها سياسة المجتمع الدولي الرامية الى تثبيت اللاجئين في لبنان بما يعزز التوجه نحو الرغبة الدولية لتوطينهم، أكد سلام أن هذا الموضوع غير مطروح إطلاقا، وانه سيجدد تأكيد موقف لبنان الرسمي من هذه المسألة الرافض للتوطين. وقال: “سنستفيد من زيارته لنؤكد ثقة المجتمع الدولي بلبنان وأهمية تماسكه ومساعدته للاستمرار في تحمل الأعباء المنوطة به”.