عبد الرحمن عرابي
اجتمعت العوامل المحلية والإقليمية لتضع الاقتصاد اللبناني أمام تحديات عديدة، أبرزها توقف تدفق الاستثمارات الخليجية إلى بيروت، حيث اتجهت إلى خارج لبنان مع اندلاع الأزمة السورية، كما تراجعت نسبة تحويلات العاملين بالخارج.
ولا تخلو أي من المنشآت العامة والخاصة في لبنان من بصمة الاستثمارات الخليجية فيها، بدءاً من مطار بيروت الدولي الذي تشغل جزءاً من خدماته “مجموعة الخرافي” الكويتية، وصولاً إلى المشاريع الاستثمارية في مُختلف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية.
ومع تصاعد الأزمة السورية، باتت العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية بين الخليج ولبنان مهدّدة، ولا سيما بعد أن أعلن مجلس التعاون عن أن حزب الله منظمة إرهابية، وهو ما أيدته جامعة الدول العربية.
وفي هذا السياق، يُصنف رئيس مجلس إدارة، والمدير العام للمؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات “إيدال”، نبيل عيتاني، المُستثمرين الخليجيين ضمن فئة “المُستثمرين المُهمين في لبنان”.
ويُشير في حديث لـ “العربي الجديد” إلى “تنوع استثماراتهم في مُختلف القطاعات، من العقارات إلى السياحة والصناعة والزراعة، إلى جانب التحويلات المالية بالعملة الأجنبية من العاملين اللبنانيين في الخليج”. وهي قطاعات طاولتها آثار الأزمة السورية التي يؤكد عيتاني، أنها أثرت سلباً على استقطاب الاستثمارات الخارجية بشكل عام وأبرزها الخليجية.
لا استثمارات خليجية جديدة في لبنان منذ ثلاث سنوات حتى اليوم، بحسب مدير “إيدال”، لكن “المشاريع القائمة لم تتوقف أو تُسحب وهو مؤشر على استمرار القناعة لدى المُستثمر الخليجي بأن لبنان لا يزال ملاذاً آمناً ومُربحاً”. وهي خلاصة، يقول عيتاني، إن المستثمر الخليجي لمسها بسبب “التشريعات القانونية المُيسرة للاستثمار واستقرار القطاع المصرفي وسريته في لبنان، إلى جانب سياسات الانفتاح الاقتصادي وحرية نقل البضائع والتحويلات والأشخاص”.
ولدى سؤاله عن تأثير نمو الأسواق المُجاورة، كالأردن وتركيا، على استقطاب الاستثمارات الخليجية من لبنان، يرفض عيتاني تسمية أية دولة بعينها، لكنه يؤكد أن “ثقة المُستثمر الخليجي بلبنان دائمة، ومرحلة الانكفاء مؤقتة”.
وتظهر دراسة أعدتها “غرفة التجارة والصناعة والزراعة في لبنان” حجم العلاقات الاقتصادية بين لبنان ودول الخليج، ومدى استفادة لبنان من هذه العلاقات. فقد بلغت قيمة الاستثمارات التراكمية اللبنانية في الخليج في الفترة ما بين الأعوام 1985-2009 نحو 4 مليارات و735مليون دولار، ونسبتها 57.4 % من إجمالي الاستثمارات اللبنانية في الدول العربية كافة.
وتشير الدراسة إلى استحواذ السعودية والإمارات والكويت على الحصص الأكبر من هذه الاستثمارات بمجموع يتجاوز 4 مليارات دولار.
كما تُقدر الدراسة “الاستثمارات التراكمية لدول الخليج في لبنان بنحو 11 ملياراً و358 مليون دولار، نسبتها 92.7 % من الاستثمارات العربية في لبنان”. والحصة الأكبر دوماً هي من نصيب السعودية، تليها دولة الإمارات، وبعدهما الكويت.
وحتى العام 2015 “نفذ مستثمرون لبنانيون مشاريع في دول مجلس التعاون تقدر قيمتها بـ 1.4 مليار دولار، ما نسبته 27 % من إجمالي الاستثمارات اللبنانية في الدول العربية مُجتمعة”.
وهي مشاريع قادت عددا من رجال الأعمال اللبنانيين في جولات خليجية إلى محاولة الحد من آثار الأزمة السياسية الحالية بين لبنان ودول المجلس على الاستثمارات الخليجية القائمة في لبنان وتلك اللبنانية العاملة في الخليج. فزار رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، محمد شقير، دبي وأبو ظبي خلال الفترة الماضية.
وفي هذا السياق، أكد شقير، لـ”العربي الجديد” أن الجولة حملت “تطمينات لمستقبل العلاقات المالية بين لبنان والخليج”. وقال إن “الاستثمارات الخليجية لم تتراجع إلا بسبب الأحداث الأمنية والظروف السياسية، لكن الخليجيين لم يتخلوا عن لبنان والاستثمارات المُشتركة مُرحب بها دوماً”.
كما أعلن رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، المصرفي والوزير السابق عدنان القصار، عن نيته القيام بجولة خليجية على رأس وفد، من أجل توضيح موقف رجال الأعمال اللبنانيين، ووضع الحلول التي قد تساعد على عودة العلاقات إلى سابق عهدها، وأشار إلى أن لبنان تجمعه مع أشقائه الخليجيين علاقة تاريخية في السياسة والاقتصاد.
وتشير دراسة أخرى أعدتها “المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات”، إلى تصدر الدول والمجموعات الخليجية قائمة المُستثمرين في لبنان، وذلك في القطاعات الثلاثة الأولى التي رصدتها الدراسة بين عامي 2003 و2015، وهي، العقارات (48%)، الفنادق والسياحة (30.6%)، الكيميائيات (4%).
وحلّ “بنك دبي الإسلامي” على رأس قائمة المُستثمرين في لبنان مع استثمارات بلغت 1,926 مليون دولار في أربعة مشاريع وفرت 481 فرصة عمل. تلته “مجموعتا ماجد الفطيم والساير.
ويُعد مشروع “كارفور مول” التابع لمجموعة الفطيم من أبرز المشاريع التي افتتحت في الفترة الأخيرة على صعيد لبنان (عام 2013)، والذي ترافق إنشاؤه مع موجة من الأحداث الأمنية وترحيل لبنانيين من دول الخليج على دفعات. وهو المشروع التجاري الذي أتى بعد سنوات قليلة على إغلاق واحدة من أكبر الملاهي الترفيهية في البلاد (حبتور لاند)، بسبب تتالي الأحداث الأمنية في البلاد، من اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، ثم عدوان الاحتلال الإسرائيلي يوليو/تموز عام 2006. ليأتي عام 2007 حاملاً الإعلان النهائي عن إغلاق هذه الملاهي الترفيهية بعد أقل من سنتين على افتتاحها.
والى جانب قطاعات الاستثمار المُباشر، تُشكل التحويلات المالية للمُغتربين اللبنانيين في دول الخليج “صمام أمان للقطاع المصرفي”، بحسب الخبير الاقتصادي والأكاديمي اللبناني، سامي نادر.
يحذر نادر في حديث لـ”العربي الجديد” من أن “أي قرار شامل بترحيل اللبنانيين من الدول النفطية سيترك أثراً مباشراً وكبيراً على الاقتصاد لأن انخفاض نمو الودائع بالعملة الأجنبية سيحد من قدرة الدولة على سداد الديون للمصارف والتي تتجاوز 100 مليار دولار”.
وتظهر دراسة غرفة التجارة أن “قيمة التحويلات المالية بلغت 7.5 مليارات دولار عام 2015، منها 50 % عبر السعودية أي نحو 3.8 مليارات دولار، و2.2 مليار من باقي دول الخليج العربي، و1.5 مليار دولار من باقي دول العالم”. وهي نسبة كبيرة تساهم في الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة وحماية الاحتياط المحلي من العملات الأجنبية. وقد طاول التأثير هذه التحويلات مع استغناء الخليج عن مئات من اللبنانيين الفترة الماضية.